ماهر حسين.
كنت قد تناولت موضوع الغلاء بمقـــال كتبته في بداية العام الحالي ،تناولت بالمقال المذكور بعنوان (الغلاء عدو ...والفقر هزيمة..ولقمة العيش حق) حيث تناولت خطورة الغلاء ومدى تأثيره على الصمود الفلسطيني في الوطن .
بالطبع لم أطرح الحلول لظاهرة الغلاء فهناك من هم اعلم مني بالاقتصاد وهناك من هم أعلم مني بكيفية مواجهة الغلاء ولكني قلت واكرر بأن الغلاء عدو حقيقي يجب مواجهته وبان الغلاء يؤثر سلبا" على صمود المواطن الفلسطيني على أرضنــــا .
بالطبع للغلاء أسباب عديدة منها ما هو مرتبط بظاهرة عالمية تشمل كل دول الجوار بما فيها إسرائيل التي تعاني من غلاء وتشمل بالطبع الأردن ومصر ودول أبعد من ذلك ومع أن الغلاء ظاهره عالمية الآن إلا انه هناك أسباب فلسطينية خاصة دعمت الغلاء وجعلته أكثر تأثيرا" على المواطن .
هناك أسباب يتحدث عنها أصحاب الرؤى والخبرة وهناك حلول ولقد أورد الدكتور محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حلولا" يمكن لها أن تساعد بتجاوز الأزمة ولكنها وبالطبع ليست حلولا" سحرية قادرة على تحويل الوطن الفلسطيني إلى سويسرا (إذا لم تكن سويسرا أصلا" تعاني من ظاهرة الغلاء) .
فعندما نتعامل مع قضايا الاقتصـــاد ..علينا أن نؤمن بالحل التدريجي حيث لا حلول سحرية.
فنجاعة أي حل مرتبطة بموارد الوطن وبقدرة الحكومة على الاستفـــادة منها بالحد الأعلى كما أنها بمصروفات ومدفوعات الحكومة ويقابلها بالطبع دخل الحكومة الوطني وبالنسبة لنا هناك المساعدات المرتبطة بعملية التسوية لحل القضية الفلسطينية .
وكمثال هنــــا فإن اتفاق باريس وغيره مجرد عناوين لحضور إسرائيل بالمشهد الفلسطيني ..حضورها هنا باعتبارها دولة احتلال وهذا الاحتلال جزء من أزمتنا الاقتصادية ومع ذلك أرجو أن يكون واضحا" للقارئ الكريم بأنه حتى لو تحررنا فهذا لا يعني بأننا سنكون دولة بلا أزمة اقتصاديه وبلا غلاء وبان أسعار البترول لدينا ستكون أقل من ذلك ..علينا ان نعي واقعنا وان نفهم بان الاقتصاد ليس شعــــــارا" على طريقة (الإسلام هو الحل ) .
بالنسبة لنا هناك أسباب داخلية أخرى تتجاوز الاحتلال وتتجاوز أزمة الغلاء وكونها عالمية وهذا ما يجب على الجميع أن يعيه وبالتالي يتعاون لحله فهناك غياب غير مبرر وغير معقول للزراعة الفلسطينية وضرورة تعزيز دورها بالاقتصاد الوطني وهناك ضرورة لتعزيز السياحة و دعم الاستثمار وهناك مطالب شعبية حقيقية تتعلق بضرورة إيجاد حد أدنى للرواتب وحد أعلى لها كذلك فلا يعقل هذا الفارق الكبير بين الرواتب والذي أدى إلى تآكل الطبقة الوسطى.
أخطر ما بموضوع الاقتصـــاد بأننا نتحدث به بعيدا" عن الاختصاص ونتحدث به بمنطق العالمين ببواطن الأمور ونتحدث به بمنطق الخبراء وبكل الأحوال أنا شخصيا" غير مختص.
ولكن باعتبار الاقتصاد مرتبط بالمواطن الذي يعتبر أساس الصمود الوطني فإن موضوع الغلاء والفقر ولقمة العيش والاقتصاد الفلسطيني موضوع يجب أن يتم الحوار حوله ويجب ان نستمع لرأي مختصين وبهذا نتفادى الشعارات على شاكلة الشعار الشامل العامم الطامم (الإسلام هو الحل ) .
إنني أرى بأن موقفنا من الغلاء يجب أن يٌبنى على قناعه تامة بأن :
- التظاهر ضد الغلاء حق ويجب أن ندعمه تماما" ولكن هذا الحق لا يعني السماح بالتخريب بل يجب أن نقف جميعا" ضد التخريب والمخربين .
- لا يمكن اختزال الأزمة الحالية بشعار واحد مثل (اتفاق باريس) فالموضوع اكبر من اتفاق باريس ولو نظرنا للدول المجاورة التي لا يوجد عندها اتفاق كاتفاق باريس وبما فيها اسرائيل فإننا سنعي بان هناك أسباب كثيرة للغلاء ولتراجع الاقتصـــاد .
- لا يمكن اختزال مطالب المحتجين بكلمة (أرحل ) فهذه الكلمة المستوردة من مظاهرات الثوار في مصر تتناسب مع طبيعة مصر أما بالنسبة لنا فرئيس الحكومة (مكلف ) ويمكن لنا المطالبة بإقالة الحكومة ويمكن لنا المطالبة (بالانتخابات ) وبهذا نحافظ على المكسب الوطني المتمثل بالنظام السياسي الفلسطيني ونعزز الديمقراطية باعتبارها الخيار الصحيح لتعبير الشعب عن موقفه .
- واحده من أسباب الأزمة الاقتصادية والغلاء مرتبطة بالانقســــام حيث ان هناك مدفوعات لغزة لا يتم الاستفادة منها خدميا" للمواطن واقتصاديا" للسلطة وهذا موضوع وطني يفرض علينا مواجهته وبشكل يتناسب مع طبيعته فلا يكون التحرك هنا وهناك فقط ولكنه يجب أن يكون تحرك وطني حقيقي شامل لكل الوطن .
- واحد من أسباب الأزمة الاقتصادية والغلاء هو توقف المساعدات العربية والدولية وعلينا أن نحاول نفهم أسباب هذا التوقف ونعالجها بما لا يتعارض مع موقفنا الوطني .
- هناك مقترحات شعبية تتعلق بضبط المصاريف الحكومية وبشكل خاص الوظائف الغير مفيدة لأحد (البطالة المقنعة) و(تعدد الوظائف لنفس الشخص ) وهناك مطالبات بتخفيض تكاليف المواكب والموازنات والاحتفالات وضبط البنزين الذي يتم توزيعه عبر الحكومة وكذلك ضبط موضوع السيارات الحكومية وهذه المطالب يجب دراستها ويجب أن تحظى بأولوية لدى السيد رئيس الوزراء ولدى مؤسسة الرئاسة .
أخيرا" أقول بان موضوع الغلاء يتطلب تعاون تام من قبل الشعب والحكومة والقيادة وبالطبع المنظمات الأهلية والتنظيمات السياسية لان هذه القضية لا يمكن التعامل معها من باب الموضة .
وهناك ضرورة ماسة لاستنهاض الكل الفلسطيني والاستفادة من رأي الخبراء والحديث للشعب بصراحة عن واقعنا الاقتصادي وحقيقة الأزمة وكيفية مواجهتها .
أخيرا" أكرر موقفي الداعي للتعاطي مع القضية باعتبارها قضية وطنية شاملة للمؤيد وللمعارض و لا يمكن اختزال الأزمة بشعار أو بمطلب وأرجو أن نبتعد عن التخريب المدمر للاقتصاد وللبلد وأرجو أن نتوقف عن الشتم بلا أي رادع أخلاقي أو وطني .
يمكن لنا أن نعارض وأن نحتج بلا شتم وبلا إساءة .
بالنسبة لي يبقى مفهوم الديمقراطية هو أساس الحل للتعاطي مع الأزمة فلنتوجه لنعقد انتخابات نتجاوز بها الانقسام المدمر و لنترك لشعبنا حرية الاختيار السياسي وحرية فرض البرنامج الاقتصادي .
التعليقات (0)