مواضيع اليوم

موسوي وكروبي أخفقا في الامتحان أيضًا..!

علي آل طالب

2010-01-04 13:16:49

0


رهان التجاذب الشرس الدائر ما بين الإصلاحيين والمحافظين؛ لم تعد عناوينه مقتصرة على سؤال؛ من الرابح أو الخاسر في الانتخابات الأخيرة!؟. فالأزمة أكبر من ذلك، خاصة بعد أن بلغت أحداثها إلى ما بالإمكان وصفه بـمرحلة "كسر العظم". وهذا ما يترجمه مؤشر الأحداث المتصاعد في واقع المشهد الإيراني اليوم، فإنه وبالرغم من أن "موسوي وكروبي" يعتبران من الجيل الأول المناصر للثورة حتى الدولة، إلا أنه وبعد أحداث عاشوراء الدامية الأخيرة؛ يكونان مؤهلين للدخول في قيد "الإقامة الجبرية" على اعتبار أنهما قد خرجا عن بيت طاعة "ولي الفقيه"!. فإن خرجا فقد خرج أخٌ لهم من قبل، وكان مصيره –كما هو متوقع - كمصيرهما، بعد أن بات من المؤكد ونظرًا لتعنت السلطة من جهة وعناد المعارضين من جهة أخرى، بأن الأمور قد تكون ماضية إلى المجهول إلى الحد الذي يهدد بنيوية فكرة الدولة الدينية في مثالها الإيراني!. فالمراقبون يدركون حجم خطر مثل هذا الأمر؛ على اعتبار بأنه نتيجة محتملة الحدوث في ظل تراكم لجوهر الاختلاف الوظيفي بين المسارين؛ الديني والسياسي معًا.

وشخص كالشيخ المنتظري والثورة في سنيها الأولى كان من أبرز المجاهرين بالرفض للعديد من الممارسات بوصفها غير متوافقة مع مكنزمات الشريعة السمحة، وغير منسجمة ورح القانون القائم على العدالة والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي آل به للدخول في مناقشات صادمة وماراثونية مع صديقه الإمام الخميني، إلا أنه وكما يبدو بأنه قد دفع ضريبة اختلافه أو اعتراضه أو استنكاره زهاء ما يقارب العقدين من الزمن، قضاها تحت الإقامة الجبرية.!. يأتي هذا والمنتظري يُعد أحد مهندسي الثورة وآخر رمز من رموز الجيل الأول منها، بل والعرَّاب لفكرة "ولاية الفقيه"، والمرشح الوحيد – في فترة من الفترات – لأن يتبوأ المكانة العليا من إدارة البلاد والعباد، كل ذلك لم يشفع له استثنائه من الإقصاء والتهميش بعد اتهامه بالعمالة والخيانة والنفاق!. بيد أنه لم تثنه التحديات عن الاستمرار في المعارضة ودأبه على ممارسة النقد للدولة بأقصى درجاته، على الرغم من اقترابه الحميمي منها وملامسته لأجوائها السياسية، إذ لا غرو ونتيجة لاتساق أفكاره مع فكر الإصلاحيين أن يصبح بمثابة الرمز الديني لهم، فكما هم يحتمون به، فهو أيضا يحتمي بهم، ولو أنهم – الإصلاحيين – أحوج إليه منه بكثير، لاسيّما والمشهد الإيراني صار على كف عفريت، ولا يكاد يهدأ منذ حملة التشكيك في الانتخابات الأخيرة والتي جاءت نتائجها لصالح المحافظين برئاسة أحمدي نجاد.

ومما لا يدع مجالا للشك بأن رحيل الشيخ المنتظري باعتباره مرجعًا دينيًّا؛ وأبًا روحيًّا للثورة الخضراء قد أحدث حالة من الإرباك في صفوف المعارضة، وأثار فيهم مخاوف الاستمرار والبقاء للحراك الإصلاحي. فضلا عمّا يُشكل مثل هذا الغياب من مؤشر إغراء للتعجيل في عملية الانقضاض على بعض رموز التيار الإصلاحي بعد أن كانت الفرصة غير مكتملة الجوانب في وقت من الأوقات. ولعلّ ما تردد مؤخرًا من أنباء وبمبرر الحماية والمحافظة ينذر لغياب منظم عن ساحة الفعل لرمزين بارزين كـ"مير حسين موسوي ومهدي كروبي". يأتي هذا استكمالاً لما ورد في البيان – تأبين المنتظري- الرسمي الصادر عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية من إشارات مثيرة للجدل بعد أن استدعى خلافاته مع الإمام الخميني، حين قال: "الله تعالى امتحن آية الله منتظري باختبار صعب وخطير في الفترة الأخيرة من حياة الإمام الخميني، سائلا المولي تعالى أن يغطي ذلك بغطاء رحمته ومغفرته ويجعل المصاعب الدنيوية کفارة لتلك الحقبة"!. إذ المفارقة في الأمر لا تكمن في امتحان الله للمنتظري ولا في ما ترتب عليها من نتائج إخفاق وفشل فحسب، إنما تكمن أيضًا في تأخير إعلانها، أي بعد وفاته.!

وبالإضاءة على منشأ الاختلاف ما بين "المنتظري والخميني" فلم يكن ليتجاوز آداب الاختلاف – كما وصفه المنتظري في مذكراته – لولا أن هناك من لم يعجبه ذلك، بدواعي التطاول على موقعية "ولي الفقيه"!. لهذا؛ قد أخفق المنتظري في الامتحان عندما أصرَّ على تقييد "ولاية الفقيه" لا إطلاقها بعدما ألحقوا بعبارة "ولاية الفقيه" كلمة "المطلقة"!. وبالفعل هذا ما تم إقراره وكتابته في الدستور الإيراني بعد وفاة الإمام الخميني. فقد توصل المنتظري ومن خلال كتابه "دراسات في ولاية الفقيه" وبعد تفصيل مستفيض إلى نفي الولاية المطلقة للفقيه، معزيًا ذلك إلى أن الأصل الأولي يقتضي عدم ولاية أحد على أحد، وأن أمر إثباتها يستدعى ‏دليلاً قاطعًا، حتى أنه قال: "وهذا ما لم أعثر عليه في الكتاب والسنّة ولا في حكم العقل"!. لذا كان عليه أن يكترع مرارة العقوبة طيلة عقدين وأكثر من الزمن، ردعًا له ولأمثاله!.

وكما يبدو أن عقوبة "الإقامة الجبرية" ولوازمها قد اكتسبت شرعيتها الدينية بعد تقادم الزمان وتقلباته، وباتت سلاحًا مُسلطًا في وجه كل من تسول له نفسه ممارسة الاختلاف، أو إبداء الرأي، أو مجرد التفكير في كل ما يستدعي إعادة إنتاج فكرة مهمة؛ كفكرة "ولاية الفقيه" باعتبارها محور الجدل والتجاذب في إطلاقها أو تقييدها، وقبضها أو بسطها، حيث دراماتيكية الفعل تثبت بأن ما قد صدر بحق المنتظري من عقوبات بالإمكان أن تطال أشخاصًا مثل "موسوي وكروبي" – وغيرهما أيضًا- فهما يخفقان اليوم بامتياز في امتحان الدولة لهما، وليس بمستغرب أن يلقيا المصير نفسه الذي لقيه الشيخ المنتظري وغيره، وربما أكثر؛ خاصة والخطاب الديني الراديكالي قد صعّد من لهجته بعد أن أتهم بعض رموز" الفتنة" في التيار الإصلاحي بالعمالة والإفساد، وتخيرهم بأمرين؛ إما التوبة أو الإعدام!. وأعتقد بأن حملات التشويه والتعبئة السلبية التي يقودها بعض الإعلاميين في الصحف الرسمية المحسوبة على النظام؛ أتت أُكلها بكل تأكيد بعد أن بلغت مراحلها الأخيرة؛ وما تمظهرات الشارع الإيراني القائمة على مبدأ (الفعل وردة الفعل) إلا دليل قاطع على ما يعكسه ذلك الإعلام!. مما يشرعن إنفاذ أقصى العقوبات في حق من تسول له نفسه الاختلاف أو الاعتراض، على اعتبار أن الراد على ولي الفقيه كالراد على الله ورسوله، وهذا هو مكمن الخطر!.

فعندما يغيب الضابط الوازن لمعادلة أكثر من كونها معادلة اجتماعية معقدة، ويفقد المتدينون بريقهم الموسوم بالعدالة والإنصاف، وتفرغ القيم والمبادئ من مضمونها الحقيقي إذ لا يُحتكم بالحوار بوصفه بداية خلاص للأزمات، إذن لا تثريب على ما يرتسم في ذهنية الجيل الجديد من الشباب والذي ولد معظمه في كنف الدولة ولم يدرك الثورة، ولا على ما يترتب عليه من مآلات؛ أكانت متوقعة أو غير ذلك، تودي بالشارع للانزلاق والدخول به في موجات من العنف، حيث الفعل وردة الفعل باستخدام القوة المفرطة، وأحداث عاشوراء في الأيام القليلة الماضية خير برهان على ذلك، حيث سُجلت حالات عديدة من الوفيات؛ فضلا عن العشرات من المصابين، ناهيك عن هستيريا التخريب والتكسير التي طالت الخدمات العامة والخاصة معًا. هل هذا ما كان ينتظره المسؤولون السياسيون.. وهل كان متوقعًا أن يحدث ما يحدث من الجيل الجديد في إيران !؟ هذا ما يُترجى من الساسة التفكير فيه والوقوف عنده بصورة جادة وحقيقة؛ لئلا تخفق الدولة في امتحان الله لها ..!

-------

المدونة:
elaphblog.com/altalebali

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات