قيل وكتب الكثير عن الدور التركي في الشرق الأوسط منذ واقعة مؤتمر دافوس في فبراير 2009 بين رئيس تركيا " رجب طيب أردوغان " و الرئيس الإسرائيلي " شيمون بيريز " على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة. وجاءت حادثة الإعتداء على قافلة الحرية لترفع من الأسهم التركية في العالم العربي بشكل غير مسبوق.
و في حمأة الغضب الذي تلا هذه الحادثة، راهن الكثيرون على العثمانيين الجدد و رأوا فيهم الخلاص المنتظر من شوكة في حلق العرب إسمها " إسرائيل ". لكنني كنت دائما أقول أن الذين ينتظرون رد فعل تركي يصل إلى حد استخدام القوة هم متوهمون و يعيشون أحلاما لذيذة لكنها لن تتحقق بأي حال من الأحوال. هؤلاء الذين يريدون من تركيا أن تكون عربية أكثر من العرب لا يدركون لعبة السياسة ولا يفقهون معانيها التي تتأسس على المصالح. ولأن مصلحة تركيا القومية فوق كل اعتبار، فإن الضجة الإعلامية التي قامت بعد القرصنة الإسرائيلية لسفن الأسطول كانت مرحلة للتنفيس مرت بسلام، وعادت الأمور إلى مجاريها من جديد... وقبل يومين أعلنت تركيا عن إغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات الإسرائيلية، وذلك في مسرحية جديدة للإبقاء على الحلم العربي قائما، فالإشارات التركية تلتقط بالتصفيق و الترحيب في الشارع العربي الذي تعود على أداء دور البوصلة، فهو يولي وجهه كل مرة إلى جهة ما منتقلا بين صدام حسين و حسن نصر الله و أحمدي نجاد، و لا بأس أن يتوجه هذه المرة إلى طيب أردوغان...
في العلن تظهر تركيا ماضية في التصعيد و متوجهة إلى مزيد من التحدي دفاعا عن كرامتها المهدورة في عرض البحر الأبيض المتوسط. أما في السر فالأمر مختلف تماما. وفي هذا الصدد كشف مسؤولون إسرائيليون عن لقاء تم بين وزير التجارة الإسرائيلي " بنيامين بن أليعازر " و وزير الخارجية التركي " أحمد داود أوغلو " في بروكسيل من أجل إذابة الجليد الذي تراكم على العلاقات بين البلدين منذ مهاجمة قوات البحرية الإسرائيلية لقافلة الحرية. وقد تكرر الخبر في عدد من وسائل الإعلام التركية والإسرائيلية. ومن وجهة نظر سياسية، لا يوجد ما يثير الإستغراب في مثل هذا اللقاء، فقد قلنا أن السياسة هي لعبة المصالح، ومصلحة تركيا الإستراتيجية تقتضي أن تكون علاقاتها قوية مع إسرائيل خصوصا وأن مشاريعها و طموحاتها الأوربية توجد على كف عفريت. لكن المثير هو طبيعة الرد المنتظر من أولئك الذين يهتفون بعودة الأتراك إلى الواجهة وبدنو أجل إسرائيل. ولابد أن الكثيرين سيكذبون مثل هذا اللقاء، أو سيبحثون على الأقل عن مبررات وهمية تبرئ الأتراك أمام الشارع العربي، و تجعلهم في منأى عن الحرج.
يبدو أن العرب يريدون أن يحاربوا إسرائيل ببنادق الآخرين. إنهم ينتظرون حربا بالوكالة، لذلك احترفوا لغة البيانات النارية و دغدغة المشاعر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. محمد مغوتي.01/07/2010.
التعليقات (0)