مواضيع اليوم

موعد مع التعليلات قراءة في عزف فاتن نور

عمار العراقي

2009-07-31 18:21:11

0

                                       موعد مع التعليلات
                                    قراءة في عزف فاتن نور
كرم الله شغيت

قرأت في ما قرأته للشاعرة فاتن نور في صفحتها على موقع الحوار المتمدن والذي سبق أن قرأته في جريدة الأهالي العراقية في عددها/ 213 قصيدة (عزف على نهد منفرد) ،وقد ارتأيت أن أدرج القصيدة قبل أن أتعرض لنقدها كي يطلع القارئ الكريم عليها.
((كي لا يصبح نهدي عاطلا عن العمل
شاردا الى ترهل العزلة السوداء
او متسولا بين شرفات الأسنان المنخورة
وهي،مما لاشك اعنيه،
كشرفات البلدان المأسورة بين فصاحتين،
تبحث غالبا عن لغة فاصلة،
للتداول دونما حرج..
كي لا أمنحه فرصة مرتعة ليقرأ،بلوعة المخلوع او المنكسر،
تاريخ شرفه الطويل،
كأول درع محارب انتصر
في معابد الكهنة
واسرة البغاء المقدس
..وأول من رفعته حوافر الالهة البيضاء
بعربات الصندل وخمائل الديباج المطرز
الى قصور الأباطرة والقياصرة والأوصياء وكل المجهدين
المتعبين من إنزال ماء فضائلهم
لتعميد الفتيات الطيبات،
الراقدات في المخافر الفارهة للحكمة اللعوب
والفتيان الإشداء..حجّاب المخادع الدافئة
كي لا يخرج مهزوما من بطولاته بلعنة الفطام
مختوما بأصابع الحرية البلهاء
وهي بلهاء مومس،كما تعلمون،
مالم تفض بكارتها ملائكة السماء السابعة بعد الفين
كي لا يبور
على الضفاف القلقة لنزهة الألباب
المتعبدة بحروبنا الضروس
بين رقائق علوم التغنج
وآداب النخير في الوطء
أو كي لا يخور بخطيئته
في صومعة عاشق!..
كي يبقى مقاتلا شرسا
لا يقيله دعاة التنزه الحديث،
اولئك المتزحلقون العابدون لمرازيب الألباب الصلدة!
ولايخذله النخاسون واللاطة الجدد،
المشركون الداعون لتسريح آلهة الجسد!
سأوقفه بخوذته الصغيرة الفخمة
ناسكا حارسا
على بوابات المدن الفاضلة
لتطهير الداخلين القادمين
من مدن الدنس..))
إلى هنا تنهي القصيدة....
والعزف الذي نحن بصدده عبارة عن تعليل لفعل معين، وبصورة أدق سبعة تعليلات طرحها النص قبل أن يطرح الفعل الذي جاءت هي لتعليله .وموضوعها حماية المعزوف عليه من أن يلبس حالاً معينة أو إبقاءه على حاله ، وقد ظهرت التعليلات في مجاميع صنفها البناء اللغوي للنص.
المجموعة الأولى/أداة التعليل(كي لا) :
1. فعل التعليل [يصبح] والحال التي معه( عاطلا/متسولا/شاردا).
2. فعل التعليل [يخرج] والحال التي معه( مهزوما /مختوما).
3. فعل التعليل [يبور] بدون حال.
4.فعل التعليل [يخور] بدون حال.
أداة التعليل(كي):
5. فعل التعليل [يبقى]والحال التي معه(مقاتلا)
المجموعة الثانية/ أداة التعليل(كي لا):
6. فعل التعليل[أمنحه] بدون حال.
7. فعل التعليل[يخذله] بدون حال.
المجموعة الأولى/التعليل/1:لو نظرنا إلى الدلالات المجردة للأحوال التي حاول النص أن يصرفها عن المعزوف عليه وهي كما يلي:
عاطلاً ـ أي غير مرتبط بعمل ـ العمل هو (الوظيفة) الطبيعية والفسلجية
شارداً ـ أي غير مرتبط بمركز ـ المركز هو (الانتماء)
متسولاً ـ أي غير مرتبط بمكان ـ المكان هو( الاستقرار)
وهنا يريد النص أن يؤكد سببية وجوده بأن يجعله مستقرا صاحب وظيفة وانتماء.
المجموعة الأولى/التعليل/2 و 5:يدخل هذان التعليلان في ارتباط آخر داخل النص وكما يلي:
(كي لا يخرج مهزوما) ـــ حمايته من الهزيمة
(كي يبقى مقاتلا شرسا) ـــ الصمود
(كأول درع محارب انتصر) ـــ النصر
وبالنظر إلى دلالات المفردات المقابلة للنصوص أعلاه نجد أن المسألة تتدرج كما يلي:أولا دفع الهزيمة عن طريق الصمود في أقل تقدير، ثم تحقيق النصر، وهذا من شأن موضوع القصيدة، فهو ذو شأن عال كما يتضح من سياقات النصوص التالية:
(ليقرأ بلوعة المخلوع أو المنكسر)...............ولا يخلع إلا من منصب
(وأول من رفعته حوافر الآلهة البيضاء إلى قصور الأباطرة والقياصرة والأوصياء)....................................ولا يرفع إلا لمنصب
(لا يقيله دعاة التنزه الحديث)....................ولا يقال إلا من منصب
ثم إنها في تسميته (أول درع) له دلالة على مسألة الحماية التي أشرت إليها في البداية والتي جُعِلتْ هدفا من موضوع التعليلات آنفة الذكر، وهذا الدرع هو (أول محارب انتصر) و(أول من رفعته حوافر الآلهة البيضاء إلى قصور الأباطرة والقياصرة والأوصياء) (المتعبين من إنزال ماء فضائلهم لتعميد الفتيات الطيبات). والحكاية في مجملها استعارة لطقوس بابلية قديمة تقرّب فيها المرأة بواكير جسدها باستسلامها لرجل غريب، وبعد أن تكون قد أدت ما عليها لآلهتها لا يبقى في الإمكان إغراؤها مهما بذل لها من مال وهذا هو الذي سمته القصيدة(الحكمة اللعوب)، أي تصبح محصنة من الخطيئة وبعبارة أخرى وبلغة القصيدة نفسها تصبح (صامدة) بوجه المغريات (منتصرة) على هواها غير(مهزومة) من نفسها.
المجموعة الأولى /التعليل/4:وهذا الجزء يوضح لنا بجلاء موضوع الجزء السابق وكيف انه جاء لمنعه من الوقوع في الخطيئة، التي قد تكون سبب ضعفه وانكساره حيث تقول/(كي لا يخور بخطيئته/في صومعة عاشق).
المجموعة الأولى/التعليل/3:وموضوعه حمايته من أن (يبور) والكلمة ذات معنيين (الكساد،والهلاك)، فالأول/حمايته من (الكساد) وهو يوافق ما توصلنا إليه من أن موضوع القصيدة ذو شأن عال ومنصب لا يتناسب مع الكساد الذي هو قلة القيمة والشأن، والمعنى الثاني /حمايته من (الهلاك) وهو يوافق أيضا ما ذكرناه من التأكيد على سببية الوجود و الانتماء والوظيفة التي ظهرت في أول سطر من النص.
المجموعة الثانية/التعليل/6:تقول(كي لا أمنحه فرصة مرتعه ليقرأ /بلوعة المخلوع أو المنكسر /تاريخ شرفه الطويل) وهنا يجيء هذا التعليل لحمايته من الالتصاق بالماضي والوقوف عنده ، لأن ذلك لا يتناسب مع سببية وجوده أنفة الذكر والتي تحتم عليه أن يشغل وضيفته في الحياة وأن لا يقف عند حد معين ، وبعبارة أخرى وكما تسميه القصيدة (لعنة الفطام) في قولها :)كي لا يخرج مهزوما من بطولاته بلعنة الفطام/مختوما بأصابع الحرية البلهاء) واللعنة من صفاتها الالتصاق مثلها مثل الختم.
المجموعة الثانية/التعليل/7:تقول(ولا يخذله النخاسون واللاطة الجدد/المشركون الداعون إلى تسريح آلهة الجسد).وهي لمنعه من أن يقع في شراك المنتفعين و عديمي الخبرة فيخذلونه بالدعوة لتحريره من الارتباط أي جعله شاردا ،متسولاً (كما في التعليل الأول).
بعد ورود هذه التعليلات يطرح النص فعله الذي سيقوم به والذي لأجله أورد تلك التعليلات ، وقد جاء النص في مقطعه الأخير هذا بصورة حسية قرَّب بها موضوعه إلى مخيلة القارئ والتي جعلها مشدودة طوال أسطره تترقب الذروة ، وكثف مفرداته جاعلاً إياها في مقابلة مع كل المعاني التي وردت في القصيدة. لنقرأ هذا المقطع ونجد له ما يقابله في سابقه من أسطر النص.
سأوقفه( بخوذته) الصغيرة الفخمة [يقابله] كي يبقى( مقاتلا) شرسا/كأول درعٍ (محارب)
ناسكاً (حارساً) [يقابله] الفتيان الأشداء (حجّاب) المخادع الدافئة
على بوابات( المدن الفاضلة) [يقابله]( قصور) الأباطرة و القياصرة والأوصياء
لتطهير (القادمين) الداخلين [يقابله] دعاة التنزه الحديث /المشركون الداعون لتسريح آلهة الجسد
من مدن( الدنس) [يقابله] المخافر الفارهة للحكمة( اللعوب)
و باستعارة تلك المقابلات يمكننا أن نعيد كتابة هذا النص مع بقاءه يحمل نفس الفكرة فيصبح(سأوقفه مقاتلا شرسا كدرع محارب/ كحجّاب المخادع الدافئة/ على بوابات قصور الأباطرة /لتطهير المشركين الداعين إلى.......الخ).وما أريد أن أقوله هو أن القصيدة كلما تقدمت بها الحال أخذت العلاقة بين أجزائها تزداد وثوقا وأصبح بالإمكان شرح الجزء بدلالة الآخر ، وأن المعاني فيها تلبس من سطر لآخر ثوبا جديدا حتى كأن النص في كل سطر يكتب من جديد، وهذا في معناه وحدة الموضوع الذي جعل أجزاءه تستدعي بعضها البعض في تتابع سببي أبعد النص عن الرتابة ومنحه قدرا من التشويق.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !