مواقف حصلت بالأمس يتكرر مشهدها اليوم
في بداية منتصف القرن الماضي أصبح العراق مسرحا لترويج الفكر الشيوعي, حتى اخذ بالاتساع بشكل ملحوظ والتحق الكثير من الشباب العراقي في تنظيمات هذا الحزب وعلى نحو الاعتقاد بافكاره, والكل يعرف ماهي الفكرة الاساسية لهذا المد الفكري القائمة عل اساس انكار وجود الله سبحانه وتعالى, فأصبح لزاما على الزعامات الدينية ان تقف بوجه هذا المد الملحد وتثبت بطلانه للناس, وتنقذ من هم في نطاق مسؤوليتها الشرعية من الضلال والانحراف العقائدي الذي اصابهم في تلك الفترة, فصدرت المواقف تجاه هذا الفكر, ولعل ابرز تلك المواقف هو موقف السيد محسن الحكيم رحمه الله, ومن بعده موقف السيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف.
فكان موقف السيد محسن الحكيم هو إصدار فتوى مضمونها (الشيوعية كفر وإلحاد)!! مباشرة التجأ السيد الحكيم الى التكفير بدون ان يثبت بطلان هذا الفكر او يناقشه نقاشا علميا يدحض به الافكار والنظريات التي طرحت في الساحة, وكأن من كان شيوعيا في تلك الفترة اعتقد بمصطلح الكفر والالحاد؟! فهل يعقل عاقل بهذا الامر ؟ وهل هو هذا العلاج الحقيقي لهذه المسألة الخطيرة, وهل هو هذا النقاش العلمي لذلك المد الفكري الذي يتكلم بالعلم والنظريات والاطروحات, فلم تؤثر هذه الفتوى ولم تقدح بأصل الفكر الشيوعي, فمن ينكر وجود الله سبحانه وتعالى ينكر كل ما يترتب على ذلك الفعل من امور ينكر العقاب وينكر الثواب, فأصبح الفكر حرا لعدم وجود الرد العلمي عليه في تلك الفترة.
اما موقف السيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف تجاه الفكر الشيوعي كان هو اصدار سلسلة من البحوث التي ناقشت أراء الشيوعية وابطلت تلك الاراء والافكار والنظريات ومن أبرز تلك البحوث كتابي فلسفتنا واقتصادنا, الامر الذي ادى لوقف هذا المد الاحمر من الاتساع وتقويضه شيئا فشيئا, دون ان يلجأ السيد الشهيد الصدر المقدس الى التكفير وانما رد على الفكر بالفكر وعلى النظرية بالنظرية وعلى العلم بالعلم, وهذا هو ديدين اهل البيت سلام الله عليهم وهذا هو النهج القويم.
هذا ما حصل سابقا مع المد الشيوعي من قبل المتصدين لقيادة الامة الاسلامية, أما ما يحصل الان فهو تكرار للمشهد لكن اختلفت الشخصيات والافكار, فالان المد الوهابي اخذ بالاتساع خصوصا بعد ان فتحت الفضائيات ووسائل الاعلام على مصراعيها للترويج لهذا الفكر القائم على التكفير والبغض لاهل البيت سلام الله عليهم واتباعهم الامامية الاثني عشرية, فكان الموقف تجاه هذا المد على مستويات من قبل الزعامات الدينية الشيعية, ومنها:
-مرجعيات اتخذت جانب الصمت والسكوت وغض الطرف عن كل ما يصدر من اتباع الفكر الوهابي من قدح بحق أهل البيت سلام الله عليهم ولم تنطق ببنت شفه, وهذا يعطي عند المقابل – عقلا – ارجحية لما يقول به الوهابية اتباع ابن تيمية.
-مرجعية السب الفاحش التي اتخذت من المنهج الاموي القائم على السب والطعن الفاحش بعرض وزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته, ووقد نأت عن استخدام لغة الحوار والنقاش العلمي الاخلاقي الشرعي, وكان مذهب أهل البيت قائم على اساس السب, مما اعطى المسوغ الشرعي لاتباع ابن تيمية في تكفير الشيعة الامامية الاثني عشرية من جهة, ومن جهة أخرى اعطت مصداقية لكل ما موجود من تحريف وتدليس وتزييف في كتب ابن تيمية من تهم السقت بالشيعة الامامية الاثني عشرية, فقد اتهم اهل البيت واتباعهم بانهم سبابون ولعانون وطعانون بعرض النبي وصحابته, ومرجعية السب الفاحش تطعن وتسب وتشرعن هذا المنهج!! فماذا يتبادر الى ذهن المقابل؟ الا تثبت لديه مصداقية ما موجود في كتب ابن تيمية وغيره ممن سار على نهجه؟ وهذه المرجعيات منتحلة التشيع مما لاشك فيه انها هي صاحبة اليد الطولى في الاقتتال الطائفي الحاصل الان.
-مرجعية السيد الصرخي الحسني التي اتخذت الجانب العلمي الاخلاقي الشرعي الذي امتاز بالوسطية والاعتدال والحيادية في مناقشة هذا الفكر المتطرف, وبشكل قائم على المناقشة بالدليل والبرهان والقاء الحجة بعيدا عن التكفير والسب والطعن, فقد ناقش سماحة السيد الصرخي الحسني اراء ابن تيمية ومازال مستمرا في نقاش اراءه, بصورة تكشف الحقائق وتزيل الغموض وتبعد الدس والتحريف وترفع ذلك الوهم بان اهل البيت واتباعهم سبابين وطعانين, وهذا هو ديدن الاسلام القويم الحقيقي البعيد عن التكفير والسب الفاحش والطعن, وهو يمثل الدعوة الحقيقية للتماسك والالتفاف حول النقاش العلمي الاخلاقي واحياءا للعقول وتقويما للسلوك الاسلامي لدى الفرد المسلم.
فما حدث بالامس في مجابهة الفكر الشيوعي يحدث اليوم في الرد على الفكر الوهابي لكن الاختلاف في الافكار والاشخاص, ويبقى الحكم عند القارىء الكريم هو من يقرر اي الطرق افضل, التكفير والسب والطعن هو الحل الامثل للرد على الاراء والنظريات, أم النقاش العلمي الاخلاقي والرد على العلم بالعلم وعلى النظرية بالنظرية وعلى الفكر بالفكر؟
المحاضرة 20 / السيد الحسني يناقش بموضوعية ووسطية كتابات ابن تيمية مفتي الجمهورية الأموية ...
https://www.youtube.com/watch?v=oQl6niW47Qs
الكاتب :: احمد الملا
التعليقات (0)