يبدو أن موقف الدولة من حركة 20 فبراير قد بدأ يتخذ منعطفا جديدا بعد لجوء السلطات في عدد من المدن المغربية إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين يوم الأحد 22 ماي. و هو ما لم نشاهده في كل المواعيد السابقة التي عرفت مظاهرات و احتجاجات مشابهة. فهل هذا يعني أن صبر الدولة قد نفذ؟. و هل أصبحت الحركة تشكل خطرا على الأمن العام؟. أم أن الدولة تتخوف من تنامي موجة الإحتجاجات و خروجها عن السيطرة؟.
هذه الأسئلة تفرض نفسها بالنظر إلى السياق العام الذي ظهرت فيه هذه الحركة إلى الوجود، وما تلا ذلك من تطورات على عدة مستويات. فقد أسس شباب 20 فبراير مرحلة جديدة سقطت معها كثير من الطابوهات و تلاشت خلالها مجموعة من الخطوط الحمراء. لكن نشاط الحركة المتزايد أربك حسابات الداخلية خصوصا بعد الجدل الذي احتدم بشأن ما بات يعرف ب" تمارانامو " في إشارة إلى الحديث عن معتقل سري بتمارة تنفي الدولة وجوده نهائيا، كما تنفي كل التهم التي يطلقها البعض حول التعذيب الذي يمارس داخله، وتؤكد أن الأمر يتعلق فقط بمكاتب " للإدارة العامة للمحافظة على التراب الوطني". و قد أعاد هذا الموضوع ذاكرة المغاربة إلى الجدل الذي كان قائما بشأن معتقل تازمامارت و قلعة مكونة خلال العهد السابق. و عودة الملف الحقوقي إلى الواجهة في هذا التوقيت يسيء كثيرا إلى صورة المغرب في الداخل و الخارج، و يدعو إلى التشكيك في مصداقية الدولة التي أعلنت القطيعة مع الماضي منذ تجربة الإنصاف و المصالحة مع بداية العهد الجديد، خصوصا و أن ملك البلاد كان قد حدد في خطاب 9 مارس دسترة توصيات الهيأة كمرتكز أساسي في التعديل الدستوري المرتقب... لذلك فإن تنامي أنشطة الحركة الاحتجاجية أصبح مصدر قلق حقيقي للدولة. و بالرغم من سياسة " ضبط النفس" التي أبدتها الأجهزة الأمنية في الخرجات السابقة للحركة، فإن الهاجس الأمني كان حاضرا باستمرار، و كان منتظرا بشكل أو بآخر أن لا يستمر المشهد بالشكل الذي عهدناه منذ 20 فبراير الماضي.
هي إذن مرحلة جديدة للعلاقة بين الدولة و الحركة. ومن الواضح أن الجهات الرسمية تتعامل حتى الآن بمنطق " لقد أعذر من أنذر"، فقد سبق هذه المسيرات الاحتجاجية الأخيرة قرار المنع الذي صدر عن السلطات المحلية في بعض المدن. و من تم فقد تم اعتبار الاحتجاجات تحديا لهذا القرار. لذلك وجدت قوى الأمن في ذلك الذريعة الكافية لاستخدام القوة. و لابد أن مواجهة الاحتجاجات بهذا الأسلوب، تحمل رسالة مفادها أن الدولة لن تسمح باستمرار الوضع على ماهو عليه، حتى لا يتحول الشارع إلى منفذ لأطراف محددة تحاول ركوب الموجة لتحقيق مكاسب خاصة، و ربما جاء هذا الخيار من أجل جس نبض الشارع الذي يقابل حتى الآن التعاطي الأمني مع الحركات الاحتجاجية باحترام و إعجاب. لكن المواقف الشعبية من حركة هذا الشارع تعرف اختلافات واضحة. فإذا كانت 20 فبراير تقدم نفسها كناطق باسم الشعب المغربي من خلال الشعارات و المطالب التي ترفعها، فإن فئات عريضة من هذا الشعب تتفق مع العناوين الكبرى التي تعلنها كالحق في الكرامة و الحرية و محاربة الفساد و غيرها، لكنها تختلف بشأن التفاصيل. و هنا يحضر موقف الحركة من التعديل الدستوري مثلا ليؤكد توجهها الراديكالي. ففي الوقت الذي يعتبر فيه الكثيرون أن التغييرات المرتقبة تمثل استجابة لمطالب الإصلاح، يغلب على خط الحركة موقف رافض ينظر إلى هذه الخطوة بسلبية لأنها تعبر عن استمرارية سياسة الدساتير الممنوحة. و الواقع أن هذا الموقف يتناغم تماما مع مواقف جماعة العدل و الإحسان و كذا اليسار الجذري. ثم إن أغلب الوقفات و المسيرات التي تنظمها الحركة يغلب عليها هذان التياران. و هذا يعني أن تنامي دور الشارع في المرحلة المقبلة يرفع أسهم العدل و الإحسان بالدرجة الأولى و اليسار الراديكالي بدرجة أقل. لذلك فإن قرارات المنع التي صدرت في عدد من المدن هي محاولة لقطع الطريق أمام كل ما من شأنه أن يرفع من حدة الاحتقان، أو يشوش على الخيارات التي تمضي الدولة في تنفيذها. كما أن تدخل قوى الأمن يوجه رسالة تحمل في طياتها تأكيدا على أن الدولة لا يمكن أن تتسامح مع أي طرف يحاول أن يتحدى قراراتها.
لقد نجحت الدولة في كل المحطات السابقة التي سمحت فيها بالتظاهر بحرية و دون مضايقات في ربح الرهان بشكل أو بآخر. و هو ما نال إعجاب الدول الغربية التي تعتبر المغرب نموذجا يجب أن يحتذى من طرف دول المنطقة، لكن محطة 22 ماي أعادت إلى الواجهة أسئلة كثيرة حول مستقبل لعبة شد الحبل هذه. لذلك فإن معالم المرحلة القادمة أصبحت مرتبطة بطبيعة الأفعال و ردود الأفعال التي ستشهدها الأيام أو الأسابيع المقبلة. محمد مغوتي.23/05/2011.
التعليقات (0)