مواضيع اليوم

موقف العلماء من التمثيل الجزء الثاني

A.Fattah Edris

2012-07-30 15:58:40

0

أدلة المذهبين:
استدل أصحاب المذهب الأول على ما ذهبوا إليه من تحريم التمثيل مطلقا, بما يلي:
الدليل الأول:
أصل التمثيل شعيرة من شعائر الكفار, وهو الآن من عاداتهم, فيجب علي المسلم الابتعاد عنه, تديناً, لما في ذلك من مخالفتهم ومنابذتهم, وقد أجمع العلماء علي تحريم مشابهتهم في عباداتهم, وشعائرهم.
اعترض عليه:
لا نسلم بأن أصل التمثيل ابتداعٌ تعبديٌّ عند الرومانِ واليونانِ والفرس، ثم النَّصاري، فالتمثيل فعل إنساني قديم كان مع الإنسان إذ وجد الإنسان, واستمر,وسيستمر إلي قيام الساعة, فالطفل الصغير يمثل حينما يقلد والده وهذا أمر فطري, البنت الصغيرة تمثل حينما تأخذ دور الأم مع لعبتها, وهكذا والتمثيل ما هو إلا إجراء بعض المشاهد التعبيرية لإيصال فكرة ما إلي أذهان المشاهدين فهو وسيلة لإيصال فكرة ما إلي أذهان المشاهدين,والتمثيل من باب المحاكاة لتصوير قصة حصلت، أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية, والمحاكاة من هذا الباب معروفة قديماً وحديثاً، وقد فعلها النبي صلي الله عليه وسلم لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين له والناظرين إليه .
الدليل الثاني:
التمثيل لا يقوم إلا علي الكذب, ولا ينبني إلا عليه, ولا يتم إلا به, والكذب حرام لا يشك مسلم في تحريمه,والتمثيل فيه تزوير وإدعاء بالباطل، والممثلين صنع البكاء أو الضحك أو الحزن أو الفرح أو الغضب أو الرضي, وهو كاذب.
اعترض عليه:
إجراء بعض المشاهد التعبيرية لإيصال فكرة ما إلي أذهان المشاهدين لا يدخل في باب الكذب، بل هو من باب المحاكاة لتصوير قصة حصلت، أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية, والمحاكاة من هذا الباب جائزة، بل قد فعلها النبي صلي الله عليه وسلم لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين له والناظرين إليه ؛ولذلك لا نستطيع أن نجعل التمثيل كذبا, لأن التمثيل حكاية,ونقل صورة فعلية, وضرب مثل بالحركة،وأيضاً الممثلون يفعلون هذا,والجمهور الذي يشاهدهم,ويسمعهم يعلم أنَّهم يكذبون، وأنَّهم لا يقولون الحقّ، لذلك لا يكون قولهم هذا داخلاً تحت النَّهي؛ لأنَّ المستمعينَ يعلمون أنَّ ما يقومون به ليس بصحيح بل محاكاة وتقليد قال العلامة ابن عثيمين في كتابه الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات ص183 عن المسرحيات: ولا يعد هذا من الأشياء المحرمة لأنه كذب, فإن الإنسان لا يريد أن يتحدث بالشيء علي أنه واقع, ولكن يريد أن يضرب مثلاً لصورة معينة تكون غير مناسبة ليحذر الناس منها, وكل واحد من الناس يعلم أن هذا الرجل ليس هو الممثل به حتى نقول إنه كذب .
الدليل الثالث:
التمثيل من البدع قالوا: لأن منشأ هذه التمثيليات بدعٌ وطقوسٌ نصرانيَّةٌ يحاكون فيها عيسي عليه السلام وما وقع له مع يهود, لذلك كان فاعلها وارثاً عنهم بدعتَهم، ومقتبساً من طقوسِهم وشعائِرِهم والمسلمون لم يعرفوا هذه البدعةَ إلاَّ في هذا العصرِ المتأخرِ عن طريقِ الغربيين النَّصارى .
اعترض عليه:
البدعة هي التعبد لله بما لم يشرعه الله،و الممثلون لا يمارسون التمثيلَ علي أنَّه عبادة بل يمارسونه كأسلوب للتثقيف والترفيه، وكوسيلة لإيصال فكرة ما إلي أذهان المشاهدين ثم أن النبي صلي الله عليه وسلم استعمله فقد حكي بالفعل وقلد, فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرًّ بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل علي الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل علي ثديها يمصه، قال أبو هريرة كأني أنظر إلي النبي صلي الله عليه وسلم يمص إصبعه ", قال ابن حجر في الفتح عند هذا الموضع (كتاب أحاديث الأنبياء) باب قول الله: ﴿ واذكر في الكتاب مريم... ﴾. فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل " هكذا قال، وكأنه يفتي جواباً علي هذا حكم التمثيل المعروف .
الدليل الرابع:
التمثيل تشبع بما لم يعط صاحبه, ولا يصح تمثيل في الدنيا بدون هذا التشبع, إذ التمثيل لابد فيه من محاكاة آخر, كطبيب أو عالم أو قائد, أو ناصح... إلخ, وفي التمثيل تقمص الشخصية: فقد يتقمص المسلم شخصية الكافر, وقد يتقمص الكافر أو الفاسق شخصيه مؤمنة من كبار الشخصيات في الإسلام, وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: " يا رسول الله, إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني ؟ فقال رسول الله: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوب زور " .
اعترض عليه:
الممثل ليس متشبعا بما لم يعط, فهو لا يكذب علي الآخرين بقصد الإضرار بل التمثيل وسيلة للترفيه والتثقيف,وأصل التمثيل مشروع ؛لأنه وسيلة إيضاح وآلية تعليم وتبيان, والتمثيل ضرب مثل بالحركة والفعل, فإذا كان ضرب المثل بالكلمة والعبارة جائزاً مشروعاً, وقد ضرب الله الأمثال الوفيرة في القرآن الكريم,والأمثال مضروبة في القرآن والسنة من أجل إبراز المعقول في صورة المحسوس,وتجسيد الفكرة بشيء محسوس فتتقرب الصورة إلي الأذهان, ويقبلها العقل وهكذا التمثيل, فقياساً عليه يكون التمثيل بالحركة والفعل جائزاً,وإن قيل هناك فارق بين المقيس والمقيس عليه, إذ الأمثال قولية, وأما (التمثيليات) فهي فعلية تمارس بالذوات, فثبت فساد القياس فنرد علي ذلك بأن وجه التشابه بين التمثيل و الأمثال في أن كلاهما ضرب مثل,وكلاهما يهدف إلي تقريب فكرة إلي الذهن،فالعلة بينهما تقريب فكرة إلي الذهن,وإن قيل الأمثال المصرحة في القرآن الكريم غير التمثيل الذي سبق الحديث عنه, وذلك أن الأمثال القرآنية المصرحة هي التي صرح فيها بضرب المثل أو ما يدل علي التشبيه أما التمثيل فلا, فنرد علي ذلك بأن الممثلون يفعلون هذا, والجمهور الذي يشاهدهم, ويسمعهم يعلم أنهم يقلدون ويحاكون فالممثلون يخالفون الواقع,والناس تعلم أنهم يخالفون الواقع لإبراز فكرة معينة فالكذب نقل غير الواقع لغرض شرير, أو ترتيب مخالف لما عليه الواقع لغاية فاسدة, فأين التمثيل من الكذب ؟, يقول النووي رحمه اللَّه: الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه سواء تعمدت ذلك أم جهلته لكن لا يأثم في الجهل وإنما يأثم في العمد. [الأذكار /474] أما التمثيل فمحاكاة, وليس إخبارا، والناس يعلمون أنهم يخالفون الواقع فليس هذا من قبيل الكذب كقول إبراهيم عليه السلام في سورة الأنبياء:﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا ﴾, وقد ورد في السنة ما يدل علي الجواز ما دام هذا التمثيل لمصلحة, ومن أمثلة ذلك ما فعله عبد الله بن عمرو رضي الله عنه مع سعد ابن أبي وقاص لما قال النبي صلي الله عليه وسلم: " يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة, يقولها ثلاث مرات عليه الصلاة والسلام في ثلاثة مواقف مختلفة, فكل مرة يدخل سعد رضي الله عنه, فقام إليه عبد الله عمرو وقال له إن قد لاحيت أبي, يعني صار بيني وبين أبي خلاف, وإنه أخرجني من البيت فهل تؤويني إليك ", هذا تمثيل حقيقة فلم يحصل يبنه وبين أبيه خصام, ولكنه أحب أن يعرف ما هو العمل الذي جعل النبي صلي الله عليه وسلم يشهد له بالجنة, فجلس عنده ثلاث ليالي يرقبه, وبعد ثلاث قال له: يا فلان والله ما حصل بيني وبين أبي شيء, ولكن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة فدخلت ولحيتك تنظف من الوضوء, ثم جئت في المرة الثانية والثالثة, ويقول كذلك, فأردت أن أعرف ما الذي بلغك هذا, فقال: والله يا أخي ما هو إلا ما رأيت, إلا أني لا أبيت لليلة وفي قلبي غش أو حسد لأحد من المسلمين, قال هذه التي بلغت, وهي التي لا نستطيعها أو لا نطيقها, هذا نوع من التمثيل, وقصة الحسن والحسين مع ذلك الشيخ الذي لا يحسن الوضوء حيث أتيا إليه في سؤال, وقصة الحسن والحسين مع الشيخ الكبير قصة مشهورة رأيا شيخاَ كبيراَ لا يحسن الوضوء, فلو قالا له: أيها الشيخ لا تحسن الوضوء, فربما نهرهما ولم يقبل منهما, فجاءا إليه بطريقة عجيبة ذكية رضي اله عنهما, فقال له: يا عم تنازعت أنا وأخي في كيفية وضوء النبي صلي الله عليه وسلم, فاحكم بيننا, فتوضأ الحسن أولاُ أمامه, كما كان يتوضأ النبي صلي الله عليه وسلم, ثم قام الحسين وتوضأ فكان وضوؤه مثل وضوء الحسن لا يختلف عنه شيئاَ, ففهم الشيخ أنهما أرادا تعليمه, لكن بطريقة ذكية ولبقة في التعامل, وهذا نوع من التمثيل الجائز؛ لأنه لمسألة ظاهرة, وأعجب من هذا ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلي الله عليه وسلم " خرج إلي السوق فرأي أحد أصحابه يبيع شيئاً, فجاءه من خلفه فاحتضنه من الخلف, وقال عليه الصلاة والسلام: من يشتري هذا العبد, مع أنه حر وليس عبداَ رقيقاَ, لكن هذا من مزاح النبي صلي الله عليه وسلم, فالتفت هذا الرجل فرأي أنه النبي صلي الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله إذاَ تجدني كاسداَ لا أحد يشتريني لا أحد يريدني, فقاله عليه الصلاة والسلام: إنك عند الله لست بكاسد ", فهذا نوع من التمثيل حقيقة يفعله النبي صلي الله عليه وسلم مداعبة لأصحابه, فالخلاصة أن التمثيل ما دام فيه نفع ومصلحة وانضبط بضوابط الشرع فهو مشروع .
الدليل الخامس:
حكاية إنسان لإنسان في هيئته أو مشيته أو كلامه غيبة, والغيبة محرمة، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: " ما أحب أني حكيت أحداً وأن لي كذا وكذا ".
اعترض عليه:
تقليد الآخرين إذا كان الغرض منه الانتقاص فهو حرام أما محاكاة الآخرين إذا لم يقصد بها الانتقاص فليس بحرام,وقد فعله النبي صلي الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء يمسح الدم عن وجه ", وقد جري الناس علي هذا دون نكير إذا لم يقصد الانتقاص, ونحن نقول بأن بإباحة التمثيل بشروط وضوابط ولم نطلق الإباحة .
الدليل السادس:
منافاةُ التمثيلِ للمروءة, والمروءة من مقاصد الشرع, وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاء, والشرع يأمر بمعالي الأخلاق, وينهي عن سفاسفها, فكم رأي الراءون الممثل يفعل بنفسه الأفاعيل, في أي عضو من أعضائه, وفي حركاته, وصوته, واختلاج أعضائه, بل يمثل: دور مجنون, أو معتوه, أو أبله, وهكذا .
اعترض عليه:
هذا نوعٌ من أنواعِ التمثيل؛ وهو التمثيلُ الذي يُسَمَّي بالكوميديّ، وليس كلُّ تمثيل كذلك فكيف يتنزل الحكم علي الكل ؟.
الدليل السابع:
التمثيل من اللهو الباطل, وسهر في غير طاعة الله تعالى, وكل ما أفضى ذلك فهو محرم .
اعترض عليه:
التمثيل وسيلة للترفيه والتثقيف ووسيلة لضحك و الابتسامة والطرفة, فهو وسيلة للترويح عن النفس ووسيلة لتسهيل التعامل مع هذه الحياة وو وسيلة لتجديد النشاط وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات. فهناك القراءة والرحلات وغيرها .
الدليل الثامن:
في التمثيل تمثيل الأنبياء والملائكة والكفرة والفسقة والاستهزاء بالآخرين, واختلاط النساء بالرجال, وقد يكون فيه دعوة إلي مبدأ مخالف للدين والخُلُق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوي مثلاً، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب, كالتخنُّث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة وما شاكل ذلك.
استدل أصحاب المذهب الثاني على ما ذهبوا إليه من إباحة التمثيل بالشروط والضوابط السابقة, بما يلي:
الدليل الأول:
التمثيل من باب المحاكاة لتصوير قصة حصلت، أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية, والمحاكاة من هذا الباب جائزة، بل قد فعلها النبي صلي الله عليه وسلم لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين له والناظرين إليه ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق عند البخاري، قال: " كأني أنظر إلي النبي صلي الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ", وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرًّ بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل علي الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل علي ثديها يمصه، قال أبو هريرة: كأني أنظر إلي النبي صلي الله عليه وسلم يمص إصبعه ", ومن المعلوم أن الحكاية بالفعل والتقليد هي التمثيل بعينه .
الدليل الثاني:
التمثيل ضرب مثل بالحركة والفعل, فإذا كان ضرب المثل بالكلمة والعبارة جائزاً مشروعاً, وقد ضرب الله الأمثال الوفيرة في القرآن الكريم,والأمثال مضروبة في القرآن والسنة من أجل إبراز المعقول في صورة المحسوس,وتجسيد الفكرة بشيء محسوس فتتقرب الصورة إلي الأذهان,ويقبلها العقل وهكذا التمثيل فقياساً عليه يكون التمثيل بالحركة والفعل جائزاً،وإن قيل هناك فارق بين المقيس والمقيس عليه, إذ الأمثال قولية, وأما (التمثيليات) فهي فعلية تمارس بالذوات, فثبت فساد القياس فنرد علي ذلك بأن وجه التشابه بين التمثيل و الأمثال في أن كلاهما ضرب مثل,وكلاهما يهدف إلي تقريب فكرة إلي الذهن،فالعلة بينهما تقريب فكرة إلي الذهن,وإن قيل الأمثال المصرحة في القرآن الكريم غير التمثيل الذي سبق الحديث عنه, وذلك أن الأمثال القرآنية المصرحة هي التي صرح فيها بضرب المثل أو ما يدل علي التشبيه أما التمثيل فلا فنرد علي ذلك بأن الممثلون يفعلون هذا,والجمهور الذي يشاهدهم,ويسمعهم يعلم أنهم يقلدون ويحاكون فالممثلون يخالفون الواقع,والناس تعلم أنهم يخالفون الواقع لإبراز فكرة معينة فالكذب نقل غير الواقع لغرض شرير, أو ترتيب مخالف لما عليه الواقع لغاية فاسدة, فأين التمثيل من الكذب ?, وهل إذا أعدت ترتيب قصة جرت في سالف الأيام فحاكيتها ومثلتها من خلال شخصيات أو أشخاص اليوم لتجلية القيمة التي تحملها القصة بشكل أقوي يكون كذباً ?! فالناس يعلمون أنهم يخالفون الواقع, فليس هذا من قبيل الكذب كقول إبراهيم عليه السلام: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا ﴾ .
الدليل الثالث:
التمثيل أداة هامة من أدوات التوجيه والترفيه‚ وشأنها شأن كل أداة ؛ فهي إما أن تستعمل في الخير أو تستعمل في الشر فهي بذاتها لا بأس بها ولا شيء فيها‚ والحكم في شأنها يكون بحسب ما تؤديه وتقوم به فأصله مشروع ؛لأنه وسيلة إيضاح وآلية تعليم وتبيان, والتمثيل من أحسن الوسائل التثقيفية وتأثيره في النفوس أقوي من كثير من الوسائل التقليدية، والأصل في الوسائل الإباحة ما لم يثبت ما يفيد المنع فدل هذا علي جواز التمثيل .
الرأي الراجح:
والذي تركن النفس إليه من المذهبين – بعد الوقوف على أدلتهما, وما اعترض به على بعضها – هو ما ذهب إليه القائلون بجواز التمثيل والمحاكاة, بالشروط والضوابط التي ذكروها, لما استدلوا به على مذهبهم, ولما ثبت أن عبد الله بن عمر كان يحاكي النبي صلى الله عليه وسلم في مشيته وطريقة كلامة وصلاته وجلسته, بل كان يقلد النبي صلى الله عليه وسلم في سمته, وهيئته ما استطاع إلى ذلك سبيلا, وقد أثر عنه أنه كان يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ويفعل مثل فعله, والوقائع على هذا كثيرة يضيق المقام عن ذكرها, منها: فقد روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم حتى خيف على عقله, وقد كان يحرص على أن يصلي في نفس الموضع الذي يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم, وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوا قائما, فكان ابن عمر يتأسى به في ذلك فيدعو قائما, وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل موضعا بناقته فدارت به دورتين قبل أن تبرك, وينزل عنها النبي صلى الله عليه وسلم, فكان ابن عمر يذهب إلى نفس الموضع ويدور بناقته دورتين لغير حاجة, إلا محاكاة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم, ثم ينزل عنها ليصلي في نفس الموضع الذي صلى به النبي صلى الله عليه وسلم, وقد علم ابن عمر أن موضع شجرة في الصحراء نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلم فصلي فيه, فكان ابن عمر يقصده للصلاة فيه, وكل هذا الذي فعله ابن عمر رضي الله عنهما تقليد ومحاكاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يؤثر عن أحد من الصحابة نكير عليه فيه, فأفاد أن التقليد والمحاكاة التي تكون على هذا النحو لا منع منها شرعا .

أ.د. عبد الفتاح محمود إدريس

أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون

وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !