تقديم:
الحمد لله أولا وأخيرا أن يسر سبحانه لي الانتهاء من كتابة بحثي حول (موقف" الحركة من أجل الأمة" من التشيع)، وأسأله تعالى أن يوفقني لطبعه، خاصة وأن هذه الحركة المباركة بإذنه تعالى ظُلمت أيما ظلم، من الأصدقاء قبل الخصوم، في مسألة الموقف من الشيعة والتشيع. وإذ أنشر مقدمة البحث، وهو بعنوان: "توضيح لابد منه"، سأحاول نشر ملخص له فيما بعد، حينما تسمح الظروف بذلك، والله الموفق للخير.
توضيح لابد منه:
هذا البحث يأتي بمناسبة مرور أكثر من سنتين على اعتقال السياسيين الستة فيما أصبح يعرف بـ"خلية بليرج" بالمغرب (1). وهو بحث ينصب على موقف تنظيم "الحركة من أجل الأمة" من قضية حاول البعض استغلالها لإدانة الحركة وأمينها العام، الأخ محمد المرواني، ومعه بقية المعتقلين الستة، بتهمة التشيع لأجل تشويه صورة الجميع لدى الرأي العام المغربي، مع أن مواقفهم فيها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. بل إن مواقف بعض من يعمل على تشويه الحركة وقائدها هي مواقف أقل ما يقال عنها أنها تدعو إلى الشك والارتياب. ولعل الجميع يتذكر سلسلة التصريحات والمقالات التي نشرت ضد المعتقلين الستة، وضمنهم الأستاذ محمد المرواني. وهي تصريحات ومقالات تمادت في إدانتهم حتى قبل بدء محاكمتهم. ولقد بدا واضحا آنذاك، بتلك المواقف المخزية لبعض "الكتبة" والقاضية بالإدانة كما سبق، أن "مثقف السلطة"، والذي كان يشدو أمام المعز الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
أقول: هذا "المثقف" بدا أنه لازال موجودا، يرى أن تصريحا لفرد أو فردين من الحكومة "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"! والفرق الوحيد بينه وبين مثقف الفاطميين أن "مثقف السلطة" الحالي يلقي بكلامه ذاك وهو على يقين راسخ رسوخ الجبل أنه "حداثي" و"متنور"، و"ديمقراطي"... ! وبذلك فهو يحظى بما لم يحظ به ابن هاني الأندلسي، من "وضوح الرؤية" و"التحليل الشمولي"... وغير ذلك من نعوت أصبحت –لفرط تشويهها من مثقفنا- أكاذيب "إيديولوجية" !
ومما له ارتباط بموضوعنا حدث قطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإيران. فقد صدر بلاغ عن وزارة الخارجية المغربية يعلن قطع تلك العلاقات ابتداء من يوم الجمعة 6 مارس 2009. ومن بين الأسباب التي ذكرها البلاغ لقطع تلك العلاقات "نشاطات ثابتة للسلطات الايرانية، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي..."(2) ، أي العمل على نشر المذهب الشيعي داخل المجتمع المغربي.
وقد تلا ذلك عقد المستشار الملكي محمد معتصم لقاءا مع الأمناء العامين لأحزاب الأغلبية والمعارضة الممثلة في البرلمان، فهم منه البعض "أن الدولة المغربية لن تتساهل مع أي حزب سياسي أو تيار فكري داخل المغرب يربط علاقات غير متحكم فيها مع بعض الجهات الإيرانية"(3). كما ذكر البعض أن مسؤولا مغربيا كبيرا "حذر من أن حزبين مغربيين لهما علاقات مع إيران"(4)، وانه لدى استفسار ذلك المسؤول "عما إذا كان الأمر يتعلق بـ"العدالة والتنمية" و"العدل والإحسان" أجاب: " لا، لم أقل ذلك، ولكنهما حزبان معروفان"(5).
وبعد أن حدث ما حدث، قلت آنذاك مع نفسي: »قد يسعى البعض إلى استغلال هذه الأجواء فيفتري على المعتقلين الستة ـ تصريحا أو تلميحا ـ أنهم "متشيعون"«! .
