مواضيع اليوم

مواقـف العقيد القدافي بشأن النـزاع حول الصحراء .. مـزاج أم قناعـة

شريف هزاع

2011-02-23 11:40:39

0


عبـد الفتـاح الفاتحـي

قال الزعيم الليبي معمر القذافي في أخر تصريح له بشأن النزاع في الصحراء المغربية إن استفتاء تقرير المصير بالنسبة لقضية الصحراء هو الحل، بل وطالب بإجبار الأطراف على اللجوء إليه.

وأضاف أن الصحراويين "إذا أرادوا أن يكونوا جزء من المغرب في استفتاء عام تحت إشراف الأمم المتحدة فلهم ذلك، أما إذا قال الصحراويون لا ورغبوا في أن يكونوا مستقلين فلا يمكن إجبارهم على غير ذلك".

وتأكد موقف القذافي بعدما أعاد التصريح ذاته لقناة "فرانس 24"وبعدما نفخت صحافة الجزائر ودعاية البوليساريو في التصريح. وأكدت أن الموقف الأخير لمعمر القذافي من النزاع في الصحراء تبلور خلال لقاء جمعه أخيرا بوفد جزائري ضم أحزاب التحالف الرئاسي "حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم".

ويناقض هذا الموقف لما سبق وأعلن عنه للوفد مغربي الذي زاره بطرابلس قبل أسابيع قليلة، حين دعا البوليساريو إلى الاندماج في المغرب وتأسيس حزب سياسي.

وقد تزامن الموقف الجديد للقذافي مع تأجيل السلطات الليبية لعقد الاجتماع التأسيسي للاتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني التي كان من المرتقب انعقاده بأيام قليلة، لأسباب قالت عنها اللجنة الليبية المنظمة أنها ترتبط بالمشاكل اللوجستيكية، ولضعف مشاركة الجمعيات من عدة دول.

ومعلوم أن العقيد القذافي قال قبل أسابيع قليلة بطرابلس لوفد مغربي، يضم ممثلين للأحزاب السياسية، وبرلمانيين، وفعاليات نسائية، ومنظمات شبابية، وشخصيات إعلامية، ورجال أعمال، قد عبر عن أسفه للوضعية التي تمر بها العلاقات المغربية - الجزائرية. وقال إن المغرب سبق أن دعم جبهة التحرير الجزائرية أثناء كفاحها من أجل الاستقلال، وأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نفسه كان يعيش في المغرب ومنه انطلق. وأضاف القدافي أن على الجزائر أن لا تنسى هذا الأمر. ودعا إلى فتح الحدود بين البلدين باعتبار ذلك مطلبا شعبيا، وحاجة استراتيجية للبلدين.

وبشأن نزاع الصحراء، دعا القذافي إلى إنهاء المشكلة «التي استمرت طويلا وكانت سببا في عرقلة تقدم المنطقة، على حد قوله. بل إلى حد مطالبة جبهة البوليساريو بالعودة إلى المغرب، على تتحول إلى حزب سياسي مغربي إلى جانب الأحزاب السياسية الأخرى في إطار دولة واحدة موحدة.

وأضاف بأنه حاول مرارا إقناع قيادة البوليساريو بالعودة إلى المغرب، والاندماج كليا في الشعب المغربي، وأكثر من ذلك، أن يشكلوا حزبا سياسيا، حتى وإن كان ثوريا. وقال: "لقد رفعنا يدنا عن البوليساريو بعدما اقتنعنا برأي الراحل الحسن الثاني، لكننا استأذناه في الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية، أما الدعم العسكري فقد أوقفناه نهائيا".

وفي سياق وجهة نظر المغاربيين لخيار الاستفتاء في الصحراء، قال العقيد القذافي إنه تحدث مرة إلى الملك الراحل الحسن الثاني حول نزاع الصحراء حين كانت مسألة الاستفتاء مطروحة كخيار، وقال له إذا عبر الصحراويون بأنهم ليسوا مغاربة فما عليهم إلا أن يرحلوا سواء إلى موريتانيا أو إلى الجزائر أو إلى أي اتجاه آخر، على اعتبار أن المغرب لا يقبل أن يوجد فوق أراضيه من لا يعترفون بمغربيتهم.

وكان هذا اللقاء قد تم بعد مصالحة دبلوماسية بين المغرب وليبيا، بعد الأزمة التي أثارها معمر القذافي بدعوته للأمين العام لجبهة البوليساريو محمد عبد العزيز، لحضور احتفالات ليبيا بالذكرى الأربعين لوصول القذافي إلى الحكم، واضطر وقتها الوفد المغربي الذي كان يترأسه الوزير الأول المغربي عباس الفاسي إلى الانسحاب من الاحتفالات، وانسحاب وحدة عسكرية مغربية كان مقررا أن تشارك في هذه المناسبة.

ويعتبر عدد من الفعاليات السياسية في أولى ردود الفعل على موقف العقيد معمر القدافي من قضية النزاع في الصحراء، أن ذلك يعد "حالة مزاجية" أكثر منها موقفا رسميا، بإمكانه تغيير قناعة المنتظم الدولي باستحالة تطبيق الاستفتاء في الصحراء، أو تقرير المصير ب"معناه الانفصالي"، وإلا فإن مواقف القذافي ستتناقض تماما وفكرة دفاعه المستميت عن الاتحاد في إفريقيا والدعوة إليه، حيث صرح للجنوبيين في السودان خلال زيارته الأخيرة بأن "تقرير المصير مؤامرة ضد الاتحاد الإفريقي، ويستهدف تفتيت إفريقيا".

كما سبق له أن نصح القادة الجنوبيين بالمحافظة على وحدة السودان، دون التفكير في إقامة دولة وصفها بالقزمية والفقيرة، تعتمد على معونات الغير ومساعدات المخابرات الأميركية، وذلك في سياق المبادرة الليبية المصرية لإحلال السلام في السودان.

وهذا ما يجعل عدد من المسؤولين المغاربة يشككون في جدية موقف القذافي الأخير من قضية النزاع في الصحراء. لأن معمر القذافي الذي يستعد لتحقيق حلم الولايات المتحدة الإفريقية، ظل يدعو تأسيس "اتحاد إفريقي".

ولذلك يستبعد عدد من المراقبين الدوليين انتصار القذافي للنزعة الانفصالية التي تحكم جبهة البوليساريو من أجل "إقامة دويلة قزمية في إفريقيا". واستدلوا على ذلك بأن الذي يدعو إلى وحدة فلسطينية إسرائيلية في دولة تحمل اسم "اسراطين" نسبة إلى فلسطين واسرائيل لا يمكن بالتأكيد أن يدافع عن الانفصال في الصحراء.

وهوا ما يجعل الحكومات الدولية كما الحكومة المغربية محتارة في تكوين موقف سياسي من التصريحات الأخيرة لمعمر القذافي بشأن النزاع في الصحراء، ذلك أن موقفه ذلك جاء على غير العادة منافيا لفلسفة الزعيم الليبي الوحدوية، وخاصة أن الجميع يسجل الهدوء في العلاقات المغربية الليبية، فيما اعتبر آخرون أن ذلك الهدوء يخفي صراعا خفيا على المستوى الاستخبارتي، حيث أفادت تقارير استخباراتية مغربية، أن ليبيا تحاول اختراق المغرب عبر نشاطاتها الدبلوماسية والمدنية المكثفة للمؤسسات والجمعيات المغربية غير الحكومية، وهو ما قرأت فيه الرباط بأنه سعي غير مفهوم لتوجيه الجمعيات والأحزاب السياسية وراء خطابات الزعيم معمر القذافي خاصة، وخاصة التعبئة من أجل تطبيق ما ورد في خطابه أمام الجمعية العام للأمم المتحدة، ودعا فيه إلى تمزيق الميثاق الأساسي للأمم المتحدة وتعويضه بآخر وصفه بالأكثر عدلا.

ورجح عدد من المتتبعين أهمية هذا المعطي في الصراع الحفي بين البلدين، حينما يبرز المقصد الليبي واضحا في تأسيس اتحاد عالمي لمنظمات المجتمع المدني، جاء في وثائقه "وإيمانا منا بأهمية دور مؤسسات المجتمع المدني بكافة تصنيفاتها وتسمياتها باعتبارها تشكل القاعدة العريضة وتمثل صوت الشعوب المؤثر في العلاقات الدولية وهي القوة الحية والقادرة على تدعيم الجهود الإنسانية المشتركة وتقديم المقترحات الناجعة التي من شانها تأكيد العلاقات الإنسانية الدولية... وانسجاما مع دعوات الأخ قائد الثورة معمر القذافي الإنسانية والتاريخية والعالمية ومدى انحيازه الكامل للشعوب والإيمان بقدسيتها وحقها المشروع في الحياة وهي ماضية معه فكرا ومضمونا ومطلبا جماهيريا".

ويرى عدد من المراقبين أن مقصدية تأطير المجتمع المدني بكثافة تثير مزيد من الشكوك، حيث برز فيما وصف بـ "الكرم الليبي الحاتمي الكثير"، حيث تأكد أن مسؤولين ليبيين عرضوا على مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية تمويل مشاريعهم مقابل ننشر دراسات حول فكر القذافي.

ويتأكد أيضا تزايد ارتباط المصالح الدبلوماسية وجمعيات المجتمع المدني المغربي، بدعوة الهيئات المغربية المدنية للمشاركة في تأسيس الاتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني بليبيا على نفقة الدولة الليبية، حيث كان القذافي هو المرشح لرئاسته، ويريد منه أن يكون تأسيسه بمثابة محكمة مدنية ومجلس أمن عالمي مدني، للدفاع عن رؤية معمر القذافي في عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

وهو ما يجعل المصالح المغربية حسب المراقبين تنظر بعين الريبة إلى الغاية الليبية من الاهتمام بالمجتمع المدني المغربي، خاصة أن فقرة من الإعلان عن تأسيس الاتحاد العالمي للمنظمات غير الحكومية، قرأته الرباط بأنه طموح زائد، حيث يقول الإعلان التأسيسي: "إننا نعلن من المملكة المغربية تأسيس الاتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني من خلال انخراط عدد من الجمعيات والمؤسسات والهيئات والمنظمات الحقوقية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والبيئية المتواجدة بالساحة المغربية..."

وتوضح الاهتمام الكبير الليبي بالمجتمع المدني المغربي غير الحكومي والأحزاب السياسية حين نظمت نشاطا كبيرا بالرباط دعت إلى الجمعيات ومختلف الأحزاب السياسية المغربية، وألقوا كلمات كلها إشادة بمواقف الزعيم معمر القذافي، الذي علقت صورة جد كبير له أمام أكبر فندق في الرباط. وتم خلال هذا الاجتماع إطلاق حملة توقيع دولية لتأييد خطاب العقيد معمر القذافي الذي ألقاء أمام الجمعية العامة لأمم المتحدة بنيويرك، والذي دعا فيه إلى تمزيق الميثاق الأساسي للأمم المتحدة وتعويضه بأخر أكثر عدالة على حد وصف معمر القذافي.

ومعلوم أن مصالح السفارة الليبية حاولت مرة أخرى عقد اجتماع اللجنة التحضيرية في ابريل 2010 لتأسيس ما أسمته بالاتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني بالرباط، إلا أن السلطات المغربية سارعت إلى منع هذا التجمع الذي كان سيعلن فيه عن تأسيس الاتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني بليبيا. على الرغم من أن الدبلوماسية الليبية قد أقنعت المغاربة بأن الاتحاد المنتظر تأسيسه من بين أهدافه تأييد الطرح المغربي الرسمي في دعم وحدة المغرب الترابية وكذا تأييد مشروع الحكم الذاتي، من قناعة أن أساسيات هذا التجمع هو تجاوز الخلافات العربية ولم الشمل العربي.

منع اعتبره متتبعون أنه يؤكد تخوف السلطات المغربية من تغلغل الدبلوماسية الليبية بشكل كبير في المجتمع المدني المغربي، حين وضعت من أهداف هذه الاجتماع الإيمان والدفاع عن أفكار القذافي وممارسة الضغط لتطبيق ما جاء في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

هو ما جعل اللجنة التحضيرية الليبية ترد بالتعبير عن أسفها العميق لمنع الاجتماع الذي وصفته بـ"الهام"، لكنها أصرت على دعوة جميع الهيئات المغربية للمشاركة في تأسيس الاتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني، لحضور الجمع العام التأسيسي بالجماهيرية الليبية، حيث تتحمل ليبيا تكاليف المشاركين من نقل وإقامة، وذلك شهر يوليوز الحالي، قبل يتم تأجيله بالتزامن مع الموقف الجديد للزعيم معمر القذافي من النزاع في الصحراء.

وأكد عدد من المهتمين، أن السلطات المغربية باتت تنظر إلى تحرك السفارة الليبية بعين الريبة، وتعتبر أن المشروع الليبي عبر تأطير عالمي للمنظمات المدنية غير الحكومية فيه نوع من الاختراق غير المفهوم، وتسأل آخرون عن النوايا الحقيقي لهذا الاهتمام بالمجتمع المدني بإنشاء اتحاد عالمي للمنظمات الأهلية، بينما تشكوى الجمعيات الليبية من تقييد العمل الأهلي وانحصاره في أُطُر ضيقة، وخضوعه للقرار الأمني.

محلل سياسي مهتم بالنزاع حول الصحراء

elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات