مواضيع اليوم

مهلاً.. لا تتدخل في أمور الدين

سلمان عبدالأعلى

2012-01-02 13:33:50

0

مهلاً.. لا تتدخل في أمور الدين

بقلم: سلمان عبدالأعلى

لا تتدخل في أمور الدين فهذا ليس من اختصاصك، ومن أنت ومن تكون حتى تكون لك وجهة نظر في الدين أو في رجال الدين (فالبعض لا يفرق بينهما)، فالقضايا والمسائل الدينية لها رجالها المختصون ولا يصح أبداً تجاوزهم والتدخل في اختصاصهم، وهل يقبل الأطباء وغيرهم من المختصون التدخل في شؤون تخصصهم؟ !! فإذا كان هذا في حالة علم الطب والعلوم الأخرى فكيف إذاً بالدين ؟ !!

بمثل هذه العبارات والتساؤلات يواجه الكثير ممن ينقدون بعض القضايا والمسائل المرتبطة بالدين وبرجال الدين، فالكثير يرفض هذا النقد ويحاول سد فم المتكلم بشتى الطرق تحت ذريعة أنه جاء من غير المختص، والغريب أنه حتى وإن صدر مثله من بعض المختصين فإنه أيضاً لن يسكت عنه، وإنما سوف يهاجم وسيتم وسم صاحبه ببعض الألقاب المنفرة التي تناسبه وتليق بمقامه -كما يعتقدون طبعاً- كالضال والمضل أو المنحرف أو المشكك / المنكر أو عدو الدين أو عدو الزهراء ... وغيرها.

وللأسف أننا نرى بعضهم يردد هذه العبارات كالببغاء حيث يرددها ويكثر من استعمالها دون أن يكون له نصيب من فهمها أو فهم حقيقي لسبب نزولها، وإلا فبدلاً من الاتهام بالضلال والانحراف أو التشكيك أو الإنكار أو التدخل في غير الاختصاص يفترض أن تقارع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان كما يُقال، لا بالتشكيك والاتهام وسوء الظن وعبارات من هذا القبيل.

لقد كان الكلام في الماضي حول مقولة: ((لا تتدخل فيما لا يعنيك))، والآن تغيرت هذه العبارة وقل استعمالها بشكل ملحوظ (من قبل البعض) حيث استبدلت بعبارة: ((لا تتدخل في غير اختصاصك))، والظاهر أن الكل يدرك بأن الدين والقضايا الدينية يعني ويهم الكل، ولذلك تغيرت العبارة من النهي عن التدخل فيما لا يعني إلى النهي عن التدخل في غير الاختصاص.

وإننا بعدما تأملنا في هذه المقولة: ((لا تتدخل في غير تخصصك)) وجدناها مقولة غير دقيقة، والعبارة القديمة بصورة إجمالية تبقى أدق وأفضل، فالمهم هو قيمة الكلام وصوابه وليس إذا كان صادراً من شخص مختص أو لا، ونحن نلاحظ تداخل العلوم مع بعضها البعض في عصرنا هذا، لدرجة يمكن فيها أن يقدم شخصاً إسهامات هامة وكبيرة في غير تخصصه الأصلي، بحيث يتم الاستفادة منه في ذلك التخصص ولا يستنكر عليه.

ولهذا نرى إسهامات الكثير من المهندسين والاقتصاديين وعلماء النفس والاجتماع وغيرهم في العلوم الإدارية، بل إن فريدريك تايلور الذي يعد من المؤسسين لعلم الإدارة، والذي يُقدم على أنه أول من طرح ما يعرف باسم ((الإدارة العلمية)) هو مهندس، وكذلك الأمر بالنسبة للمهندس الفرنسي هنري فايول وإن كان أقل شهرة من الأول.

ما أردت قوله: إننا في هذا العصر نشهد تداخل في العلوم والاختصاصات ومن الصعب فصل بعض العلوم عن بعضها البعض كلياً، ففي علم كـعلم الاجتماع مثلاً نرى ما يسمى بعلم الاجتماع الديني، فمن غير المنطقي رفضه كلياً، بحجة أنه يتدخل في القضايا الدينية، وكيف يُرفض وقد أصبح أحد فروع التخصصات العلمية ؟ !!

وإذا كان كلام هؤلاء صحيحاً –أي بعض رجال الدين- في أن التدخل في التخصصات الأخرى مذموماً على إطلاقه، فلماذا نلاحظهم في العادة من أكثر الناس تدخلاً في العلوم الأخرى، مع أنهم من أكثر الناس رفضاً ورهبةً من تدخل الناس الآخرين في الأمور الدينية .

وأتذكر حوار دار بيني وبين أحد الأصدقاء من الأطباء إذ كان حول علم النفس والعلاج النفسي، إذ قلت له: لم أرى أو أسمع عن مريض بدأ بمرض نفسي وتم شفاءه منه تماماً، بل إن الذي نراه هو تدهور حالته الصحية مع الزمن إلى أن ينتهي الأمر به إلى الجنون، فما الفائدة من العلاج النفسي؟ وماذا يقدم ؟ ولماذا يحرص الأطباء على هذا النوع من العلاج ؟

فأجابني بكلمات أضحكتني إذ قال: المشكلة ليست في الأطباء، وإنما في عاداتنا وثقافتنا الاجتماعية، فنرى الكثير من المرضى النفسانيين المحتاجين لمراجعة الأطباء النفسيين، يذهبون بهم إلى الشيخ ليقرأ عليهم أو ليضربهم أو ... وذلك لأن في داخلهم جني أو لأنهم مصابون بالسحر أو العين أو ما شبابه كما يعتقدون، فالناس إلى الآن لم تتعامل مع المريض النفسي بصفته مريض كغيره من المرضى لكي يوجه التوجيه الصحيح، وهذا بدوره يسهم في تدهور حالته الصحية وازديادها سوءاً..

ولهذا لو افترضنا جدلاً بأن كلام رجال الدين هؤلاء صحيحاً على إطلاقه، وهو أنه لا يصح التدخل في غير التخصص، فلماذا يتدخلون هم إذاً؟ فكم رأيناهم يناقشون ويتكلمون عن نظريات فرويد النفسية ((هو القائل: أطلقوا العنان للغرائز الجنسية)) ويواجهونها بالنقد والهجوم، مع أن الرجل عالم ويعتبر المؤسس لما يسمى في علم النفس بمدرسة التحليل النفسي؟ أليست آراءه ضمن نطاق اختصاصه؟ ولماذا نراهم يتدخلون في غير اختصاصهم هنا مع أنهم ينهون عن مثل ذلك في الأمور الدينية؟


ونفس الأمر عن داروين صاحب نظرية التطور (تطور الإنسان من قرد) فلماذا نجد النقد والهجوم على داروين ونظريته مع أنه عالم في علم الحيوان، وهذا من ضمن اختصاصه أو قريب منه، وليس من اختصاصهم هم، ونفس الأمر ينطبق كذلك على كارول ماركس ونظرياته الاقتصادية والاجتماعية.

ما أردت قوله ليس رفض تدخلهم وإنما الرد عليهم بالمثل فقط، وإلا فالمهم هو مضمون وقيمة الأفكار المقدمة وليس التخصص، ومن هنا لا حظنا كيف كان لأفكار الشهيد الصدر صداها الواسع وبالخصوص في كتابيه فلسفتنا واقتصادنا، مع أنه عالم من علماء الدين وليس رجلاً محسوباً على أهل الاقتصاد، ولكن هذا لم يقلل من قيمة أفكاره بشيء، ولهذا رأينا كيف أن العالم لم يرفضها وإنما واجهها بالدراسة والتحليل.

إذاً ليس بالضرورة أن يأتي التدخل في اختصاصات الغير بآراء غير صحيحة، كما أنه أيضاً ليس بالضرورة أن يأتي صاحب التخصص بآراء صحيحة في تخصصه، بل إن الكثيرين من أصحاب التخصصات وقعوا في أخطاء داخل نطاق تخصصاتهم، طبعاً هذا الكلام لا ينفي بأنهم عادةً ما يكونون الأقرب للصحة، ولكن لا يمكننا الجزم بذلك دائماً.

ولمن يرفض هذا الكلام من رجال الدين ويصر على قوله بضرورة الأخذ من أهل الاختصاص على وجه العموم نقول: هل تقبلون بآراء الدكتور علي الوردي والدكتور علي شريعتي الاجتماعية؟ !! فالرجلان هما من المتخصصون في علم الاجتماع، فلماذا تستنكرون على بعض أفكارهم إذاً ؟ !! أم أن العلوم الدينية ورجال الدين مستثنون من ذلك؟ !

ولهذا نرى أن العلوم الدينية ينطبق عليها نفس الأمر، فهي ليست مستثناة منه، مع أن غالبية النقد الذي يوجه لرجال الدين ليس من صميم التخصص في الدين، وإنما أكثره يُعني بنقدهم على تقصيرهم عن أداء واجباتهم ومسؤولياتهم الدينية، (على سلوكياتهم وتصرفاتهم وطريقة تفكيرهم)، فهل هذا أيضاً يعد تدخلاً مذموماً في التخصص ؟ !

لو انتقد أحدهم طبياً من الأطباء على تقصيره عن أداء مسؤوليته وواجباته الطبية في خدمة المرضى، فهل يعد هذا تدخلاً في النظريات والأبحاث الطبية؟ بالطبع بأن هناك فرقا كبيراً بين كلا الأمرين، مع أنني أتحفظ على كون بعض رجال الدين من المختصون في جميع العلوم الدينية أو في بعضها، لأننا نرى أن الكثير من المؤمنين من غير رجال الدين يمتلكون معلومات وثقافة واسعة في بعض النواحي الدينية أكثر بكثير من بعض رجال الدين.

لذا أرى من الأفضل أن نرجع ونركز على المقولة الأولى وهي: ((لا تتدخل فيما لا يعنيك)) لأنها الأفضل، وهذا لا يمنعنا عن الكلام في أمور الدين، لأنها بالتأكيد أمور تهمنا وتعنينا.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !