وسط التهاب نار الاسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطن وتردي الاوضاع في قطاعات الصحة والتعليم والمزيد من الكوارث الاجتماعية المترتبة عن عاصفة الازمة التي اصبحت واقعا يحاصر الاقتصاد في المغرب، آبت حكومة عباس الفاسي إلا أن تزف إلينا خبر تأسيس موقع للحديث عن مكاسب ما رأينا لها من اثر إيجابي على خريطة الفقر التي تُضيق الخناق على أعناق الملايين من المغاربة يوما بعد يوم.
وهكذا، إذن، وفي الوقت الذي كنا نتوقع فيه أن يُطل عباس الفاسي من على موقع واقعي للاعتراف بفشل حكومته الكبير وعجزها عن الرقي بمستوى عيش وكرامة المواطن المقهور، خرجت حكومة البطة العرجاء، فجأة، قبل رحيلها غير المأسوف عليه، لتُطل، بهذه الجرأة المبالغ فيها، من موقع افتراضي والتبجح بما تعتبره إنجازات حققتها على مدى ولايتها.
و إذا كان الجميع ينتظر من الحكومة المخلوعة أن تُباشر سن سياسة تقشف وترشيد لنفقات الميزانية العامة للتقليل من خسائر و تداعيات الازمة المالية على الاقتصاد الوطني، فإن عباس الفاسي ارتأى، مقابل ذلك، فتح ثغرة جديدة في صندوق الدولة الذي نهبه وانهكه الفساد في محاولة للالتفاف على حقيقة الفشل الكارثي لحكومته.
واجب السيد عباس الفاسي ، اليوم، وهو رجل القانون في الأصل ، أن يُقر بمسؤولية "عدم التبليغ" عن "جريمة" الفساد المتفشي و الفشل في تدبير السياسات العمومية التي يئن تحت وطأتها المواطن ، عوض أن يسمح لنفسه بالتطاول على أموال دافعي الضرائب ، في الوقت الضائع ، و استثمارها عن سابق اصرار وترصد في حملة انتخابية سابقة لأوانها تستهدف الرفع من اسهمه في "بورصة سياسية"، ستُفتح، لامحالة، على أصوات الاحتجاج والاستهجان.
واذا كان لابد من أن يكون مبرر لهذه "الوصلة الاشهارية"، التي أقدمت عليها الحكومة، قبل مواصلة ما تبقى من حلقات المسلسل الكوميدي، فالوزير الاول لم يجد صعوبة البتة في اللجوء الى غطاء المحاسبة حتى يوفر الشرعية القانونية لهذه الخطوة حيث اعتبر في تصريح سابق "ان واجب المسؤولية يقتضي تقديم الحساب للمواطن..."
ربما لا يريد السيد الوزير الاول، والذي سارع إلى تعيين نفسه رئيسا للحكومة، حتى قبل أن ينتزع حزبه أغلبية في البرلمان، أن يفتح عينيه جيدا ليرى بأن المواطن المغربي لم يعد يكترث إطلاقا لتلك المصطلحات التي تتردد، من حين لأخر، على ألسنة الكثير من المسؤولين، و لهذا السبب بالضبط فضل أن يلجأ للشارع للمطالبة بالحساب بعدما اتضح له بشكل جلي أن وقوف الوزير أو جلوسه تحت قبة البرلمان لا يقدم ولا يأخر من الأمر شيئا، فالذي يحدث هو أن كل الذين تتحدث عنهم تقارير الاختلاس ما يلبثوا ان يتحصنوا اكثر بمجرد ذكر اسمائهم على اللائحة السوداء للمجلس الاعلى للحسابات.
فالبرلمان، الذي يفترض أن يكون المكان الطبيعي الذي يُحاسب الوزير بداخله، ثبت أنه مجرد بورصة ، بلا قيم، مفتوحة للمزايدات السياسية، وحتى إذا توفرت أسئلة شفوية أو كتابية مزعجة فما يلبث مفعولها اللحظي أن يتبخر على وقع حرارة خطوط الاتصال الداخلية.
و لكن، متى كان لعباس الفاسي أصلا موقع من الاعراب عن السياسيات العمومية للدولة، فالكل يعلم أن دوره على رقعة الشطرنج لا يتعدى استقبال كميات هائلة من الثوم، الذي تفوح رائحته كلما راح يفتح فمه للحديث عن أحداث لم يكن له علم بها، و تصريحاته، من العيون، حول أحداث سيدي افني أكبر دليل على ما نقول.
وحتى اذا قررنا أن نجاري السيد الوزير الاول في أمره، فبالله عليكم بماذا ستفتخر حكومته المخلوعة؟
هل سيفتخر بمسؤولية التستر عن جريمة أحداث سيدي افني؟
هل سيفتخر بإصدار مرسوم حل حزب البديل الحضاري يوم 20 فبراير 2008 غداة اعتقال قياداته في ما سمي أنداك بقضية بلعيرج، حتى قبل ان تعرض النازلة أمام القضاء؟
وهل سيفتخر السيد عباس الفاسي بمسؤولية حكومته عن الاعتداء الوحشي الذي تعرض له المحتجون من المعطلين ونشطاء حركة 20 فبراير في شوارع المملكة وخلف ضحايا وراءه؟
أم سيفخر بتضييق حكومته على حرية التعبير و الزج بالصحافيين في السجون و خنق منابرهم الاعلامية؟
إن الدافع الخفي وراء رصد الحكومة لمليار و 600 مليون ، ليس في الحقيقة، الا تعبئة إضافية فيما تبقى من رصيد سياسي نافذ للحديث عن انجازات افتراضية تهدف بالتحديد إلى بعث ما يكفي من رسائل سياسية في أخر المحاولات لخطب ود الناخبين قبل موعد الانتخابات المقرر في 25 نونبر القادم.
فكم هو مخطئ هذا الرجل الذي تلاحقه سوابق "النجاة"، التي أغرقت كل من كان على متنها في وهم كبير باعه الوزير الفاسي من على سفينة حكومة الاشتراكيين، التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، إذا كان يعول على هذه الرسالة لدفعنا إلى تغيير موقفنا من هذه الحكومة التي كانت العنوان الرئيس لاعتداءات ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية.
إن الحقيقة التي يجب أن تستقر في ذهن السيد الوزير هي استحالة وجود موقع آمن يقيه شر القصف المكثف لحكومته المخلوعة، وما عليه والله إلا أن يعلن استسلامه "للثوار" عوض الهروب إلى الامام و سعيه الى الاختباء وراء موقع لا يوفر الاسلحة الكافية والفعالة للرد على هجوم كاسح وآت من المواقع المتقدمة والاكثر تنظيم على الساحة السياسية.
التعليقات (0)