موقف المنافقين من مجزرة غزة
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية
إن بعض الناس يقرأ القرآن للتعبد فقط ، ولا يعلم أن القرآن الكريم دستور حياة فيه جواب لكل قضية تمر في هذه الحياة ، ومن القضايا التي أكد عليها ربنا جل شأنه في القرآن قضية النفاق والمنافقين ، وسأنقل لكم بعض العبارات التي قرأتها وقرأها عدد منكم في صحفنا أو شاهدنها في قنواتنا ، وسترون كيف أن الله جل وعلا وتقدس ذكرها في كتابه :
أولا: أحد المسؤولين في دولة شقيقة لام المقاومة الباسلة وتهكم بها بأنهم لو كانوا عقلاء وسمعوا نصيحتنا والتزموا الصمت لما وقع عليهم القتل والدمار ،وهذا نفس قول المنافقين قال تعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا)
فهذه من أقوال المنافقين في الماضي والحاضر الذين اتخذوا من مقتل الشهداء مادة لإثارة الحسرة في قلوب أهليهم واستجاشة الأسى على فقدهم في المعركة ،ومما لا شك فيه أن مثل هذه الفتنة والمواجع مما يترك في الصف المسلم الخلخلة والبلبلة ومن ثَم جاء هذا البيان القرآني لتصحيح القيم والتصورات ورد هذا الكيد إلى نحور كائديه
إن قول المنافقين : { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا }ليكشف عن الفارق الأساس في تصور صاحب العقيدة وتصور المحروم منها للسنن التي تسير عليها الحياة كلها وأحداثها سراؤها وضراؤها . . إن صاحب العقيدة مدرك لسنن الله متعرف إلى مشيئة الله مطمئن إلى قدر الله . فالمنافقين لا يرون إلا الأسباب الظاهرة والملابسات السطحية بسبب انقطاعهم عن الله وعن قدره الجاري في الحياة .
وغاب عنهم أن الأمر لا ينتهي بالموت أو القتل ; فهذه ليست نهاية المطاف .
وعلى أن الحياة في الأرض ليست خير ما يمنحه الله للناس من عطاء . فهناك قيم أخرى واعتبارات أرقى في ميزان الله :فالموت أو القتل في سبيل الله خير من الحياة وخير مما يجمعه الناس في الحياة من أعراضها
﴿﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾﴾ [آل عمران157،158]
ثانيا: رأيت عدداً من الإعلاميين يطالبون أهل غزة بالتخلي عن المجاهدين بدعوى أن للمجاهدين حساباتهم الخاصة ، ويُذَكِرُونَهمْ بأن لهم أهل قد ينتقم منهم الصهاينة ،وذكرني هذا بقوله تعالى: ﴿﴿ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا .. ﴾﴾ [الأحزاب:13]
فالمنافقين هنا يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف يوم الخندق، والعودة إلى بيوتهم ، بحجة أن إقامتهم أمام الخندق مرابطين هكذا ، لا موضع لها ولا محل ، وبيوتهم معرضة للخطر من ورائهم . . وهي دعوة خبيثة تأتي النفوس من الثغرة الضعيفة فيها ، ثغرة الخوف على النساء والذراري .
والخطر محدق والهول جامح ، والظنون لا تثبت ولا تستقر!
ثالثا:بعض المسؤولين يقولون: لا نستطيع نصرة أهل غزة فقتال إسرائيل سيدمر بلادنا ،وهذا قول المنافقين السابقين ﴿﴿ .. وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً ﴾﴾ [الأحزاب:13]
إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً .. إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً فيقف السياق عند هذه اللقطة من الفزع والمراوغة . يقف ليرسم صورة نفسية لهؤلاء المنافقين الذين في قلوبهم مرض . صورة نفسية داخلية لوهن العقيدة ، وخور القلب ، والاستعداد للانسلاخ من الدين.
وهل ترى يا عبدالله لو هجمت إسرائيل على بلادهم فهل تراهم سيدافعون عنها ؟ أجاب الله تعالى عن هذا السؤال ﴿﴿ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً ﴾﴾ [الأحزاب14،15] فهم سيتبعون الكفار ويظاهرونهم على المسلمين ، وأحسنهم حالا من سيهرب ويفر كما تفر الجرذان .
من خلال هذه الأزمة ظهرت جملة من المشكلات عند بعض المسلمين ، وسبب ظهورها هو البعد عن القرآن الكريم وعدم فهم العقيدة فهما صحيحا والأمثلة كثيرة أذكر مثالين فالمقام لا يتسع لأكثر من ذلك :
أولا : دعواهم أن من يؤيد الجهاد في فلسطين ممن يحب الخراب والدمار الذي تؤديه الحروب!
فأقول : نحن لا نحب الحرب ، ونعوذ بالله منها وفي الحديث ( يا أيها الناس ! لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية . فإذا لقيتموهم فاصبروا . واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) متفق عليه ، ولكن الموت أهون على الحر من حياة الذل والمهانة والاستسلام
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى [1]
فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن مخوف الجناب حرامَ الحمى
إذا قلتُ أصغى لي العالمون ودوّى مقالي بين الورى
لعمرك إنّي أرى مصرعي ولكن أغذّ إليه الخُطى
أرى مصرعي دون حقّي السليب ودون بلادي هو المبتغى
لعمرك هذا مماتُ الرجال ومن رام موتاً شريفاً فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود وكيف احتمالي لسوم الأذى
أخوفاً وعندي تهونُ الحياة وذُلاّ وإنّي لربُّ الإبا
بقلبي سأرمي وجوه العداة فقلبي حديدٌ وناري لظى
وأحمي حياضي بحدّ الحسام فيعلم قومي أنّي الفتى.
يقول اللواء المجاهد محمود شيت خطاب رحمه الله: " إن الصمود كان ولا يزال وسيبقى أقوى سلاح في الحرب ، وقد أثبتت حوادث التاريخ العسكري ، أن خسائر الصامدين في الأرواح أقل من واحد بالمائة من خسائر الذين لا يصمدون " .
ثانيا: يطالب كثير من الناس (الإخوة الفرقاء في فلسطين) بالالتقاء، ونسيان الخلافات وتوحيد الصف!!، كيف يمكن أن يلتقوا وأن يتوحدوا مع يقيننا بأن الخلاف بين زعماء الفريقين خلاف تضاد منهجي، لا تنوع حركي، ومع علمنا بأن طريقي الإيمان والنفاق لا يلتقيان، وأن الأمانة والخيانة نقيضان لا يمتزجان،وأن المطلوب من المجاهدين ، وأن يركعوا ويركعوا قيم الإيمان لتخضع للأمريكان ، وأن تظل الرايات العلمانية هي المرفوعة مرفرفة إلى جوار رايات الدولة الصهيونية اليهودية... ، وأن يتركوا حكم الله لحكم غيره ، وهذا محال في أبسط مبادئ الإسلام
إن الإسلام لا يمكن أن يلتقي مع غيره أين كان لا في منتصف الطريق ولا في أول الطريق إن طبيعته ليست من طبيعتها ومن ثم فإن طريقه ليس عن طريقها وليس هناك من طريق مشترك ولو في خطوة واحدة بين الإسلام والعلمانية ،ولا بين التصور الإسلامي والتصورات الأخرى ،وهذا وهم وسراب ، وهي هزيمة في أول الطريق ،والهزيمة لا تنشئ نصرا لأنها عندئذ هي هزيمة للإيمان ذاته هزيمة الثقة في أحقية الإسلام بأن يوجد ويسيطر وأحقية الباطل أن يزهق ويندحر .
ولن يجتمع في قلب واحد الإسلام لله والتمرد على الله، ومن ثم فإنه لا لقاء بين الإسلام وأي أنموذج من نماذج الجاهلية في مرحلة من مراحل الطريق إن المفاصلة الحاسمة عند مفرق الطريق ، المفاصلة الحاسمة التي لا هزل فيها ولا مواربة.
مفاصلة كاملة شاملة ، وتميز واضح دقيق . .إن التوحيد منهج ، والشرك منهج آخر . . ولا يلتقيان . . التوحيد منهج يتجه بالإنسان مع الوجود كله إلى الله وحده لا شريك له . ويحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان ، عقيدته وشريعته ، وقيمه وموازينه .
هذه الجهة التي يتلقى المؤمن عنها هي الله ، الله وحده بلا شريك . ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس . غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية . .
أخيرا : أنقل لمن يشعر بالقهر لأنه لم ينصر إخوانه من أهل غزة كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال : (ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير : لم يكلف ما يعجز عنه..)
التعليقات (0)