أن يكون للمواطن مرجعية دينية أمر طبيعي. و ينطبق هذا على الأغلبية العظمى من شعبنا الطيب. هذه المرجعية الدينية هي التي توفر لكل منا الحافز لكي يفعل الخير حتى لو لم تكن له منفعة مادية مباشرة و الرادع عن فعل الشر حتى لو أمكنه الإفلات من العقاب الدنيوي المترتب عليه.
تقدم هذه المرجعية للمواطن (كودا سلوكيا) متفقا عليه بينه وبين باقي أفراد المجتمع يجعل التعامل بينهم ممكنا و يحمي حقوق الضعفاء في المجتمع في الأحوال التي تعجز فيها الدولة عن توفير تلك الحماية إما نتيجة لضعف الدولة و قلة إمكانياتها أو نتيجة لأن مجال التعامل يقع خارج إطار عمل قوانين و مؤسسات الدولة.
كما تمثل المرجعية الدينية للمواطنين بيئة ثقافية تجمع بينهم و تعطي للمجتمع ككل هوية ثقافية تميزه عن غيره من المجتمعات.
يظل المواطن حرا في اختيار مرجعيته الدينية و في الغالب سوف يختار المرجعية التي تتوافق مع هوية المجتمع الذي يعيش فيه. ولكن إن إختار المواطن مرجعية مختلفة فإن المجتمع قد يحاول أن يفرض هويته على المواطن فيسلب حريته في إختيار مرجعيته و يمنعه من أن يعلن عن تلك المرجعية دون أن يفقد حقوقه كمواطن في الدولة التي يعيش فيها ثمنا لهذا الإعلان.
من المفيد أن نلاحظ أن اختلاف المرجعية الدينية لا يعني بالضرورة اختلاف الدين بل قد يكون اختلافا في المذهب او الفهم داخل نفس الدين.
عندما يختل ميزان القوى بين المجتمع و المواطن : هنا تتدخل الدولة لضبط هذا الميزان فتحفظ للمواطن حقوقه و أهمها حقه في إختيار مرجعيته الدينية و كذلك تحمي المجتمع من النتائج المحتملة لشطط بعض مواطنيه إن أرادوا ان يعلنوا عن اختلافهم مع مجتمعهم بطرق مستفزة تهدد إستقراره و سلامه الإجتماعي.
فقط الدولة المدنية , التي يكون الدستور - الحامي لحقوق المواطن - هو مرجعيتها , هي التي تستطيع أن تضبط العلاقة بين المواطن والمجتمع. لأنه لو أن هذه الدولة لها مرجعية دينية تكون هي نفس هوية المجتمع فإن النتيجة الحتمية هي الإختلال الشديد في ميزان القوى بين المواطن والمجتمع لصالح المجتمع و سوف يكون المواطن المختلف مقهورا و محروما من حرية الإختيار تلك الحرية التي أرادها له خالقه سبحانه و تعالى. و هذه الحرية في الإختيار هي التي تتيح للمواطن ان يمارس دينه بإخلاص متجرد لا يخالطه نفاق للمجتمع بإظهار توافقه مع المجتمع القاهر الذي يعيش فيه على حساب علاقته مع ربه.
نعم إن للمواطن مرجعيته الدينية التي يختارها بحريته و للمجتمع هويته الثقافية المميزة التي تشكلها المرجعية الدينية لأغلبية أفراده مع تأثير للمرجعيات الدينية لأقلياته.
أما الدولة (القوانين والمؤسسات) فهي غير المواطن و غير المجتمع و يلزمها أن تكون دولة مدنية مرجعيتها الدستور الذي يتوافق عليه المواطنون أغلبية و أقليات و يحمي حقوقهم جميعا بعد أن يساوي بينها دون النظر إلى مرجعية كل منهم الدينية.
الدولة تكون فقط مدنية دستورية دون مرجعية دينية كالتي للافراد والمجتمع.
التعليقات (0)