شيركو شاهين
sher_argh@yahoo.com
كثيرة هي المهن التي نحتك باصحابها بصورة قد تكون مباشرة او قد تكون من خلال نتائج اصحابها، وحتى بالرغم من كونها مهن شريفة ومرموقة ولايمكن دونها ان تسير حياتنا المدنية بيسر، ولكن للاسف لازال يعاني اصحابها من الاستصغار ونظرات منها الخوف والقلق وخالية من اي تقدير لجهودهم المبذولة.
اصحاب هذه المهن ماهو احساسهم امام مثل هذه الردود..؟ وكيف يتعاملون مع نظرات الخائفين والمتشأمين من اعمالهم؟
الدكتور (كمال زهير-27عاما) اختصاص الطب الشرعي اول من التقيناه ليعبر لنا عن همومه حول هذا الخصوص فقال: قد يجهل الغالبية ان الطب الشرعي من الاختصاصات والمهن ذات الصعوبة العالية وتتركز الصعوبة فيها في حساسية العمل بذاته، فنحن نتعامل مع الحوادث على اشكال وانواع عدة منها القتل والاعتداء او يدور حول الكشف على الجثث التي تصلنا في حالات كثيرة وهي على مستوى عالي من التشوه فمنها ماهو متأكل او ما هو متفسخ وبروائح نفاذة وفي احيان اخرى قد تكون اجزءها منفصلة وتجعل اي شخص ينفر منها، لذلك فان الكثير من خريجي كلية الطب يرفضون التقدم لهذه المهنة مهما كانت الاغراءات المادية برغم انه اكثرهم مدربون على مثل هذه الحالات.
اما عن سؤالكم حول ردود افعال المواطنين ونظراتهم الى مهنتي فانا اتخطاها دائما حين اتناقش مع اصحابها وأسالهم سؤالا بسيطا، وهو ان لم اكن انا وفلان وفلانة نمتهن مثل هذه المهنة فمن اذا سيقوم بها.
اما اكبر عقبة صادفتني فهي موضوع التقدم الى الزواج حيث وجدت صعوبة في ايجاد ابنة الحلال التي تفهم طبيعة عملي واهدافه الانسانية، والحمد لله فقد وجد اخيرا فتاة واعية وعلى قدر كبير من التفهم لدوافعي.
اما الجنس اللطيف في هذا المجال فله رأيه الخاص، وعلى لسان (د.مي الحسني-30عاما) التي تزاول مهنة الطب الشرعي، وعنه تقول: تقدمت الى هذا العمل برغبة شخصية بحتة وقد غيرت لاجله اختصاصي الذي تخرجت منه، ولي اليوم اكثر من خمس سنوات من اعلم فيه صحيح ان عملنا زاد الضغط عليه في السنوات الاخيرة بسب حالات العنف التي تبعت سقوط النظام الا انني مازلت مصرة على قراري ولم اتراجع عنه.
وحين سألتها عن سبب اندفاعها وحبها العالي الى مهنتها رغم المنغصات العديدة التي تلمسها كل يوم؟
اجابت: لقد احببت مجال الطب الشرعي لعدة اسباب على رأسها ان كمية القلق والتوتر بالنسبة لفروع الطب الاخرى تكون اقل فانا حين اقوم بتشريح الجثة يكون قلقي الوحيد على كيفية الحصول على حق المتوفي وان كانت وفاته طبيعية ام لا؟ او كان هناك على احد الاشخاص فأسعى الى انقاذه من وان كان بريء اي بمعنى اصح اني لا اتألم او اتأثر على حالة المتوفي بقدر ما اسعى الى اظهار حقوقه واسباب وفاته.
اما عن فكرة سؤال ورأي المجتمع فانا لا انكر ان هناك عموما توجس حين يتم تقديمي بصفة عملي الى المجتمع واقرأ في عيونهم ان عملي مخيف، وانا عموما لا الوم احد وذلك بسبب عدم وعي بعض الناس بطبيعة مهنتي واضع دائما امام عيني هدفا واحدا هو اعادة الحقوق الى اصحابها.
