دقات قلب قليلة ويكون العراق على موعده مع التاريخ..حيث تطلق اشارة البدء لانتخابات اراد لها القدر والشعب والظرف الدولي والاقليمي ان تكون نقطة مفصلية في مجمل تاريخ الحراك الوطني العراقي ..بل يمكن القول بان هذه الانتخابات ستشكل –وبصورة شبه نهائية-ملامح الطريق الذي سيحدد شكل وطبيعة النظام السياسي العراقي ولسنوات طوال قادمة..
ساعات قليلة تفصلنا عن يوم الانتخابات الذي يشي الاهتمام الاعلامي غير المسبوق بنتائجها وتداعياتها الى حجم التاثير المنتظر لما ستسفر عنه من معطيات واعدة بتطور ناضج وعميق في التعاطي السياسي مع الشأن العام واستعداد واصرار شعبي واضح وجلي على وقفة عز وشرف تترك بصمة واضحة على جبين التاريخ مضمخة بالحبر البنفسجي العبق بشذا تضحيات ودماء ودموع والام العراقيين..
تلك التضحيات التي تحتم على المواطن العراقي ان لا يفرط بصوته وان لا يضعه الا في المكان الذي فيه الوفاء والاعتزاز والعرفان لارواح شهداء الحركة الوطنية العراقية الذين عمدوا تراب الوطن بدمائهم الزكية قربانا لمثل هذا اليوم الذي يعلن فيه الشعب عن انعتاقه من ادران الديكتاتورية والتسلط وجعل كلمة الديمقراطية والحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الانسان هي العليا ..
المواطن العراقي الغيور والبطل يذهب الى الانتخابات وهو يعي بصورة تامة قوة واهمية ونفاسة صوته الذي يعتمد عليه مستقبل وامال وتطلعات الشعب العراقي العظيم ..والقدرة الهائلة على التغيير التي يتفرد بها لجسامة وفداحة الثمن الذي دفع ارواحا ودما ومقدرات لايصال هذا الصوت الى صناديق الاقتراع..
المواطن العراقي المثقل بالهم الوطني والانساني يحث خطاه تجاه صنع التاريخ وصياغة القادم المشرق من ايامه وهو يضع امامه انتماؤه الصميم وتمسكه بهويته وعراقيته التي اسقط بها جميع مخططات التفتيت والتشرذم والتي هددت بناءه ونسيجه الاجتماعي في ريح صفراء عاتية استهدفت كينونته ووجوده وعمقه الحضاري ..
هذا الانتماء العراقي العظيم -وليس التخندقات الفئوية والطائفية والعرقية الضيقة-هو الذي يجب استحضاره عند تحميل المواطن المسؤولية الكبرى لمن يؤمن بقدسية التكليف الوطني لشرف تمثيل الشعب ..ولمن يؤمن بالديمقراطية وثقافة التداول واحترام الآخر ونبذ الاقصاء والتهميش،وضمان حقوق الانسان،والحريات الفردية والعامة..وفصل السلطات واستقلالية القضاء..ولمن هو اكثر اخلاصا وكفاءة ومقدرة واصطفافا مع الهم الشعبي العام.. ولمن يعلي قيم العدل والمساواة الاجتماعية ولمن هو اشد التصاقا بتربة هذا الوطن التي روتها قوافل الشهداء بدمائهم الطاهرة لاجل مثل هذا اليوم الموعود..
ان المواطن العراقي الصابر والمجاهد ينتظر منه ان يختار من اختار الانخراط ضمن صفوف الجماهير الكادحة والمظلومة وانغمس في قضايا الشعب الفقير والمهمش ولم تمتد يده الى اموال السحت الحرام ولم تسجل عليه حالات فساد او اثراء غير مشروع..فان الاختيار الواعي والصحيح هو الطريق الوحيد لبناء الدولة الهدف..دولة المؤسسات المدنية التي تؤسس لمجتمع معافى وحر ويمثل مركز اشعاع حضاري وثقافي لجميع دول العالم المحبة للخير والسلام..
ان الوعي الشعبي العراقي..والذي تجاوز الادراك السياسي للكثير من المتصدين للشأن السياسي العام..هو الضمان الوحيد للاستفادة من الدروس والاخطاء التي رافقت العملية السياسية في مراحلها السابقة والتي هي من صميم حركة التدافع الاجتماعي والمفترضة في مجتمع تمزقته المحن والخطوب لاكثر من ثلاثة عقود عجاف..وتفويت الفرصة على اعداء العراقيين في استغلال هذه النكسات في احداث تقاطعات وتناقضات داخل اطياف فسيفساء الامة العراقية المعطاء..
ساعات قليلة ونكون على موعد مع التاريخ..وعلى خط واحد متكاتفين متعاضدين متراحمين مستجلبين كل قيم الخير والصفاء التي جبلت عليها الشخصية العراقية المحبة للارض والوطن والانسان ومتفانين لانجاح عملية بناء الديمقراطية في وطننا العزيز .. ولتوجيه الحراك السياسي نحو العمل على تخليق الفرص لتكوين وبناء دولة النظام والقانون والنماء التي نرغب والتي نريد والتي نتمنى لنا وللاجيال القادمة..
التعليقات (0)