مواطنون أحرار من اجل بلد حر
- البشير عبد
تسير و وتيرة الأحداث في تونس هذه الأيام ،بشكل متسارع و لافت ،مما جعل الناشطين في الساحة السياسية وعموم المواطنين في حالة لا وصف لها من الشك و الريبة و الذهول الخوف من المجهول،فالمسالة الأمنية تتراوح بين الاستقرار و الانفلات ،و الساحة السياسية غارقة في فوضى من التجاذبات و التحالفات و المناورات و خلط الأوراق،الأمر الذي اثر بشكل كبير على مدى قابلية أطياف الشعب لمسار الانتقال الديمقراطي و بناء الدولة المدنية المقامة على أساس المواطنة و المساواة و الكرامة و العدالة الاجتماعية و علوية القانون.هذا هو المشهد العم للحراك السياسي التونسي الراهن المشوب بكثير من الاحتقان و التجاذبات الحزبية و النرجسية السياسية لدى قادة بعض الأحزاب و كأنها تمتلك الحقيقة،و الحال ا العمل السياسي هو نتيجة حتمية و ثمرة طبيعية لعلاقة متشابكة أساسها قانون التأثر و التأثير بين الواقع و الفكر.طبعي إذا أن تكون أي مقاربة سياسية لهذا الحزب أو ذاك محل جدل و نقاش و حوار بين الفرقاء السياسيين و كل النشطاء في مجالات حقوق الإنسان والإعلام و معظم فعاليات المجتمع المدني.
النرجسية السياسية أو النفق الجديد:
ما أكدته الأحداث هو نزوع اغلب قيادات الأحزاب منزع ادعاء الحقيقة و امتلاك "البديل" الوحيد للخروج من الأزمة و البدا في عملية البناء الديمقراطي و تشييد دولة القانون و الحداثة و التقدم و العدالة و المساواة،رغم أن طبيعة الأوضاع و راهنية الأحداث تفرض على جميع الفرقاء إتباع سبل الحوار الهادئ المتشكل أساسا من الواقعية و العقلانية و استبعاد المصلحة الحزبية الضيقة قبل المصلحة الوطنية التي لا بد من إعطائها مشروعية تاريخية و أفقا مستقبليا ليعبد المسار الشائك و يقنن آليات الحوار الوطني الشامل حول أهم القضايا العالقة .إما أن يتبع هذا الطرف السياسي أو ذاك مهما كان حجمه الشعبي أو ماضيه النضالي،طريق المناورة الدائمة و إحداث شرخ كبير في الحراك السياسي بافتعال معارك وهمية و هامشية خارجة أجندا القضايا الرئيسية التي ينتظر الشعب بجميع أطيافه و فئاته و أجياله إعطاء برامج و بدال مقنعة لها . هذه إذا هي المعضلة الكبرى في المشهد السياسي التونسي الراهن ،مما يجعلنا نعتقد أن عاقلان يشكان في هذا التحليل،ذلك أن أنظمة الاستبداد و الحكم الفردي الشمولي لا تقوم له قائمة و لا يترعرع و ينمو إذا كانت الأرضية غير صالحة .لا ندعي هنا إننا أتينا بالجديد إذا قلنا أن تفشي أمراض النرجسية و الادعاء المتواصل لدى قيادات في الطبقة السياسية بامتلاك الحقائق الأزلية و البدائل و البرامج هو حجر الزاوية و موضع الداء في مشهد الحراك السياسي التونسي. و إذا كان لابد من حل سريع و هادئ و عقلاني للخروج من هذا النفق المظلم فهي و بالضرورة دعوة كل مكونات المشهد السياسي و الحقوقي و الإعلامي لحوار وطني شامل لا يستثني أحدا و لا يقصي أي كان إلا من كان مساهما في إرساء دعائم النظام البائد و الترويج و التسويق لخطابه السياسي البائس . أما القوى الديمقراطية و الثورية المؤمنة فعلا بقيم و أهداف الثورة ،فهي مدعوة لتعبيد مسار الحوار و فرض منطق الإنصات الجيد لجميع المقاربات و التحاليل و استبعاد الراى الواحد و الفكر الأوحد. هكذا يتعود نشطا و قادة الحراك السياسي على قبول الرؤى المخالف و التصورات المغايرة.إن تفكيك منظومة الاستبداد ،تبدأ من هنا،ثم تستكمل الحلقات في قادم الأيام، و أولي آليات التفكيك،تتمثل في تقنين حق الاختلاف و استبعاد أفكار الإقصاء و التهميش و التغييب المقصود لهذا الطرف أو ذاك .إن تجسيدنا لهذا الدرب و جعله صالحا لسير يعطي ثقة كبرى لكل أطياف الشعب لممارسة حقوقه المدنية و السياسية و الوصول بتونس إلى بر الأمان لانتاب المجلس الوطني التأسيسي في موعده النفق علية(23 أكتوبر)و هكذا تبدأ الربات في السير و تطمئن القلوب و العقول،و ترتاح قليلا الأجساد المتعبة المشحونة بأجواء القلق و الشك في مشروعية المسار الديمقراطي و بناء دولة يعلو فيها القانون و تعود فيها السيادة للشعب و الكرامة للمواطن و تحترم فيها المعاهدات و المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
لا وصاية على الشعب:
ما من شك إن تقنين حق الاختلاف يجعل المشهد السياسي اقل احتقانا و تترسخ فيه شيئا فشيئا عقلية الإنصات للأخر و التفكير الجيد في تعميق المتفق عليه بين الفر قاء أو ما يسمى(المشترك السياسي)و تأجيل القضايا العالقة خارج التوافق الوطني .إذا تحقق هذا المعطي في قادم الأيام فهذا يعني إن قطار التغيير الحقيقي في تونس وضع على السكة و اخذ اتجاهه الصحيح،قاطعا الطريق أمام المهرولين للالتفاف على الثورة من بقايا النظام البائد وبعض الفئات الأخرى التي استغلت الحراك السياسي،و دخلت الساحة من اجل تحقيق مآرب شخصية يعرفها القاصي و الداني (من بنزرت إلى تطاوين).لا يمكن الحديث عن المسار الانتقالي الديمقراطي الحديث دون تقنين آليات حق الاختلاف و استبعاد الاحتقان و المناورات السياسية المشبوهة خارج القضايا الوطنية الحقيقية التي تمس الشعب في كيانه و آماله و تطلعاته في الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.هكذا يحدث الفرز في الساحة السياسية ،فتبرز للعيان و أمام المرايا كل الحقائق و يعرف المواطن العربي التونسي من هو الديمقراطي الثوري صاحب البرنامج الوطني التقدمي الوفي لتضحيات الأجيال المتعاقبة و دماء الشهداء طيلة نصف قرن و نيف ،ومن هو الملتف على الثورة من اجل مصالح شخصية .إن الدرس الكبير الذي قدمته ثورة 14 جانفي هو أن لا وصاية على الشعب من طرف أي كان، بل الشعب هو السيد و القائد و الملهم .إن مهمة القوى الديمقراطية والثورية هو القطع نهائيا مع منطق امتلاك "الحقيقة النضالية الواحدة"بل عليها التوحد في جبهة أو قطب كبير وواسع يحقق مشروعيته التاريخية و افقه المستقبلي على الميدان بروح وفاقية عالية، ووضع أجندا وطنية بعيدة المدى تمس كل القضايا ة الإشكاليات و المطالب و الأهداف التي ناضل من اجلها شعب الخضراء الجريح.وليس بالعسير على قوى و حركات و شخصيات سياسية و حقوقية و إعلامية و اكادمية ،قاومت نظام بن علي بلا هوادة، مقدمة التضحيات المذهلة أن تواصل المشوار لاستكمال أهداف الثورة و بناء دولة ديمقراطية مدنية قوامها الحرية و الكرامة و الدالة الاجتماعية لكل الفئات و الأجيال و الجهات .من هنا تبدأ المعركة الحقيقية مع أعداء ومناهضي الثورة و الملتفين عليها، لكشفهم و فضحهم و حرق أوراقهم أمام الجميع...أمام الشعب الذي عادت السيادة إليه .لا مجال بعد اليوم للخوف و الاستكانة و الخضوع لاجنداة حزبية ضيقة مرتبطة بمصالح استعمارية و امبريالية.إن مسؤولية تاريخية جسيمة تنتظر القوى الديمقراطية الثورية في تونس لاستكمال مسار الانتقال الديمقراطي استكمالا كاملا يضع النقاط على الحروف و يستثمر الطاقات و الكفاءات و يستخلص الدروس من إخفاقات الماضي و لا يقصي من المعركة سوى المندسين و الملتفين و قوى الردة عموما.
التعليقات (0)