كم هو شاق ذلك الطريق المؤدي إلى قلب الرجل العربي على من لا يملكون الدرهم و على اللواتي لا يجدن الطبخ. فكما يقال أن الطريق إلى قلب الرجل معدته. لذلك فليس من الغريب أن تصادف حلزونا ،أو طاجينا وخبزا وأكلا كثيرا في قلب الرجل وأن تجهد نفسك في البحث عن مشاعر أو عواطف رقيقة أو حبا دافئا للوطن فلا تجد شيئا من ذلك، فتعود مضطرا لمعدته لتؤدي الفاتورة. فالعلاقة بين قلبه ومعدته علاقة وطيدة. فقبل وصولك إلى تعاطفه أو محاولة إيقاظ ضميره، لا بد أن تدفع رشوة تنشط المعدة وترقصها فتصيب سعادته بالتخمة لتهدأ أعصابه القومية ومن ثم يستعيد القلب خفقانه وتستيقظ وطنيته من سباتها العميق. وحديث المعدة والقلب ليس وليد الساعة عند العرب بل له جذور ضاربة في القدم. فهذا أبا الحارث دعا "جمّيز" امرأة كان يحبها، فجعلت تحادثه ولا تذكر الطعام، فلما طال ذلك به قال:
- جعلني الله فداك، لا أسمع للغداء ذكرا.
- أما تستحي؟ أما في وجهي ما يشغلك عن ذا؟
قال: جعلني الله فداك، لو أن جميلا وبثينة قعدا ساعة لا يأكلان شيئا لبزق كل واحد منهما في وجه الآخر وافترقا.
وعلى ذكر البصاق، فهو عادة يمارسها العرب كثيرا في الحوارات والنقاشات الساخنة التي يحضرونها وهم يضعون أوراقهم الكثيرة – التي تحتوي على قاموس كبير من الشتم من أجل الاستعمال عندما يأخذ النقاش بعدا عربيا للغاية- فوق موائد خالية من لقمة خبز واحدة اللهم كأس ماء يستنجد به ضيف البرنامج من فينة لأخرى ليواصل كلامه أو بالأحرى صراخه. وخير مثال على ذلك البرنامج الشهير الاتجاه المعاكس الذي لم يتكرم فيه فيصل القاسم ولو لمرة واحدة بكأس شاي أو قهوة أو حتى حلوى صغيرة على ضيوفه العرب اللهم إن كان يفعل ذلك قبل الظهور على الهواء مباشرة. لأنه يدرك جيدا مدى خطورة ذلك على نجاح برنامجه. ولعل الجميع يلاحظ أن البصاق والصراخ يختفي في الملتقيات والندوات والمهرجانات التي يحضر فيها ما لذ وطاب من الحلويات والأكلات اللذيذة والمكلفة. ما يجعل من السياسي المتطرف معتدلا ومن المعتدل منحنيا لفخامته ومن المنحي ساجدا لربه الأعلى. وتحضر الابتسامات صوب الكامرات، ويكثر تبادل التحايا وتعلو القهقهات العربية المزعجة لآذان الجوعى. ولعل سؤال: من يتحمل مسؤولية الوضع الذي نعيشه؟ هل الأنظمة أم الشعوب؟ أرق الكثير من المناضلين حتى بات البعض منهم يكيل كل السب والتهم للشعوب فيما يشير آخرون بأيديهم نحو الأنظمة العربية موجدين مبررات لرضوح الشعوب من قبيل الاستبداد المبيد بالرشاش والتعذيب لكل رأي مخالف. وفي الحقيقة فإنني أجدني أحمل المسؤولية لكلا الطرفين. فكلاهما واحد ولا مجال لمغازلة طرف على حساب طرف آخر. وإلا فهل هناك فرق بين معدة الحاكم العربي ومعدة المواطن العربي؟ والله إنها ذاتها المعدة العربية. بارعة في هضم الحقوق وإفراز إنزيمات الترهيب لينتهي بها المطاف إلى الأمعاء الغليظة وتخرج على شكل مواطنة غريبة الأطوار. إن المعضلة إذن في هذه المعدة العربية التي منحت منذ ميلادها شرف رئاسة القلب. لذلك فالحل هو استئصال هذه المعدة ومحاولة استيراد معدات للموتى من قوميات مختلفة كاليابان مثلا لزرعها عوض هذه المعدات الشرهة. لعل هذا القلب المسكين يتخلص من عبودية المعدة ويتمكن من أداء وظائفه المنوطة به. وأظن بذلك قد أجبت من يسألونك عن الفتور الذي تعرفه عواطف الشعوب التي لم تعد تتفاعل مع قضاياها المصيرية. وليكون الجواب كاملا أسوق لكم هذه الطريفة. "ذكر أن أبا القماقم من بحر السقاء، عشق جارية مدينية ، فبعث إليها أن إخوانا لي زاروني، فابعثي إلي بأطعمة حتى نأكلها ونصطبح على ذكرك. ففعلت.فلما كان اليوم التالي ، بعث إليها أن القوم مقيمون عندي، فابعثي إلي بقلية جزور رية، وبقرية قدية حتى نتغداها ونصطبح على ذكرك. فلما كان اليوم الثالث بعث إليها: إنا لم نفترق فابعثي لي بسنبوسك حتى نصطبح اليوم على ذكرك.
فقالت لرسوله: إني رأيت الحب يحل في القلب ويفيض إلى الكبد والأحشاء، إن حب صاحبنا هذا لا يتجاوز المعدة".
إن حب أصحابنا المواطنين هؤلاء وحكامهم لأوطانهم حب لا يتجاوز المعدة يا جماعة.
www.hespress.com/trigil
.
التعليقات (0)