مواضيع اليوم

موقف العلماء من التمثيل الجزء الأول

A.Fattah Edris

2012-07-30 15:56:36

0

بسم الله الرحمن الرحيم
موقف العلماء من التمثيل
التمثيل في عرف أهل اللغة, هو: التشبيه: يقال مثل الشيء بالشيء تمثيلاً وتماثلاً: أي شبهه به وقدره علي قدره, والتمثيل في الاصطلاح, هو: عرض حي لقصة وأصحابها, واقعـة أو متخيلـة, أو هو تجسيد الحادثة التاريخية أو الواقعة الاجتماعية أو الموقف السياسي أو الفكرة التوجيهية بشخصيات بشرية أو صور مادية حية, أو هو محاكاة شخص لآخر محاكاة حقيقية أو خيالية قصداً, للعبرة, بتنظيم مسبق .
والهدف من التمثيل: هو التأثير علي الآخرين بخير أو شر, وهو أداة للتسلية واللهو, وقضاء الأوقات, وملء الفراغ, وبث الوعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني في المجتمع .
والتمثيل: فعل إنساني قديم كان مع الإنسان إذ وجد على ظهر الأرض, بل إن التمثيل والتقليد والمحاكاة, كان وسيلة مواراة ابن آدم لأخيه المقتول التراب, قال الله تعالى: " فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ", فتلك محاكاة من الإنسان لفعل الحيوان, قصها القرآن الكريم علينا من غير نكير, والأمثلة على محاكاة الإنسان لغيره إنسانا كان أو حيوانا مما ورد النص عليه مما يضيق المقام عن ذكره, وستستمر هذه المحاكاة إلي قيام الساعة .
وقد كان للتمثيل وجود قبل إسلام وبعد البعثة المحمدية, لأن التمثيل من وسائل الإيضاح وآلية من آليات التعليم والتبيان, والنبي صلي الله عليه وسلم استخدمه كوسيلة من وسائل التعليم والتفهيم فقد أخرج البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " كأني أنظر إلي النبي صلي الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ", وما أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرًّ بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل علي الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل علي ثديها يمصه، قال أبو هريرة كأني أنظر إلي النبي صلي الله عليه وسلم يمص إصبعه ", ومن المعلوم أن الحكاية بالفعل والتقليد هي التمثيل بعينه، ولكن لا يقال: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان ممثلاً؛ لأن كلمة الممثل تطلق علي من يزاول مهنة التمثيل, أما النبي  فكان رسولاً نبياً .
وللتمثيل أسماء, منها: التقليد والمحاكاة والتشخيص, وتقمص الشخصية, ونحوها, وللتمثيل أقسام عدة باعتبارات مختلفة:
فينقسم باعتبار موضوعه إلى تمثيل ديني, وآخر ترفيهي, ويتنوع التمثيل الديني إلى نوعين: التراجيديا, أو المأساة, وهما للمحزن منها, والتياترو, وأصل معناه: النظر بإعجاب, ويتنوع التمثيل الترفيهي إلى: الكوميديا, أو الملهاة, تطلق على المضحك منها, والميلودراما, والدراما, تطلق على ما كان بخلاف الأول, وينقسم باعتبار تصويره للواقع وعدمه إلى: تمثيل واقعي وآخر خيالي, فأما التمثيل الواقعي: فهو تمثيل واقعة حقيقية ماضية كانت أو معاصرة, والتمثيل خيالي: الذي يكون فيه الحدث متخيلا لا حقيقة له .
وقد اختلف العلماء في حكم التمثيل, ويمكن تمييز مذهبين للعلماء في هذا السبيل, هما:
المذهب الأول:
يرى أصحابه حرمة التمثيل مطلقا, ومن الذين نقل عنه القول بحرمته: الشيوخ: عبد العزيز بن باز, والأباني, وعبد الرزاق عفيفي, وحمادة الأنصاري, وصالح بن فوزان الفوزان, وعبد المحسن العباد, وحمود بن عبد الله التويجري, وعبد الله الدوةيش, وعبد الله بن حسن بن قعود, وعبد الرحيم الطحان, ومحمد بن عبد الله الحكمي, وعبد الرحمن عبد الخالق, والدكتور/ بكر أبو زيد .
المذهب الثاني:
يرى من ذهب إليه إباحة التمثيل بشروط وضوابط, إن اختل واحد منها كان التمثيل محرما, وممن نقل عنه القول به: الشيوخ: ابن عثيمين, وصالح بن محمد اللحيدان, ومصططفى الزرقاء, وعبد الله الفقيه, ومحمد صالح المنجد, والدكاترة: سليمان العودة, وعبد العزيز بن فوزان الفوزان, وأحمد الحجي الكردي, وعبد العزيز بن محمد الحميدي, ويوسف القرضاوي, وقد اعتبر هؤلاء لجوازه: أن لا يكون تمثيلا لشخصيات تاريخية لها قداستها في نفوس المؤمنين, كشخصيات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام, والخلفاء الراشدين, فهذه الشخصيات إن جسدت ومثّلت وشخّصت ضعفت, وظهرت بأقل من حقيقتها, وتدنت مكانتها الرفيعة, وأن لا تحوي مادة التمثيل أمراً محظوراً شرعاً: كنساء متبرجات، واختلاط بين الجنسين, وتشبه المرأة بالرجل أو العكس, وأن يكون أداء التمثيل نفسه ملتزمًا بالآداب الإسلامية, باعتبار أن التمثيل فن حلاله حلال وحرامه حرام, وأن يستهدف التمثيل مصلحة الدين والعلم والمجتمع والإنسانية، مما يعود بالخير لصالح الفرد والمجتمع والأسرة, وأن لا يستهدف مبدأ هداماً، أو عقيدة باطنية كافرة, لأن الإسلام عقيدة ومنهجية، ذات أهداف إنسانية سامية, وأن يقوم علي التمثيل والإخراج رجال صالحون, واعون بقضايا الأمة ومتطلباتها، ويتخذون منهجاً إيجابياً للإصلاح والتوجيه, يفي ببناء مجتمع فاضل, والحذر من تمثيل دور المستهزئ باللهِ، أو بكتابِه، أو رسولِه، أو آياتِه، أو دينِه, والحذرُ من ارتكابِ المحرمِ لإظهارِ صورةِ من يتعاطونه؛ كمن يظهر في صورةِ السكرانِ الذي يهذي، أو الكافِرِ يلبس الذّهبَ، أو الحريرَ، أو الصليبَ, أو يدخن, والبعد عن تمثيلِ أداءِ الصلاةِ، أو الوضوءِ وهو لا يصلي حقيقةً ولا يتوضأ, لما ففيه من مخالفةٌ يُخشي بسببها علي دينِ من فعلها, والدقة الموضوعية في محاكاة الشخصية الدينية الممثلة من جانب الممثل, لأننا نخشى من إضافات غير موثقة تصبح في النهاية هي المعالم الراسخة في ذهن الناس عن تلك الشخصية الدينية, وأن تكون في حقيقتها غير المعالم الحقيقية للإنسان المثل المراد تقديمه للناس في التمثيل, وأن يكون ممثل الشخصية الدينية مؤمناً بالشخصية التي يجسدها وبمبادئها, فذلك أدعي إلى حسن الأداء, وأن يكون مؤمناً بالقيمة التي يريد تشخيصها, وأن يكون الممثل غير معروف لـدي الناس بسوء السيرة والمسلك, لأنه بعد تمثيله الدور الديني سيعود إلي ما كان عليه من الفجور والعهر, وهذا ما سيجعل الناس يضطربون, أو بالأحرى ينفرون ويشمئزون .

أ.د. عبد الفتاح إدريس
أستاذ الفقه المقارن
بكلية الشريعة والقانون
وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !