لم تشأ النيابة العامة بالناطور أن تعمل بالمثل القائل: " كم حاجة قضيناها بتركها "، فسارعت إلى تفعيل مسطرة المتابعة في حق قاصرين جمعتهما قبلة فيسبوكية، وتم إلقاء القبض عليهما بالجرم المشهود قبل أن يتم الإفراج عنهما لاحقا لتتم متابعتهما في حالة سراح. وجاء هذا القرار بعدما اختارت جمعية (حقوقية) تدعى " المنظمة المتحدة لحقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب " أن تحرك دعوى قضائية ضد الطفلين... وقد أصبحت الواقعة بعد ذلك قضية رأي عام، لكن تفاصيل تداعياتها الأخيرة تستحق التأمل وتستدعي الفهم حقا.
شباب مغاربة من الجنسين خرجوا مساء يوم السبت 12 شتنبر أمام البرلمان في وقفة تضامنية مع الطفلين. وفي حركة غير مسبوقة تبادل بعض الشبان القبل في خطوة رمزية تحمل دلالة خاصة، وتبعث بإشارات كثيرة إلى من يهمه الأمر وإلى كل أولئك الذين اختاروا أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الأمن " الأخلاقي " للمغاربة. وبغض النظر عن الجدل الذي رافق " وقفة القبل "، فإن تبعات " قبلة الفيسبوك" تؤكد أن الشارع المغربي يعرف حراكا متناميا وإن بدا أنه محتشم وغير منظم، وأن كثيرا من الطابوهات أصبحت مقتحمة وغير محصنة. والذين يوظفون الشعور الديني للتهجم على الشبان المتضامنين مع الطفلين، بدعوى أن هذا السلوك مستفز لمشاعر المغاربة ومهدد للنسيج القيمي للمجتمع، ينسون أو يتناسون أن مآسي هذا الشعب أكبر من أن يتم اختزالها في مجرد قبلة، فالمتابعة القضائية لطفلين بسبب اختلاسهما ل"بوسة" افتراضية، تعني أن كل ما هو جميل وبريء وإنساني في هذا البلد معرض للمراقبة والحصار والمصادرة. أما لصوص ومختلسي المال العام ومغتصبي الأطفال وكل الذين أجرموا في حق هذا البلد فلا أحد يتابعهم، ربما لأن قرينة المجاهرة بالفاحشة غير مثبتة في جرائم هؤلاء.
إن السبب في المآلات التي اتجهت إليها قضية القبلة المذكورة يرتبط بالمتابعة القضائية التي لم يكن لها داع أصلا. بل كان من المفترض أن تتم ملاحقة الطرف الذي حرك هذا الملف، لأن الإطلاع على الحساب الشخصي ل"الفيسبوك" والتشهير بمحتواه هو جريمة في حد ذاته. وما كان لتلك القبلة أن تلقى كل هذا الإهتمام والقيل والقال لولا تحريك الدعوى القضائية. لذلك ينبغي على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن، لأن حماية الأمن القيمي للمجتمع ليس من شأن أي أحد، ولا يحق لأي كان أن يصادر "الحريات" ويمنعها تحت أي مسمى من المسميات. ثم إن سلوك الوصاية والمنع لم يعد مجديا، فقد كنا بصدد قبلة واحدة، وأصبحنا الآن بصدد مهرجان للقبل. فهل سيلاحق القضاء كل العاشقين والمتضامنين الذين لم يبقوا قبلاتهم في الخفاء واختاروا عرضها للفرجة في الشارع العام؟. وما التهمة التي سيتابعون بها؟ أهي تهمة التحريض على الحب؟.
لقد كانت ردود الفعل التي أفرزتها واقعة قبلة الناظور متضاربة ومتناقضة. وهذا طبيعي بالنظر إلى الحساسية المفرطة الناتجة عن مثل هذا السلوك في مجتمع منقسم على نفسه ومازال يعيش انفصاما حادا بين القول والفعل. لكن هذا النقاش يثبت أن السلطات مطالبة بالحسم في اختيار نموذج مغربي ينسجم مع مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان بدلالتها الكونية التي لا تحققها ولا تكفلها إلا تقاليد الدولة المدنية، والتي أصبحت الشرط الأول للحفاظ على الحريات والإحتكام للقانون. فقد حان الوقت للتخلي عن لعبة القفز على وتري الأصالة والحداثة، آن الأوان لتجاوز فصام وهوة القول ( المنسجم مع أحدث تجليات الحضارة الإنسانية) والفعل ( الذي مازال يستدعي أدوات التخويف والترهيب والضبط ).
محمد مغوتي. 15 – 10 – 2013.
التعليقات (4)
1 - هل ترضاه لاختك هل ترضاه لابنتك
مغربي حر - 2013-10-15 19:28:02
بعيداً عن مسطرة الأديان هل هذا مقبول من باب الأخلاق الانسانية ؟!
2 - رد على تعليق مغربي حر
محمد مغوتي - 2013-10-19 13:07:55
أعتذر عن هذا التأخر في الرد. الأمر لا يتعلق بموقف شخصي. نحن هنا بصدد مناقشة موضوع الحريات. وأنت اخترت لنفسك لقب: مغربي حر. الحرية قيمة إنسانية وهي لا تتعارض مع القيم الأخلاقية الأخرى. مع تحياتي.
3 - الشواذ
شاويش - 2013-10-19 21:32:20
قد يكون هؤلاء بدورهم بحاجة الى قضيب...
4 - رد على تعليق شاويش
محمد مغوتي - 2013-10-20 13:11:15
لا أقبل في مدونتي التعليقات المسيئة. لذلك حذفت بعض الكلمات من تعليقك. أرجو الإلتزام بآداب الحوار. مع تحياتي.