للشرق سحره. للشرق طبائعه ومميزاته. للشرق تاريخه المشرق احيانا , والمظلم اخرى.وله حضارته العريقة وقيمه واخلاقه وفضائله. فيه صفاء ونقاء. كما فيه خفايا وغموض يعجز حتى أبناؤه عن فك طلاسمه, فما بالكم بالغرباء او البعيدين عنه او الجهالين بخصائصه وعميق تاريخه.
زائرو الشرق في يومنا هذا ممن عرفوه, او عرفوا عنه شيئا وجهلوا اشياء, لا بد ان تدهشهم ــ على اختلاف اصنافهم وتنوع مشاربهم ــ ظواهر جديدة مميزة قد لا تجد مثيلا لها في أي مكان من عالم اليوم, عالم التقنية والتكنولوجيا الحديثة, والاتصالات والمواصلات وتلاقي الافكار وتقاطعها, ولغات التخاطب والتعامل ووسائلها,والتنظيم الاداري والرقابة والشفافية... وذلك من الوهلة الاولى ووضع القدم في مطارت الوصول ونقاط الحدود المتعددة.والى يوم الخروج والمغادرة, التي لا تكون احيانا موفقة أو ميمونة.
لايمكن الاشارة في مقال واحد لانطباعات وملاحظات, واحيانا معاناة الزائر لبعض شرق اليوم ,الساخن منه بشكل خاص, وعليه نكتفي بالاشارة هنا لظاهرة يمثلها موظفوه , بعض موظفيه ــ وكلمة بعض في هذا المقام لاتحمل المعنى الذي يعطيه اياها قاموس اللغة,فقد تتسع وتتسع في مكان ما لتصبح شاملة وتأخذ معنى الكل, وتتقلص في أماكن اخرى لينطبق عليها تعريف القاموس, ومع ذلك ولاعتبارات خاصة فضلنا استعمالها " بعض !!"
الموظف, في بعض التعاريف, أو فيما اصطلح عليه, هو الذي يقوم بمهام وظيفة مفيدة عامة أو خاصة, اسندت اليه لقاء راتب معين وأجر, ويكرس نفسه ووقته اثناء ساعات عمله للقيام بها, خدمة للوطن والمواطن, بشكل مباشر أو غير مباشر. وذلك ضمن اخلاقيات المهنة ومقتضياتها. وهو المعد بشكل جيد ليكون اداؤه في المستوى المناسب لوظيفته.
الاحتكاك الاول ـ لمن قدر له ان يحتك ــ بموظفي, او "بعض" موظفي هذا الشرق, على اختلاف مواقعهم في أعلى السلم الاداري أوفي أسفله,يبين الى اي حد أخرج هؤلاء الشرق عن طبيعته, عن خصائص شرقيته. وعن اصالته. لم يغربوه, ولم يشرقوه, ولم يبقوه في عين مكانه. ولم يبنوا له مكانا أو مكانة عصرية ومستقلة, تاركينه فريد عصره لايشبه أحدا ولا يحترمه كما ينبغي احد, ولا يستطيع حتى العودة للتعرف على نفسه واعادة الثقة بها.
في وجوه البعض من هؤلاء الموظفين,ملامح ليست بالشرقية, أو لم تعد كذلك, ولا الغربية,أو البين بين, ونظرات لايدرك مغازيها ومعانيها الا موظف شرقي من نفس الدرجة والنوعية والتكوين, ويتحلى بنفس الاخلاقيات المهنية المكتسبة حديثا في ظل انظمة كان منمنجزاتها خلق هؤلاء وطبعهم بطابعها, بشكلهم هذا في يومنا هذا.يتصرفون بردود أفعال غير مهنية او حضارية تتبع مزاجية متقلبة تقلب الاسعار غير المدروسة أو المدعومة في الاسواق بأنواعها, بما فيها اسواق الفواكه والخضار, وتتأثر بالتعامل اليومي مع الزملاء والرؤوساء والوسط المحيط وتعاليمه.
العديد من الموظفين الشرقيين موظفون بلا وظيفة فعلية (بأم العين يرى المراجع في المكتب الواحد مايزيد في المتوسط على 5 الى 6 موظفين محشرون حشرا, اجسادا ومكاتب وادوات عمل, يتبادلون الاحاديث ويدخنون محتسين فناجين القهوة والشاي و"المتي" والوجبات السريعة فوق طاولات العمل وبين الملفات المعهود بها اليهم انجازها, هذا ما رايناه بأم العين في العديد من الدوائر, مضافا اليه ما روته لنا بعض الموظفات, ذات الشأن والاقدمية, من قصص نشاطات تتضمناعداد "التبولة" وحياكة "التريكوات) يوقعون المعاملات التي ينجزها زملاؤهم من الموظفين من نفس الدرجة والاختصاص, بحيث تخرج الورقة الواحدة بعد ايام من الدائرة الواحدة وعليها عدد كبير من التواقيع والتواقيع على التواقيع, والاحالات والتصديقات, ومزدانة بعشرات الطوابع والاختام من كل الاحجام.
ويُرى المراجع المتصبب عرقا, حتى في فصل الشتاء (لجريه بين المكاتب في الطابق الواحد والدوائر المتباعدة والمختصة في انجاز المعاملة الواحدة,ولمزاحمة المراجعين الاخرين له في فوضى يشجع عليها الموظفون انفسهم,فحضارة الوقوف في صفوف الانتظار لم تصل بعد او مرفوضة لانها مستوردة وغير عملية. الكل يريد ان يصل امام الموظف اولا ولايهتم للصراخ والالفاظ النابية المنبعثة من كل مكان, والكل يزعم أو يوحي بانه مدعوم من جهة نافذة, او يحمل سلاما وتحية واشياء يسيل لها لعاب الموظف الذي يراقب الوضع بنرجسية ) ويده على قلبه والاخرى في جيبه ليدفع ما يمكن ان يجنبه العودة في اليوم او الأيام التالية لمتابعة نفس المعاملة ورؤية نفس الوجوه وسماع نفس الكلمات.
يشكو الموظف للمراجعين, في تمهيد أولي, من ضيق الحال وقلة الحيلة في تدبر المعاش, معيشة اسرته متعددة الافراد والزوجات, عله يجد تفهما ودخلا مكملا لدخله في جيوب هؤلاء المراجعين, دون ان يعرف شيئا عن اسهرهم هم أودخولهم. فالغاية تبرر الواسطة. والرشوة عامة وعلنية وان كانت غير مقننة و خارج دائرة المساءلة والعقاب. وهي باب من أبواب الاثراء دون سبب أو تعب أو حساب. تتصاعد مع صعود درجات السلم الاداري, وتتواضع, نسبيا, مع نزوله, ولكن لا تتلاشى حتى في الدرجات السفلى السفلى منه.
يدخل في باب الوظيفة و الموظفين, في بعض شرقنا العزيز,الآف مؤلفة من الرعايا, بلا وظيفة معينة معلنة, مهام المكلف بها الطاعة العمياء والولاء المطلق لأولياء النعمة, دون تفكير أو اعمال ضمير. منهم من يتلقى رواتب شهرية ومنهم من يستلم على الاخبارية. وكل ذلك لخدمة الوطن المتمثلة في ملاحقة المواطنين باقوالهم وافعالهم وافكارهم على مدار الساعة وفي وضح النهار واناء الليل وظلمته, متابعة لا يوقفها تبدل الفصول ومرور الايام والاعوام وتغير الاحوال. الاستثمار في هذا الميدان هو وحده المفتوح لكل راغب, أو لكل مكره بشتى وسائل الاكراه ليعلن "رغبته". وفيه وحده الشواغر بالآلاف. ميدان توظيف لا يعرف الاشباع او الاكتفاء.
في بعض الشرق موظفون فريدون في اختصاصهم, من الجنسين, قد يكونوا في بلد واحد معين, كما راينا, أو يتواجدون في بعض البلدان كما اقسم لنا احد هؤلاء الناديرن. مهامهم الجلوس على ابواب الخروج من المراحيض, في المطارات وبعض المقاهي والمطاعم, ليحاسبوا الخارج منها على ما فعله داخلها, وفي حال عدم توقع هذا الاخير دفع ثمن ما طرحه مرغما, وعدم وجود بعض القطع النقدية او العملة المحلية في جيبه لدفع الحساب, توجه اليه اهانات عنيفة مرحاضية حصرا. انه استثمار في مكان خارج المكان تفتقت عنه ذهنية المستثمرين المحليين الجدد , وقد يكون لوزارة العمل والعمالة ومحاربة البطالة الفضل فيه, وخلق فرص جديدة للعمل الواعد الذي قد لا يُطلب لشغله كفاءات أو استثناءات.
الموظفون ومن هم في حكمهم في المطارات والمناطق الحدودية ,ممن يعطون الصورة الاولى عن البلد الذي يعملون على خدمته, والمفترض انهم يمثلون شرفه وسمعته, يشترون مواقعهم بالتنسيق مع رؤوسائهم, تعميما للفائدة ودعما للمواقف وتحسبا لما هو في غير الحساب. وكثيرا ما يشار الى ان موظفا, شرطيا او جمركيا, قد بات من اصحاب الملايين, يملك شققا وسيارات وبيوت ومشاريع واستثمارت تحت سمع وبصر الجميع, بعيدا عن الرقابة او طرح أسئلة قد يكون منها: من اين لك هذا. و الرد المقنع في حالة السؤال سيكون حتما وحسب المتعارف عليه: هذا من فضل ربي.واذا الكريم وهب لا تسألن عن السبب. فما بالكم عندها بمن هو فوق الشرطي وفوق الجمركي. وبماذا سيجيب في غياب دولة القانون والديمقراطية وما يتبعها من شفافية ورقابة وحساب ومساءلة؟.
هل يجري هذا الذي اشرنا لغيض من فيض منه دون علم من الانظمة العربية الحاكمة؟ ام انه بعض من افرازاتها, وجزء من كيانها ان انهار ينهار معه الكل بالتبعية والحتمية.
للقارئ التفكير والتقدير والتقرير.
وللزائر لشرقنا في يومنا هذا قول شيء فيه بعض من ضمير في من اجتهدوا فتميزوا. في أنظمة فسدت فأفسدت.
د.هايل نصر.
التعليقات (0)