موسم هجرة البشير إلى الجيش
مصعب المشرّف
1 مارس 2019م
بعد أن ظن الناس وأصبحوا على قناعة بأن الرئيس البشير قد بدأ في ترتيب الدار وحزم الحقائب ، إستعداداً لمغادرة حزب المؤتمر الوطني ؛ والدخول في مرحلة موسم الهجرة إلى الجيش ؛ فوجئنا على لسان كل من ربيع عبد العاطي، و قطبي المهدي ... بحسب ما نشرته الصحف الورقية في الخرطوم وتلقفته بعض الفضائيات العربية الإخبارية القومية ...... فوجئنا بتأكيدهما عزم الرئيس البشير الشروع في تأسيس حزب جديد قومي التوجهات والأفكار .... وأنه يسمح لكافة من يرغب من المواطنين الإنخراط فيه ؛ بمن فيهم أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحالي......
والمتوقع في هذا الحال منذ الوهلة الأولى ؛ أنه وقبل أن يكمل الرئيس تلاوة بيان تأسيس حزبه الجديد . فأن كل التنابلة القيادات وكوادر حزب المؤتمر الوطني الحالي ، والقطط السمان وكل غث وثمين آخر فيه ؛ وكل ذي ظلف ومخلب وحافر وأسنان ومنقار من موظفي الدولة وذئاب المحليات وثعالب الأحياء ومن لفّ لفّهم ، المتوقع أنهم سيغتسلون ويتطهرون من حزبهم هذا . ويهرولون ويسابقون الريح والأعاصير الأطلنطية عدواً للإنضمام إلى حزب الرئيس والسلطة الجديد ... فقد إعتاد هؤلاء على المآكلة والكسل والتواطل ، والعمل السلطوي الفوقي تحت ظلال الأسقف الباردة. وأن يأتيهم "أرزاقهم" ومبتغاهم وعمولاتهم وأنصبتهم وعجينهم المخبوز والمنقوش جاهزاً إلى حيث يجلسون وينامون ، ويقضون حاجاتهم بلا مجهود ولا إعمال للفكر والعقل وإرهاق نفس........
وستعود أسطوانة "هي لله لا للسلطة ولا للجاه" المشروخة إلى إزعاج الخلق والتسبب في عسر الهضم وإلتهاب القولون ........ وتظل الساقية تدور على الفساد والإفساد والنهب والسلب والتنبلة. وتخريب الذمم. وإدعاء الإسلام من خلال مظاهر خارجية وقشور فول سوداني من طبقتين إحداهما شعار والأخرى دثار ...... وبهؤلاء ستنتقل فيروسات وطفيليات وميكروبات ، وعدوى كافة تشوهات وعولاق وعورات ونفاق وأمراض المؤتمر الوطني الحالي ... ستنتقل كل هذه وأكثر إلى حزب الرئيس الجديد.
ولكن الذي قد لايحسبه البعض الحالم ؛ أن الليلة ليست كالبارحة .... وهذه المـرّة لن يقف هذا الشعب الطيب الصبور كما فعل في سالف العصر والأوان ليتفرج وينتظر نهاية المسرحية ، وكادر ممثليها يروحون ويجيئون بهذه الوجوه والملامح الكالحة المتكلسة المعاد إستنساخها وتدويرها ... بل سيخرج كل من كان متردداً في الخروج .. وسيهتف الأبكم ويبصر الأكمهَ والأعمى ، وينشط الكسيح ويستوي الأعرج ... ولن يفلح في صدهم وتفريقهم قوانين طواريء ومليشيات ملثمين .
وهنا يقفز إلى الذهن تساؤل ملح عن مصير المليشيات (مليشيات الظل) التابعة للمؤتمر الوطني والتي أعلن عنها القيادي علي عثمان طه صراحة دون مواربة ؟ ........ هل سيرضى البشير وحزبه الجديد ببقاء هذه المليشيات المؤدلجة التي تدين بالولاء لجماعة الإخوان المسلمين في المؤتمر الوطني دون تسريح وتفكيك نهائي للقضاء قدر الإمكان على واقع خطورتها الماثلة على إستقرار الحياة المدنية والإقتصاد ؛ وإحتمالات إعادتها تجميعها لنفسها على هيئة محموعات إرهابية متشظية متفلتة (على الطريقة المصربة) تفتك بأمن وسلامة المجتمع ، وترتزق من وراء ترويعه ونهبه ، وفرض الأتاوات عليه لفترة قد تطول أو تقصر؟
ثم أن فكرة تأسيس الرئيس ابشير لحزب جديد قومي أو غير قومي .... هذه الفكرة في حد ذاتها تتناقض ولا تتفق مع ما جاء في خطابه في حديقة القصر الجمهوري مساء الجمعة 22 فبراير 019 . وأعلن فيه (على الملأْ) أنه إختار أن يقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من الجميع ... وبما علم منه القاصي والداني أن البشير بصفته رئيس الجمهورية سينفض يده عن حزب المؤتمر الوطني وعن الأحزاب برمتها .... وأنه بطبيعة الحال لن يكون له حزب.... لأن الوقوف على "مسافة واحدة" من الجميع تقتضي أول ما تقتضي أن لا يكون له حزب وأن لا تكون له طائفة ولا قبيلة ولا جماعة.
وحيث نشير إلى أن هذا الوعد الذي قطعه الرئيس البشير على نفسه قد إستمع إليه العالم العربي والأفريقي أجمع ؛ بعد أن حرصت على نقله وبثه مباشراً العديد من القنوات الفضائية العربية القومية والأفريقية الإقليمية .......... ومن ثم فلا أحد في الداخل والخارج يتوقع أن يتراجع الرئيس عن وعده هذا بهذه السرعة.
ثم ما هو البرنامج والشعارات "الجديدة" المتوقعة المغايرة عن تلك التي كان "يمـدح" بها المؤتمر الوطني نفسه وللناس؟ وما هي الخطوط العريضة لبرنامج هذا الحزب وأهدافه المعلنة؟...... هل ستكون إسلامية سياسية كما هو عليه الحال في المؤتمر الوطني؟ أم ستكون وطنية خالصة لوجه السودان دون إقحام للدين وإستغلال له للكسب السياسي.؟
والطريف في هذا الصدد أن القيادي الإسلامي "قطبي المهدي" قد نقلت عنه بعض الصحف الورقية الصادرة في الخرطوم قوله : " أن الحزب الذي سيؤسسه الرئيس سيكون محـــايدا" ........
هذه أول مرة في حياتي أسمع فيها عن حزب سياسي "مـحــايــد" !! ...
ماذا يعني مصطلح "حزب محـايد"؟ ...... سويســري مثـــلاً؟
إلى اليوم لا تزال هناك أبواب ونوافذ مشرعة وحلول ممكنة آنية ومستقبلية، لو صفت النوايا بعيداً عن الأرزقية وذوي المصالح الشخصية والموسوسين بسوء ....... ولايزال العشم والرجاء أن يجرى الإستماع إلى صوت الحكمة والعقل الذي يُميـّز بين الممكن والمستحيل... ويَميـــِز الخبيث من الطيب.
بعد ثلاثين عاماً من الحكم ... فقد آن الأوان أن يدرك البشير أن إعتماده على حزب مصطنع وقواعد رخـوة ليس من الحكمة في شيء .. ودليل ذلك أن هذه البلاد هي في الواقع تعيش حالة إستقرار متواصل دون توقف منذ عام 1989م سواء قبل إنفصال الجنوب أو بعد إنفصاله .. اللهم إلا إذا إعتبر الإعلام الحكومي وحزب المؤتمر الوطني "جزافا" أن دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ليست أراضي سودانية ...
وطالما أن حالة الطواريء قد فرضت . فلا حاجة بعد اليوم إلى إستمرار البرلمان وما تبقى من هياكل وأشكال سياسية تنظيمية داخلة في بيت طاعة حزب المؤتمر الوطني وتتبع له ....
ومسألة الإبقاء على البرلمان كي يصوت بالموافقة على تعديل فقرات ومواد في الدستور تسمح بإعادة ترشيح البشير لولاية أخرى أو مدى الحياة أصبحت في ظل قانون الطواري مجرد تحصيل حاصل.
بضربة معلم تمكن الرئيس البشير من تحويل حزب المؤتمر الوطني جميعه إلى كبش فداء وصاحب وجه القباحة المطلوب إسقاطه ، بعد أن كان طوال الفترة الماضية هو وحده الذي عليه العين والكبش المتوقع والمطلوب إسقاطه.
وبذلك إستطاع البشير تهدئة بعض الخواطر وأن يكسب بعض النقاط "مؤقتاً" حتى الآن بإقالة الولاة السابقين ، وتعيين ضباط من أبناء القوات النظامية مكانهم ..... وهي بداية أتوقع أن تعقبها قرارات حاسمة بإبعاد حزب المؤتمر الوطني تماماً عن هرم ومفاصل السلطة على يد هؤلاء الولاة الجدد . وحتى لو كان هؤلاء الولاة النظاميين قد أتوا على خلفيات إسلامية سياسية كما يقال في وسائل التواصل عن سيرتهم الذاتية . فإن من المؤكد أن شــرف هذا "الكــاكــي" الذي يرتدونه بشاراته وإملاءاته الوطنية الخالصة لتراب هذا الوطن هو الذي سيملي عليهم إنحيازهم ، ويحدد مسارهم ... ويعمل على توجيههم الوجهة الأسلم بدعم من الجيش والشرطة ، التي لا يزال يراهن عليها الغالبية العظمى من الشعب (عند المحن) بوصفها قوات نظامية منضبطة تعمل في الأصل والمبتدأ والخبر لمصلحة الوطن والمواطن . وليس مصلحة حزب المؤتمر الوطني.... وأنها بذلك إن طال الزمن أو قصر ستعود إلى حظيرة شعبها .. والعرجاء كما يقولون إلى مراحها.
لذلك فإن من الأفضل أن يمضي الرئيس البشير بوتيرة أسرع لتكريس تفاصيل ما يتوقعه الشعب من صيرورة غير صفرية ؛ عل وعسى تهدأ الأحوال ويعود الناس للإلتفات والإنغماس فى أعمالهم وتحصيل أرزاقهم على أرضهم.
وأما حزب المؤتمر الوطني ... ومن واقع ثبوت أنه وبتكويناته الإسلاموية السياسية ومليشياتة الملثمة والظلية الراجلة منها والتاتشرية ... ثبوت أنه هو الذي يقف حجر عثرة في وجه طل مقترحات وخطط ومطالب بإصلاحات سياسية وإقتصادية . ويستمد قوته وسطوته من كونه حزب الرئيس البشير ..... فإنه قد آن الأوان كي يتركة الرئيس ويطلقه يأكل من خشاش الأرض ويسعى إلى تحصيل عضويته ورزقه ومؤيديه بنفسه وعرق جبينه. ويحظر عليه بموجب القانون إستخدام موارد وممتلكات ولوجستيات الدولة أو تكوين مليشيات أو دعمها ورعايتها .... وهي فرصة لجميع أماناته وأقطابه وقياداته التي ستبقى فيه كي تمحص عضويتها وتعرف كوعها من بوعها ...... فإما أن يستوي هذا الحزب على سوقه أو يصبح هشيما تذروه الرياح.
التعليقات (0)