قراءة تحليلية في خلفيات وتداعيات عودة لاجئي تندوف إلى الصحراء
عبـد الفتـاح الفاتحـي
لم يعد أسبوع يمر دون أن يتم فيه الإعلان عن فوج أو أفواج من الملتحقين بالمغرب، فارين من جحيم مخيمات تندوف. وهو ما جعل المتابعين يقفون حائرين في تفسير موسم الهجرة إلى الصحراء غير المسبوق، ففي ظرف أقل من شهرين ووصلت أفواج العائدين الصحراويين من منطقة تندوف إلى المدن الجنوبية للمغرب إلى ما يقارب ألف عائد خلال هذه السنة، فيما لم يتجاوز مجموع العائدين منذ النداء الشهير للملك الراحل الحسن الثاني "إن الوطن غفور رحيم" عام 88، ومن ضمنهم قادة مؤسسون للبوليساريو سوى 8000 شخص فقط.
وبالقدر ما اعتبر الإعلام المغربي وعدد من المسؤولين المغاربة أن حملة العودة يعد بمثابة فرار جماعي من الظلم والعذاب، ومكسب سياسي يقوي فرضية وشك انهيار جبهة البوليساريو. مستندين في ذلك على تصريحات العائدين أنفسهم، حين أكدوا أن عملية الالتحاق بالمغرب هي هروب من المآسي والأوضاع المعيشية المتدهورة في المخيمات، في الوقت الذي ينعم فيه قياديو جبهة "البوليساريو" بالمساعدات التي توجهها المنظمات الدولية لهؤلاء السكان، وعبروا عن سعادتهم بالعودة إلى أرض الوطن.
وبالقدر ذاته أثارت العدد الهائل من العائدين ارتباكات واضحة بالنسبة للسلطات المغربية في الأقاليم الجنوبية من الناحية الأمنية، وسط تكهنات بأن يكون عدد من عملاء البوليساريو مندسين وسط العائدين. تكهنات عززت موضوعيتها خلفيات ارتفاع موجة العائدين إلى الصحراء الغربية دون سابق إنذار.
فيما تواترت عدة أسئلة حول الهاجس الأمني حول العناصر العائدة، وهو ما يفسر تأكيد مسؤولين أمنيين مغاربة أنه ومنذ بداية عودة الصحراويين من مخيمات تندوف والجهاز العسكري والأمني للمغرب يعيش على صفيح ساخن. بعض المراقبين أكدوا من جهتهم أن الأجهزة الأمنية في المغرب تعيش حالة استنفار شديدة، تحسبا لوجود عملاء اندسوا ضمن العائدين، وأكيد أنهم يحملون رسائل تعبئة إلى انفصالي الداخل، وذلك بغية تحريك الشارع الصحراوي على غرار الاحتجاجات التي أشتعلت بعدد من محافظات الصحراء سنة 1999، وهو الحدث الذي وظفته وسائل إعلام البوليساريو والجزائر بأنه انتفاضة جماهيرية للصحراويين من أجل الاستقلال والانعتاق مما أسمته الاحتلال المغربي.
وعليه فإن الاستخبارات الأمنية المغربية وبلا شك تعيش هذه الأيام حالات استنفار شديدة، مما يعيد طرح تساؤلات أمنية على لسان العامة قبل السلطات المعنية، حول إمكانية أن تكون البوليساريو قد بعثت ضمن موجة العائدين مجندين سريين أو عملاء لها لمدها بالأخبار حول الوضع الداخلي بالصحراء. أو ربما تكون قد رتبت عودة الهؤلاء وفق مقاس أجندة سياسية رتبتها بعناية شديدة لتقوية صف المؤيدة لها في الداخل، وبالتالي الرفع من حظوظ إقامة إضرابات واحتجاجات عامة في الصحراء لحلحل الوضع لدى الأندية الدولية.
وعلى العموم يبقى الهاجس الأمني مطروح بحدة، في وقت أكدت فيه تقارير استخباراتية حسب مسؤوليين أمنيين مغاربة، أن ممن العائدين أفراد تلقوا تداريب عسكرية أكثر من مرة بالأراضي الكوبية، وأشرف على تدريبهم كوبيون، وأفاد المصادر ذاتها أن التقارير المجمعة تشير إلى أن تدريباتهم دارت حرب العصابات، وهي الوقائع التي لا يخفيها بعض العائدين، ذلك أن بعضهم يؤكد بالعلن أنهم درسوا في الجزائر وليسبيا وزاروا كوبا أكثر من مرة وتدربوا على حمل السلاح، وعلى كيفية إدارة المعارك داخل المجالات السكنية.
بعض المتتبعين الدوليين اعتبروا أن الجمود في ملف الصحراء يشدد الخناق على جبهة البوليساريو، لأنها لم تعد قادرة على إقناع الأصوات الداعية بضرورة إيجاد حل يقيهم من وضعية الاحتجاج الطويلة، ومن جهة أخرى غذا شبان المخيمات تواقون إلى العيش الكريم، دون الاقتناع بوعود إقامة دولة مستقلة بقوة الواقع، ذلك أن الملف طال أمده. وأن المؤشرات لا تحمل أي حل في الأمد القريب. وهي الظروف التي بإمكانها أن تعصف بالوضع الداخلي لجبهة البوليساريو.
إن هذه التحديات البارزة جعلت بعض المحللين يؤكدون أن هذه العودة لا يستبعد أن يكون جزء منها قد تم بمباركة جبهة البوليساريو، أو على الأقل بعلمها، ما دامت لا تطال قياديين في الجبهة، وتتعزز هذه الفرضية إمكانية سعي البوليساريو إلى تصريف بعض الأصوات المثير للقلاقل داخل مخيمات تندوف، حيث يمكن التخلص منها لأنها قد تشوش على سياستها. كما يرجح أن تكون عودة البعض نتاج العودة القسرية لبعض الشبان إلى مخيمات تندوف، وهو ما جعلهم يعيشون بين إكراه العيش في مخيمات تفتقر لأبسط وشروط العيش، وتلبية أداء الخدمة العسكرية في أفق تجنيدهم، ضمن عصابات في جيش الجمهورية المعلنة من طرف واحد والعودة إلى المغرب طمعا في عيش كريم. حيث كانت الدولة المغربية تتكلف عن كل عائد سواء مع أسرته أو لوحده بطاقة الإنعاش أقلها 1500 درهم شهريا (150 دولار) في انتظار توظيفه، حسب مذكرة وزارية، وتوفير منزل أو سكن مجهز من طرف العمالة، ثم أوذونات التنقل عند كل مرة، وعدد من الامتيازات الأخرى.
وكانت تتطلب هذه العودة الجماعية توفير إدماج اجتماعي فوري للعائدين وأسرهم من خلال منحهم رواتب شهرية ومنازل سكنية، جرياً على عادة المغرب الذي دأب على منح امتيازات اجتماعية لمثل هذه الفئة من الصحراويين.
وقد تكون العودة تكتيكا تصرف عبره البوليساريو جواسيس مدربين، يستفيدون من أعطيات الدولة المغربية، ويقوون بالتنسيق مع انفصالي الداخل، وتواصل عملها الاستخباراتي من داخل الصحراء، وهو الرأي الذي انتصر له بعض المحللين، واستدلوا على ذلك أن حملة العودة إلى الصحراء تتزامن وارتفاع الزيارات التي يقوم بها انفصاليو الداخل لمخيمات تندوف بشكل سلس، في حين تقف السلطات المغرب موقف المتفرج العاجز.
وأمام هذا الوضع تعيش اليوم السلطة الولائية في العيون حالة من الترقب عقب تنظيم بعض العائدين لاعتصام مفتوح أمام ولاية العيون مطالبين بشقق على غرار استفادة العائدين السابقين.
ويرى المحللون لظاهرة العودة إلى المغرب أنها لم تكن في غالب الأحيان إيمانا بمغربية الصحراء، بل كانت للانعتاق من ظروف القهر التي يعيشونها في المخيمات، وهو ما يعكس حرصهم على نيل الامتيازات التي كانت تمنح للعائدين في السابق.
كما يرجح آخرون أنه أسلوب للتخلص من ثقل متطلبات عائدين مزعجين لم يكن بالإمكان إدماجهم في المخيمات وفق الشروط التي يوجد عليها فتم تصريفهم عن طريق إخلاء السبيل لهم للعودة إلى الصحراء، كما ترجح فرضية أن يكون العائدون وأغلبيتهم المتأثرة بالفكر الانفصالي الذي تلقوهم في المؤسسات التعليمية الكوبية محاولة لخلق بلبلة أمنية داخل الصحراء، من منطلق تعزيز صفوف انفصالي الداخل.
وكانت السلطات المغربية قد وقفت عاجزة أمام مطالب العائدين إسوة بما كانت توفرهم للعائدين من قبلهم، وذلك لأنها لم تكن تتوقع حجم الوتيرة المتسارعة لأفواج العائدين، مما حتم عليها تقليص الامتيازات التي كانت تمنح للعائدين من المخيمات في إطار سياسة التشجيع على العودة. وكانت السلطات المغربية بهذا الإجراء مكرهة لأن أعداد العائدين فاقت كل التوقعات، ومن جهة ثانية لأن صحراوي الداخل باتوا يحتجون على أسلوب مفاضلة السلطات التي تقوم بها لصالح العائدين دونهم حيث يرون أنهم أحق بهذه الامتيازات لأنهم هم الذين يدافعون على مغربية الصحراء.
مصادر إعلامية من الصحراء نبهت إلى خطورة سياسة التعاطي مع ما أسمتهم بالوافدين الجدد، بسياسة الأعطيات والأكرميات على حساب ضريبة المواطنة والعمل من أجل وحدة الترابية للوطن. واستنكرت بشدة جريدة الصحراء المغربية نهج سياسة الماضي وكتبت تحت عنوان بارز "الوافدون الجدد عادوا للأخذ دون العطاء"، في إشارة إلى الاعتصام الذي تقوم به مجموعة من العائدين من تندوف للمطالبة بالامتيازات، واعتبرت الجريدة أن الكرم المعتاد الذي كان المغرب يقابل به العائدين هو عمل ارتجالي وغير منصف، مادامت العودة وإعلان المواطنة والوحدة الترابية يقابل بالعطايا والأكرميات. وقالت الجريدة في افتتاحيتها أن قضية الصحراء المغربية في حاجة إلى مواطنة حقيقية، وتساءلت إذا ما كان بمقدور العائدين القيام باعتصامات من أجل الوحدة الترابية في المخيمات، أم أن شجاعة الاعتصام أمام ولاية العيون ومحاولة اقتحامها لا تتأتى لهم إلا داخل المغرب.
وشددت الجريدة على مطالبة السلطات المغربية باعتماد القانون، على اعتبار أن العودة لا توفر المزايدة لأحد للمطالب بالعطايا والامتيازات المنتهجة من قبل المغرب سابقا، ودعت السلطات إلى فرض الانضباط على الجميع، وإما عودة العائدين من حيث أتوا.
في السياق ذاته انتقد شيخ قبيلة آيت لحسن من قبائل الصحراء، جهات حكومية مغربية وقال إنها تميز بين الصحراويين المقيمين في المنطقة الذين لم ينضموا قط للبوليساريو، والعائدين من تندوف الذين كانوا ضمن صفوف البوليساريو ورجعوا للمغرب في إطار عفو ملكي شعاره «أن الوطن غفور رحيم».
واعتبر أن التمييز يتمثل في حصول العائدين على مناصب وامتيازات مالية، في حين يعاني الصحراويون الذين أعلنوا منذ بداية النزاع عن ومغربيتهم من الإهمال، مشيرا إلى أن هذا التمييز هو الذي يدفع بعض الشباب في الصحراء إلى الخروج في مظاهرات وحمل أعلام البوليساريو للحصول على هذه الامتيازات.
وهو ما يجعل السلطات المغربية اليوم بين نارين نار المزايدة التي يقوم بها العائدون، ويضغطون من أجل تحقيقها بتنفيذ اعتصامات وإضرابات عن الطعام، ونار إقناع صحراوي الداخل بأن هذه الأعطيات لا تمثل سوى الحاجيات الأساسية لعيش الوافدين.
محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)