يبدو أن فصائل المقاومة الفلسطينية لم تحسم أمرها من استحقاق أيلول، سوى بعض التصريحات لبعض قياداتها السياسية التي لا تعوّل كثيراً على هذا الحدث السياسي، في المقابل ترى حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية في هذا الحدث بأنه عمل كبير يحتاج إلى انتفاضة دبلوماسية تقود إلى اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين عضواً دائماً بها.
وبين هذا وذاك لابد من الوقوف عند حدث هام في الشرق الأوسط، وهو الإعلان الرسمي عن ولادة جمهورية جنوب السودان، وكيف سارع رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة المتحدث الثاني بعد رئيس كينيا في حفل الاستقلال، بأن جمهورية جنوب السودان ستحصل على العضوية الدائمة في الأمم المتحدة وستكون الدولة رقم (193)، وهذا يكشف بشكل أو بآخر الشروط السياسية للعضوية، فانفصال جنوب السودان وانسلاخه عن هويته العربية، ورفعه للعلم الإسرائيلي في شوارعه، والاعتراف الرسمي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية به، هم من أهم شروط العضوية في الأمم المتحدة، وهذه الرسائل السياسية التي يجب أن نستفيد منها نحن كفلسطينيين...
نعود إلى الموقف من استحقاق أيلول، فالناظم في تحديد هذا الموقف يتوقف على رؤية الحركة الوطنية الفلسطينية لحدود الدولة الفلسطينية، فإن كانت أدبيات أي فصيل أو حزب أو حركة يؤمن بأن حدود فلسطين الدائمة هي فقط على حدود الرابع من حزيران/1967، فإن موقفها من استحقاق أيلول سيكون ايجابياً، لأن هذا الاستحقاق سيعطي إسرائيل الحق السياسي والقانوني في 78% من أرض فلسطين التاريخية، وكذلك يعطي فلسطين الحق السياسي والقانوني في 22% من مساحة فلسطين التاريخية.
ومما سبق نستطيع القول بأن القوى الوطنية والإسلامية تقف اليوم على مفترق طرق هام، فهي مطالبة بتحديد موقفها، لأن هذا الاستحقاق سيكون له بالغ الأثر على مستقبل المقاومة في فلسطين، وكذلك على مستقبل الثوابت الوطنية وأبرزها حق العودة، فمناورة الغرب مع الرئيس محمود عباس تهدف للضغط على الأخير للقبول بيهودية الدولة، وحق عودة اللاجئين إلى حدود الدولة الفلسطينية لمن يريد العودة.
أما مستقبل المقاومة في ضوء استحقاق أيلول، فإن من أهم مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة هو تحقيق الأمن والسلم العالمي، وبهذا تستطيع إسرائيل ضرب حركة حماس والجهاد الإسلامي تحت ذريعة قانون مكافحة الإرهاب، وفي حال قام أي فصيل بالرد على الاعتداءات الصهيونية سيتم التعامل مع دولة فلسطين العضو في الأمم المتحدة تحت الفصل السابع، بمعنى نحن أمام عقوبات دولية أو تحرك عسكري أممي ضد فصائل المقاومة، وهذا يمثل أكبر خطر على مستقبل المقاومة وسلاحها، ويشكل تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية، ولذلك على الجميع الانتباه، فموقف إسرائيل والولايات المتحدة من هذا الاستحقاق مريب وخبيث ويهدف فقط لخفض سقف المطالب الفلسطينية.
وهنا أدعو القيادة الفلسطينية إلى الإفصاح عن مشروع القانون المراد تقديمه لمجلس الأمن للشعب الفلسطيني، فمن حق اللاجئ الفلسطيني معرفة ذلك لأن حق العودة هو حق فردي لكل لاجئ، ولا يحق للقيادة الفلسطينية التصرف به وفقاً لأجندتها السياسية، أما فصائلنا فعليها الترقب واليقظة من هكذا مشروع، وعلى الرئيس محمود عباس التشاور مع الكل الوطني في القضايا المصيرية، وتحديد الأولويات الوطنية وكذلك الثوابت الفلسطينية.
هذا لا يعني من أن نستثمر هذا الحراك السياسي من خلال حصر الدول التي ستصوت مع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، والعمل على بناء علاقات ثنائية تخدم المشروع الوطني التحرري في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشكيل لوبيات من تلك الدول كورقة ضغط على الولايات المتحدة كي تنصف حقوق الشعب الفلسطيني.
التعليقات (0)