وليس بعيدا عن مجال التشريح والمشرحة والذي يكفي ذكرهما لغلق جو من النفور والعدائية ممن يعمل فيه، هناك التقينا باحدى عاملين المشرحة وهو السيد (عبدالله امير-43عاما) قائلا: اعمل في هذا العمل منذ اكثر من 18 عاما في دائرة الطب الشرعي ورغم ذلك فانا متزوج وعندي اربعة ابناء وحياتي اليوم عبارة عن اجهزة التشريح والمشرط وغيرها الكثير فهذه المواد تبحث من المؤكد الاحساس بالكأبة والتشاؤم ومهنتي هي مساعدة الطبيب الشرعي في تشريح الجثث.
اما عن علاقتي بجيراني واصدقائي فللأسف الشديد ينظر معظم الناس لهذه المهنة بنظرة مخيفة لان طبيعة عملي تستلتزم العمل مع الجثث مما جعل البعض يتجن حتى السلام علي..!!
الحق اني اشعر فعلا بالاضطهاد في الكثير من الاحيان من الذين ينفرون مني بسبب طبيعة عملي واضطر في كثير من الاحيان الى اخفاء طبيعة عملي عن الاخرين، وكأنني اعمل مهنة محرمة فمجتمعنا كما يعلم الجميع لايتقبلها بسهولة واعتقد ان سبب خوف الناس منها يعود الى لسببين رئيسين الاول يعود الى طبيعة المهنة القاسية التي تبدأ من استلام الجثة حتى الانتهاء من التشريح والثاني عدم وجود الدافع المادي المغري وارجو من خلال هذا الحوار ان يتفهم الناس ان هذه المهنة لها مضمون اخر هو ثوابه عند الله اكثر من اي مقابل اخر.
اما السيد (امين السيد-48عاما) عمل سابقا مبلغ قضائي في محكمة المنصور فيقول: طبيعة عملي هي تنفيذ الاحكام القضائية وليس كما يضمن البعض اصدارها، وتختلف تلك الاحكام فمنها الطلاق او الحجز او الاخلاء لذا فمن الاكيد ان الكثيرين ينظرون الي نظرة مكروهة ليس على نطاق الغرباء فقط بل وحتى من الاقارب فانا في نظر الكثيرين نذير شؤوم للمشكلات والمتاعب القضائية، تلاحقني دائما كلمة (يهجم بيتك) وان من كل قلبي اغفر لهم واسامحهم فعملنا يحتاج الى قلب كبير وسعة صبر.
اذا تعرفين الناس بطبيعة عملك؟
احاول ان اشرح لهم في البداية اني بعيد كل البعد عن اصدار القرارات فيها وواجبي يدور حول تنفيذ احكام قضائية وهي مهنة مثل اي باقي المهن لها متاعبها التي لاتنتهي وان اعمل من (8) صباحا فاستلم القرارت وكتب المحكمة وابدأ بعد العاشرة بتوزيعها.
ولكن اراكم اليوم تمارسون عملا كتابيا صرفا بعيدا عن عملكم الاصلي؟
نعم، فتردي الحالة الامنية زاد من مخاف علينا ولم نعد نتحمل التهديدات التي تطلق علينا بداعي ومن غير داعي لذلك طلبت تحويلي الى الاعمال المكتبية في قسم الارشيف.
اما السيد (قاسم حمود-33عاما) وهم عامل في مضخة متنقلة لصيانة المجاري، فيقول: نعاني من نوعية التعامل الناس معنا، فهم لايقدرون جهودنا والمخاطر الامنية واكثر مايؤلمنا هو اشعارنا الدائم من قبل المقابل اننا مؤبون او مصابون بـ(الجرب) او اننا مصدر من مصدار العدوى فعندما يرانا الناس ترتسم على وجهوهم ملامح الضيق وينفرون من الاقتراب منا ويسدون انوفهم، كما وان هناك مضايقات كثيرة اخرى تدفعنا مجموعها الى اخفاء مهنتنا او ذكرها على استيحاء مع انه عمل مهم وضروري لكي تقترب بها حياة الناس الى المدنية.
