إندثرَت ذكريات الصِّبا..وتناثرت خصلات الشباب..وتلاشت أشعة الأمل من الأفق هاهناك..وحتى العينين خانتاني،وأصبحتا تريان بإزدواجية وبأعمدة مِن قصدير الحضارة.اللعبة واضحة ، لكن زمام المبادرة تتحكم به عقول آلية..
ذبُلت أزهار الياسمين التي كُنتُ فيما مضى أسقيها بماء العنبر...آسف يا أزهاري فحتى دموعي جفَّت منابعها..وجفّ الريق الذي كان يحرك عجلة لساني..مرّت أعواماً طويلة ولم تُمطر سُحُبُ دمائي ، ولم تعُد تصُبُّ في أودية أوعيتي وشراييني..
لم أتصوّر يوما أن لايترُك لي قحط العُمر حتى على رطوبة جِلدتي فأصبحَت يابسة لاتستهوي أحداً..حتى رفيقة دربي دفَعَت آخِرَ ورقةٍ رابحة لديها حين كانت تتزين للحفلات التنكرية..إنها اليوم مثلي لاتقوى على طردِ صغار الغبار العابثين بالأثاث الذي كان غالياً وفاخِراً في يومٍ من الأيام..
السجائِرُ تتزاحَمُ داخِلَ غرفتها المُعلّبة وتتحداني أن أمسِكَ بواحدةٍ منها ، وألتهم دُخانها بشراهةٍ كما في السابِق..!!..وأصبحَتْ تفلِتُ من بين أصابعي النحيلة فأطاردُها ببطئٍ ، وهي تستلقي على قفاها ضاحكة بسخرية من ضعفي بعد قوةٍ كانت...أما الجرائد فتلك حكاية أخرى..فهي تأخذ تبتسمُ حين تراني قادما نحو الكُشك..وتتمنى كلّ واحدة منها أن أكون زبوناً من نصيبها..لأنها تعتبر ذلك جائزة عمرها..إذ أنها لا تتألم من التقليب المستمر ، أو الحرق كما عند الآخرين...
لذا أعتبر نفسي ـ مع كل نقائصي ـ إنسانياً فاضلاً..وعنصُراً مُتآكِلاً تماما كأسناني التي تخُوضُ عند كلّ وجبةٍ ، معركة ضارية مع كلّ لُقمةٍ تقتحم حِصني فكّيّ الهرِم..والعاجز عن صدِّ أي هُجوم.!
الراية البيضاء أرفعها دفاعا عن مبادئي من النهب..ودفاعا عن الحيز الصغير المتبقي لي بين جُيوشِ أيادٍ تطالُ كل ما يقع تحت أيديها...وحمدا لله أنها لاتدري عن أوسمتي الصدأة شيئا..وإلا ما تركتنا رغم تآكُلنا.
التعليقات (0)