وفعلا صح ما توقعت، إذ ذكرت جريدة "الأحداث المغربية" أن السلطات المغربية "قامت باتخاذ إجراءات عديدة لتطويق زحف التشيع"(6). وأضافت الجريدة: "حسب عبد الله الرامي، الخبير بشؤون
الجماعات الإسلامية، فإن الإعتقالات التي رافقت تفكيك ما سمي بـ(شبكة بلعيرج) تدخل في هذا الإطار. وهو التطويق الاستباقي ومحاصرة امتداد التوجه الشيعي الثوري في المغرب... وفي نظره، فإن الدولة باعتقالها لقياديين من تنظيمي البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، فإنها تهدف إلى استكشاف ما
يجري والتأكد من وجود خطط لدى الشيعة الثوريين المغاربة..."(7).
ثم تطوعت الجريدة ـ إثر عدم تصريح المستشار الملكي السابق ذكره باسمي الحزبين المغربين اللذين
ذكر أن لهما علاقات مع السفارة الإيرانية ـ أقول: تطوعت الجريدة "لاكتشاف" هذين الحزبين، ولمحت، ببراءة تذكر بـ"براءة" الشيطان لما قال للإنسان حين كفر (إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) (الحشر:16)، فقالت، أي الجريدة: "قال مصدر مأذون أن السفارة الإيرانية بالرباط كانت تربطها علاقات وصفها بالخاصة مع حزبين سياسيين مغربيين معروفين، ورفض توضيح المقصود بهما. ولا يعرف ما إذا كانت مثل هذه الإشارة تعني الحركة من أجل الأمة .. وحزب البديل الحضاري .. والتنظيمان يقودهما محمد المرواني ومصطفى المعتصم، المعتقلان منذ أكثر من سنة على خلفية الاشتباه في تورطهما في خلية بلعيرج الإرهابية ذات الصلة بتنظيمات شيعية، أم يتعلق الأمر بحزبين آخرين لا يزالان ينشطان داخل الساحة"(8).
بعد ذلك خصصت صحيفة أخرى ملفا للقضية بعنوان "التشيع: الخطر القادم من فارس"، استضافت فيه نوعا من الباحثين ابتليت بهم الأمة، ذلك النوع الذي يعتبر "باحثا في الشؤون الإسلامية"، وصرح بما يلي: (... على أن أبرز تأثيرات "التشيع السياسي" تجلت في حالتي حزبي "البديل الحضاري" و"الحركة من أجل الأمة". ويتذكر المراقبون أن تأجيل صدور الاعتراف الرسمي بحزب البديل الحضاري وعدم الاعتراف ب"حزب الأمة"، كان مرتبطا تحديدا بمأزق التشيع)(9).
وأوردت الصحيفة نفسها مقالا لأحد صحفييها يشير فيه إلى الاعتقالات التي طالت المعتقلين الستة في إطار ما يسمى ب"خلية بليرج"، ويقول: "...من بين المعتقلين على ذمة التحقيقات الجارية منذ أكثر من سنة (10) مراسل قناة "المنار" اللبنانية التابعة لحزب الله الشيعي، عبد الحفيظ السريتي. التحقيقات نفسها كشفت أن الأشخاص المتورطين في شبكة بليرج، وفق تصريحات وزيرالداخلية شكيب بنموسى، لهم روابط مؤكدة مع الشبيبة الإسلامية، والحركة الثورية الإسلامية المغربية، وحركة المجاهدين في المغرب، والحركة من أجل الأمة (وهو اسم يربطه البعض بمفهومي ولاية الأمة وولاية الفقيه عند الخميني) (11)، وكلها تنظيمات غير معترف بها، إضافة إلى حزب البديل الحضاري (12).
غير أن هناك صحيفة كانت أكثر تصريحا من الصحيفتين السابقتين في اتهام "الحركة من أجل الأمة" –وكذلك "البديل الحضاري"- بالتشيع.فقد ذكرت الصحيفة المشار إليها كلاما أسندته إلى الباحث محمد ضريف، أنقله بتمامه. قالت الصحيفة: (في الثمانينيات، كان وجود طلبة لهم توجه شيعي ببعض الكليات المغربية محصورا، وقد أطلق عليهم حينها "طلبة الميثاق" . لكن نشاطهم لم يبرح الكلية. لكن الجامعة المغربية ستعرف ظهور جماعة شيعية أخرى هي "جند الله"، لكن سيتوسع نشاطها خارج الجامعة، وسيتغير إسم هذا الفصيل ليحمل إسم "الاختيار الإسلامي"، وهو تيار ذو توجه شيعي له ارتباط واضح بإيران، حسب الباحـث محمد ضريف (13).
ويوضح الباحث أن السلطات المغربية كانت تتخوف دائما من المد الشيعي في المغرب، لذا بدت حذرة
في الترخيص لحزبين متأثرين بالفكر الشيعي هما "البديل الحضاري" الذي لم ترخص له إلا سنة 2002، وحزب "الأمة" الذي ظل غير معترف به إلى حدود إلقاء القبض على رئيسه محمد المرواني بشبهة تورطه في خلية "بليرج".
هذه الخلية كانت اتهمت، فيما اتهمت به، بالارتباط بإيران (الشيعة)، وقد أعلن مسؤول كبير في الخارجية المغربية مؤخرا أن هناك فقط حزبين مرتبطين بالشيعة، في إشارة إلى الحزبين المذكورين. ربط خلية "بليرج" بالشيعة، حسب ضريف، يعود لكون أغلب عناصره (كذا) كانوا في "الاختيار الإسلامي" )(14).
الاتهام هنا صريح إذن:
- " وجود طلبة لهم توجه شيعي" !
- " ظهور جماعة شيعية أخرى هي "جند الله" " !!
- "..."الاختيار الإسلامي"، وهو تيار ذو توجه شيعي له ارتباط واضح بإيران" !!!
- "... حزبين متأثرين بالفكر الشيعي هما "البديل الحضاري" ...وحزب "الأمة"..."!!!
هذا الكلام يقال وكأننا في العراق، لدينا "مرجعنا الديني" (هل هو الأستاذ محمد المرواني؟ أم الأستاذ مصطفى المعتصم؟ أم شخص آخر؟) ! وعاشوراؤ"نا" و"فاجعتنا في الطف" (15) (أي منطقة هي "الطف" في بلدنا: مدينة أم قرية؟ في الأطلس أم على الساحل؟ ...) !
إن العمل الصحفي هو الكلمة المسؤولة، وليس اتهاما للأبرياء بالباطل، خاصة إذا كان ذلك الباطل "زنا مبرقعا" – وإن اعتبره محللوه "زواجا" لكن للمتعة ! - وشتما للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، و"تطبيرا" واستغاثة بالمخلوقات...وغير ذلك من الانحرافات في الدين.
فما الذي يريده هؤلاء من وراء هذا الربط المتعسف بين التشيع وبين الحركة من أجل الأمة وكذا البديل الحضاري؟ لايهمنا الجواب الآن، لكن نقول:
اللهم إنا نبرأ إليك من الانحراف في الدين، ونسألك اللهم النجاة من البدع ومن أهل البدع "كلاب أهل النار" كما قال إمامنا مالك رحمه الله، إنك سميع مجيب.
بقيت إشارة إلى أنه ورد في ثنايا البحث ما يفيد أن السلطات غضت الطرف عن أنشطة المتشيعين المغاربة، لكن بعد قطع العلاقات بين المغرب وإيران بدأ دولاب السلطة يتحرك لمحاصرة التشيع: فمن توظيف خطب الجمعة ضد التشيع إلى مصادرة كتبه من المكتبات... وهذا عليه ملاحظتان:
الأولى: أن الحملة تأخرت كثيرا ، خاصة في جانبها العلمي، فالدور الأساس في هذا المجال للعلم والعلماء، علما أن مصادرة كتب الشيعة لا يمكن أن يمس نفس الكتب الموجودة في المواقع الالكترونية، فالأولى إذن أن يتمكن أعضاء مجالسنا العلمية من دقائق المذهب الشيعي وكلياته بشكل جيد، ثم ينتقدوه نقدا علميا كما هو المطلوب من العلماء.
وإنه لمن المؤسف حقا ألا نعثر في المكتبة المغربية على ما يشفي الغليل في نقد المذهب الشيعي، اللهم بعض الكتابات التي تعد على رؤوس الاصابع (16)، في الوقت الذي تمتلئ فيه المكتبات بكتب التشيع، ومنها ما هو مغالي في تشيعه.
الثانية: أن الاطلاع على المذهب الشيعي بات أمرا ضروريا لتحقيق "التحصين الروحي" ضد دواهيه، وقبل ذلك التمكن من مذهب أهل السنة والجماعة. وإني لأتساءل عن وسائل ذلك الإطلاع إذا كانت كتب ذلك المذهب تصادر ! ولعل من بين سلبيات تلك المصادرة أنها تعطي من يسميهم الشيعة ب"المستبصرين" أي الملتحقين بالتشيع، المبرر للتأكيد على أنها دليل على قوة المذهب الحجاجية، أو الفرصة لنشر أكاذيب كالقول مثلا أن المذهب يأخذ بسنة النبي كما يأخذ بها أهل السنة، فلماذا يحارب؟(17).
وأخيرا لا أنسى أن أؤكد أن هذا البحث كتب منذ مدة ليست بالقصيرة قبل قطع العلاقات مع إيران، وقد
حالت ظروف دون نشره من قبل.
وإذ أقوم الآن بذلك ـ أي بنشره ـ فإنما يرجع ذلك إلى أمرين:
الأول: ذكرى مرور أكثر من سنتين على اعتقال الاخوة كما سبق، والتذكير بقضيتهم التي يروم البعض تشويهها ونقلها من حالة "اعتقال سياسي" إلى "ممارسة عمليات إجرامية".
الثاني: إظهار براءة "الحركة من أجل الأمة" وأمينها العام الاستاذ محمد المرواني حفظه الله من تهمة "التشيع".
والله الموفق للصواب.
______________
1-أطلق سراح أحدهم، وهو الأستاذ حميد نجيبي، بعد إنهاء مدة عقوبته، وأطلق سراح الخمسة الباقين يوم الخميس 14 مارس 2011، تحت ضغط الحالة الثورية للشارع العربي.
2- الأحداث المغربية، عدد 3674/الإثنين 09 مارس 2009.
3- جريدة "المساء"، عدد 769/ الخميس 12 مارس 2009.
4- جريدة "أخبار اليوم"، عدد 10/ الخميس 12 مارس 2009.
5- نفسه.
6- الأحداث المغربية، عدد 3674 السابق.
7- نفسه.
8- الأحداث المغربية، عدد 3677/ الخميس 12 مارس 2009.
9- جريدة الصباح المغربية عدد 2776 السبت والأحد 14 و15 مارس 2009. والكلام لمنتصر حمادة في حوار مع الجريدة المذكورة. ويمكن ملاحظة أن "الباحث" المذكور يورد سببا لعرقلة أو عدم الاعتراف بحزب الأمة خاصة، لم يسمع به أحد من قبل، وخاصة أبناء هذا الحزب، لا من أفواه المسؤولين ولا من أفواه غيرهم !
10- بدئ بمحاكمة المعتقلين يوم الخميس 16 أكتوبر 2008 أي ثمانية أشهر بعد اعتقالهم حسب التصريحات الرسمية. لكن هذا الصحفي يدعي ان التحقيقات "جارية منذ اكثر من سنة" فهل الهدف التهويل في هذه القضية؟ أم أن "وراء الاكمة ما وراءها"؟
11- لاحظ كلمة "البعض" في قوله: " وهو اسم يربطه البعض..."، مع أن هذا البعض شخص واحد هو "الباحث"المذكور سابقا والذي يعتبر أول من تعسف في هذا الربط، وعنه نقل غيره ببلادة كما سيأتي.
12- مقال : "المد الشيعي بالمغرب... الخطر القادم من فارس" إحسان الحافظي، جريدة الصباح العدد السابق ذكره.
13- سيأتي تفنيد هذا الكلام.
14-صحيفة"الجريدة الأولى" عدد 252، السبت والأحد 14 و15 مارس 2009. وقد نشر هذا الكلام ضمن ملف بعنوان: "تاريخ العلاقات المغربية الإيرانية"، وهو من إنجاز أحمد نجيم.
15- الطف صحراء قريبة من كربلاء، حدثت بها وقعة الطف بين جيش الأمويين وجيش الحسين .
16-من ذلك مثلا الجهد القيم للسيد محمد عمراني حنشي، خاصة كتابه: "الأصولية الجعفرية الشيعية والاجتهاد المؤطر بالأسطورة"، وكذلك ما كتبه الباحث الزبير دحان حول المتشيعين ( مثل سليط اللسان على الصحابة وعموم أهل السنة المدعو التيجاني السماوي)، وما كتبه الحسن العلمي.. وغير ذلك.
17- من أغرب ما ذكره أحد كبار "المستبصرين" المغاربة، ويدعى إدريس هاني، في قناة الجزيرة يوم الاربعاء 18 مارس 2009 في تصريح صحفي أنه يرفض أن تنزع منه "شيعيته" لأن التشيع "مذهب آل البيت"، كما يرفض أن تنزع منه "سنيته" لأنه يحب سنة النبي على حد زعمه. في حين أن السنة عند الشيعة ليست هي السنة لدى أهل السنة والجماعة.
التعليقات (0)