يقول المثل الصيني " العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث، أما العقول الصغيرة فتناقش الأشخاص. ". هذه التراتبية في تصنيف العقول ليست قراءة عنصرية أو طبقية، بل تعبر عن حقيقة واقعية. و أسلوب كل شخص في التحاور و التفكير هو الذي يحدد موقعه في ترتيب العقول.
هذا المثل ينطبق تماما على المشهد العام في هذا المنبر الإعلامي الذي يسمح لنا بالتواصل فيما بيننا. وإذا كان التدوين يفترض في المدون أن يتجه إلى إنتاج خطاب معرفي يعبر عن رؤيته و طريقة تفكيره و يدافع عنها بلغة العقل و المنطق، فإن كثيرا من الممارسات تسقط في المحظور، و تجعل التدوين يخرج عن سياقه الحقيقي ليسقط في متاهة السب و الشتم. ولست هنا بصدد تحليل المثل الصيني، لكن لغة التجريح و الإساءة إلى ذات الآخر تحول مجرى النقاش من تناول الأفكار إلى تناول الأشخاص. وعند إقحام الشخص في المناقشة، يفتح الباب على مصراعيه لكل أنواع الإساءات التي تحول الحوار إلى ساحة حرب كلامية تستعير مفرداتها من قاموس شعراء النقائض. والمعروف أن الشتم ظاهرة عالمية وليست وقفا على بيئة دون أخرى، فهي تتعلق بالجوانب النفسية المتحكمة في شخصية الإنسان، لكنها تتأثر إلى حد بعيد بطبيعة القيم الأخلاقية السائدة في المحيط. وتتفق الدراسات السيكولوجية التي تناولت هذه الظاهرة بالدراسة والتحليل أن اللجوء إلى السب و الشتم يعبر عن حجم القلق الداخلي الذي يعيشه الإنسان، لذلك يلتجئ إلى الهجوم اللفظي من أجل التنفيس عن الغضب و الضغط النفسي الذي يعيشه. وهو تعويض عن الرغبة في ممارسة العنف المادي. لذلك تسمي بعض الأبحاث السوسيولوجية هذه الممارسات ب " العنف الرمزي " كما عرفه " بيير بورديو ". ومن تم فإن الإساءة اللفظية إلى الأشخاص تعبر عن رغبة دفينة في العدوان، وهذا ما ينسجم أيضا مع التحليل الفرويدي في علم النفس، و الذي ينظر إلى الشتم بوصفه تعبيرا لاشعوريا عن حالات الإضطراب النفسي التي يعاني منها الإنسان الذي يميل إلى هذا النوع من السلوك.
وارتباطا بموضوع العقول، يمكن التأكيد على أن الذين يميلون إلى مناقشة الشخص، ويتجاوزون الأفكار التي يعبر عنها ذلك الشخص، إنما يعبرون عن افتقار شديد إلى الحجة و المنطق العقلي السليم. وعندما يجد الإنسان نفسه في موقف ضعف، فإنه يلتجئ إلى أسلوب الإهانات حتى يجر محاوره إلى متاهة الفعل ورد الفعل التي لا مخرج منها طبعا. وهكذا يميل البعض إلى تبني استراتيجية " خير وسيلة للدفاع هي الهجوم "، و هم بذلك يحاولون مداراة القصور المعرفي، فيميلون إلى تسفيه الشخص و قذفه بكل أشكال التهم الجاهزة. لكن المثير في الأمر هو أن الموضوع لا يتعلق بعامة الناس فحسب، بل نعيش هذه الظاهرة حتى على مستوى من يسمون ب " النخبة "، حيث تتحول الكثير من المنتديات والبرامج التلفزيونية الحوارية إلى حلبة لصراع الديكة، و يجد المتتبع نفسه أمام مشهد غريب لا يمت للفكر بأية صلة. وهذا يبرز أن العنف الرمزي هو فعلا ثقافة اجتماعية تتغذى من الواقع الإجتماعي نفسه.
إن غياب آليات الحوار و ثقافة التسامح، و سيادة قيم العصبية والإنغلاق و الأحادية كلها عناصر تجعل رفض الآخر المختلف في فكره مادة للرفض و الإقصاء، وعندما لا يكون لهذا الرفض مسوغات عقلية مقبولة، تصبح الشتائم و الإهانات الشخصية عملة رائجة. محمد مغوتي.22/06/2010.
التعليقات (0)