وانا اعمل بهذه المهنة منذ عدة سنوات اني اتبعت كلام الناس لكنت تركت العمل، ان كل مايهمني هنا ان اودي عملي باخلاص شديد وان نفسيا مرتاح طالما لا امد يدي لاحد.
اما الشاب (ربيع عبد الحسين-21عاما) ويعمل منظفا (كناس) في مدينة الصدر منذ اكثر من عامين فيقول: علمت بهذه المهنة بعد ان تراجع الطلب على مهنة (العمالة) وبعد ان ضاق بي الرزق في تلك المهنة عرفت من احد جيراني بوجود راتب ثابت في هذه المهنة فتقدمت اليها وتم تعيين فيها.
ما اكثر منغصات عملك في هذه المهنة؟
اذا تجاوزنا مسالة العمل الشاق لهذه المهنة تأتي نظرة الناس وتجريحهم ومشاعرهم المليئة بالنفور لتزيد من ضغوط هذا العمل يرفض البعض احيانا مصافحتي ام يعاملونا بمعاملة اقل مايقال عنها انها خالية من اي لقاء لا لشيء سوى اني (كناس) غاضين النضر عن جهودي انا وزملائي وبالرغم من اني احرص دوما على نظافتي الشخصية واتمنى ان يعرف الجميع ان مهنتي مهمة وضرورية ولاتقل عن اي مهنة اخرى طالما فيها جهدا مثمرا.
وانا عموما لا اخجل من من مهنتي، خاصة وهم يوفرون لنا زيا خاصا وكافة التسهيلات العملية، وابقى اخيرا انا اناشد السادة المسؤولين ان يراجعوا تقيمهم لرواتبنا فنحن معرضين اكثر من غيرنا للاصابة بالامراض وخاصة المزمنة منها كما تعلمون فنحن نعمل في الصيف تحت لهيب الشمس وفي برودة الشتاء.
اما في مقبرة ابو غريب فقد التقينا بالحاج (ابو عمران) وعمل دفان في هذه المقبرة منذ اكثر من(25عاما):- اعتقد ان لله اليد الطولى في اختياري مثل هذا العمل فانا قد ورثتها تقريبا عن والدي وعمي الذي كانا يعملان في ذات المهنة وان عموما لا اخجل منها تماما ولكن ما يضايقني فعلا هي حالة السخرية التي تحاصر اولادي في مدارسهم من قبل اساتذتهم على وجه الخصوص والطلبة على العموم وذلك حالما يعلمون بمهنة والدهم فضلا عن بعض من اتعرف عليهم انال ردود فعل جافة قد تصل احيانا الى الكراهية والعرب لمجرد ذكرهم عنوان مهنتي (دفان) فالبعض يسخرون منها ويطلقون عليها النكات بدون مراعاة لمشاعر من يعملون في هذه المهنة .
ماذا عن المتاعب الاخرى لمهنتكم؟
هذه المهنة كغيرها من المهن الاخرى تحمل ما تحمله من المتاعب والهموم واذا كان ما ذكرناه يندرج في قائمة الهموم المعنوية فان الهموم المادية اكبر من ذي قبل فانت تدركون مقدار ارتفاع ضحايا القتل والاغتيالات والتي هي في تزايد مستمر ولم تمر علي مثلها منذ بداية عملي في هذه المهنة لافي حرب ايران ولاحرب الخليج.
فضلا عن انخفاض العوائد النقدية ففي كثير من الاحيان لانستوفي اي مبلغ مادية ونوجه عملنا في سبيل الله وذلك لان اكثر العوائل التي يضمها ضحايها يكونون متضرريين اصلا في الكثير من الاحيان بما يكرمون علينا مهما كان ضئيلا.
خلاصة القول:
نشر بتاريخ ((14/04/2007))
التعليقات (0)