مواضيع اليوم

من يُحاسب العمامة ؟

سلمان عبدالأعلى

2012-01-02 13:40:01

0

 

من يُحاسب العمامة ؟ 

بقلم: سلمان عبدالأعلى

كثيراً ما نسمع من بعض الناس استنكاراتهم على الانتقادات التي توجه لرجال الدين على اختلاف أنواعها وأشكالها (شفهياً أو كتابياً)، وعلى اختلاف الناقدين وتوجهاتهم (من هم؟ وما هي أهدافهم؟)، وحجتهم في ذلك هي أنه لا ينبغي توجيه النقد لرجال الدين لأنهم غير معصومين، فحالهم كحال غيرهم من بني البشر يخطئون ويصيبون، وإذا كان كذلك فلماذا إذاً يُنقدون ؟ !!

إن هذا الكلام صحيح، فرجال الدين غير معصومين، فمن الممكن أن تزل بهم القدم حالهم حال غيرهم من عامة الناس، بيد أن كونهم غير معصومين لا يجعلنا نجعلهم فوق النقد والحساب، بل على العكس تماماً، إذ أن هذا يجعل عملية نقدهم وحسابهم حالة طبيعية بل وضرورية، وذلك حتى يتنبهوا من أخطائهم (إذا كانوا غير مدركين لها) ويرتدعوا عنها، (إذا كانوا غير مبالين بها)، خصوصاً أن هناك من البسطاء من ينخدع بهم ويحسب تصرفاتهم على الدين، لأن رجل الدين في اعتقاد وتصور هؤلاء، ((هو الدين الذي يمشي برجليه على وجه الأرض)).

وبعبارة أخرى نقول: إن كون رجال الدين غير معصومين يجعل ممارسة عملية نقدهم ضرورية ولا يرفعها، فإذا كانوا غير معصومين فعلاً ينبغي معاملتهم معاملة غير المعصومين، وذلك بنقدهم ومحاسبتهم على أخطائهم وتصرفاتهم كما يُفعل مع غيرهم تماماً، أما أن نقول بأنهم غير معصومين بألسنتنا، ونعاملهم معاملة المعصومين بأفعالنا وتصرفاتنا -كما يصنع الكثير من المغفلين- فإن هذا غير مقبول وغير مبرر.

فالبعض من المغفلين يحارب كل نقد يوجه لرجال الدين ويُصوره أو يتصوره أمراً شيطانياً، وهذا الأمر يلقى الدعم والتأييد حتى من قبل الكثير من رجال الدين، ولا غرابة في ذلك لأن هذا من صالحهم، فحتى يحافظوا على هيبتهم ولا يكتشف الناس حقيقة أمرهم، نجدهم يدعمون مثل هذا التفكير الساذج، وقد يبررونه بطرق أو بعبارات شرعية كـ ضرورة الستر على المؤمن .. لا يجوز التشهير بالمؤمنين.. لا تذكر أخيك بما يكره .. وإياك والغيبة ... لا يجوز إهانة المؤمن أو توهينه .. وهكذا حيث نجدهم يُكثرون من ترديد مثل هذه العبارات إذا كانت في صالح أحداً منهم، ويغضون طرفهم عن العبارات الشرعية الأخرى كالتي تتحدث عن نصرة المظلوم .. وجزاء إعانة الظالم .. وفضل كشف الحقيقة .. وعقوبة الكذب والخداع .. وخطورة السكوت عن الحق وغيرها .

وللتوضيح أكثر نقول: بأن بعض رجال الدين عندما يخطأ أحداً من غيرهم يطالبون الناس بأن يكشفوا الحقيقة ويعلنوها كما هي، فيقولون مثلاً لا تكذب ولا تراوغ، ولا تعين الظالم، ولا تتردد في نصر أخوك المظلوم، ولا تسكت عن الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس وغيرها من العبارات المشجعة على إعلان الحقيقة وإشهارها.

ولكن عندما يتعلق الأمر بأحدهم ويكون أحد رجال الدين هو الظالم أو هو المُعتدي، نرى أن هذه اللهجة تنقلب رأساً على عقب، وتتحول من التشجيع على كشف الحقيقة ونصرة المظلوم للتشجيع على إخفائها وطمس ملامحها، فنسمع التحذير من التشهير بالمؤمن ومن غيبته، ونسمع كذلك بالمطالبة والمناشدة بالستر على المؤمنين، وذلك لأن الله يحب الستر ويأمر به وغيرها من العبارات التي تستخدم في غير موردها الصحيح، إذ أنهم يستخدمونها بحسب مصلحتهم منها، أي بلا موازين ثابتة، لأنها تتحول وتتغير حسب الحالة وحسب الشخص.

 

قصة مع رجل دين :


يحدثني أحد الأشخاص الثقاة قائلاً: كنت في أحد الأيام أتحدث مع أحد رجال الدين حول قضية بيني وبين رجل دين آخر، إذ أن رجل الدين هذا -الثاني- كان يكذب ويخون ويخالف الوعود، فاتخذ صاحبنا موقف سلبي منه ..

المهم أن صاحبنا في أثناء حديثه حول هذه القضية مع رجل الدين- الأول- قال: لقد اكتشفت وبان لي بأن الشيخ الفلاني –يقصد رجل الدين الثاني- منافق، بناءً على الرواية المروية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والتي تقول: ((آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان))، والشيخ الفلاني تنطبق عليه هذه الصفات بكاملها ..

فأجابه رجل الدين الذي كان يتحدث معه قائلاً: بأن هذه الرواية لا تنطبق على الموالين.. (انظر كيف يكون التأويل والتبرير إذا تعلق الأمر بأحدهم).

ولهذا نقول بأنه ينبغي لنا أن نتعود على نقد رجال الدين، لأن نقدهم يمثل اللبنة الأولى لمحاسبتهم ولمعاقبتهم على أخطائهم وتجاوزاتهم، وهذا له ضرورة وأهمية قصوى، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب وهذا مشاهد ومثبت، ولكنني على الرغم من ذلك أدرك جلياً بأن عقول بعض الفئات في مجتمعاتنا صحراء قاحلة لا يمكن أن تنبت فيها مثل هذه الأفكار على الرغم من بساطتها وواقعيتها.

فنحن نرى البعض يُؤله رجل الدين ويرفض نقده ومسائلته فضلاً عن محاسبته ومعاقبته على أخطائه، فهو عنده ((لايسأل عما يفعل وهم يسألون))، فرجل الدين عند بعض الفئات في مجتمعاتنا يمتلك حصانة تشبه إلى حد ما الحصانة الدبلوماسية، بل هي أكبر بكثير لأنه لا يمكن نزعها إلا في حالات هي أندر من النادرة.


وليس الأمر هكذا فقط بل نجد الكثير من رجال الدين يمتلك بالإضافة إلى الحصانة ((حق الفيتو الشرعي)) إن صح التعبير، فهو يستطيع أن يبطل أي عمل لا يوافق هواه أو لا يحقق مصالحه، وذلك بالإلزام الشرعي وينتهي بعد ذلك كل شيء، كما يفعل بعض وكلاء بعض المرجعيات الدينية إذ يقول عندما يريد أن يجبر أحداً على الأخذ برأيه أو الاستسلام أمام إرادته: ((بصفتي وكيل المرجع الفلاني ألزمك بإتباع كذا أو بالقيام بكذا)) ويجب بعدها على غيره الالتزام بكلامه وتنفيذ أوامره أو نواهيه حتى وإن كان غير مقتنع بها، والويل كل الويل له إذا لم ينفذ هذه الأوامر !!

وهذه من المهازل التي تجعل رجل الدين ينفذ أهواءه الشخصية ويطلق العنان لعقده النفسية تحت غطاء ومبررات شرعية –بلا رقيب ولا حسيب- ولا أحد يتجرأ على نقده فضلاً عن محاسبته أو معاقبته في حال خطأه، وهنا أتذكر مقطع الدعاء الذي يقول: ((اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا))، إذ أنني أحسب هذه إحدى مصائبنا في ديننا والتي نحن إلى الآن غافلون عنها وغير ملتفتون إليها.

وأنا لا أنكر هنا بأن هناك بعض المحاسبات والمعاقبات التي تتم لرجال الدين من قبل بعضهم للبعض الآخر، ولكنها تقتصر في مجملها على مسائل الاعتقاد والإيمان، وهذه اتهامات أكثر من كونها محاسبات، إذ أن الكثير منها يركز على محاكمة الناس ومحاسبتهم على نواياهم (اعتقاداتهم أو على آرائهم) وليس على سلوكهم وتصرفاتهم، ولقد سمعنا مثلاً بأن الشيخ الفلاني يطرد أو يمنع من الصلاة بالناس جماعة في المسجد الفلاني لأنه ضال فكرياً أو منحرف عقائدياً على حد تعبير المعارضين له، ولكن هذا غير صحيح لأن قضايا الإيمان والاعتقاد (النوايا)، لا ينبغي المحاسبة عليها، لأنه لا يعلم بحقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى.

 

لا توجد آليات واضحة لمحاسبة رجال الدين:


لا بد أن تكون لدينا آليات واضحة وفعالة لمحاسبة المخطئين من رجال الدين، خصوصاً إذا كانت أخطائهم تجاوزات واعتداءات على حقوق الآخرين، ولكن ماذا نفعل ونحن نفتقر لهذه الآليات، والكثير منا يحاول نكران أخطائهم أو تتفيهها والتقليل من شأنها -حتى إن كانت كبيرة أو واضحة- وذلك حتى لا يحاسبوا ولا يعاقبوا عليها، وحجتهم في ذلك هي: (أن من شأن هذا أن يزعزع ثقة الناس بدينهم) كما هو تعبير بعضهم، وكأن رجل الدين هو الدين ذاته !

ومن أجل هذا نرى بعض الناس هكذا يقول: ((صحيح أن رجال الدين يخطئون ويتجاوزون الحدود أحياناً ولكن لن نقول ولن نعترف بأخطائهم وإن كنا نعلم بها)) ويبررون موقفهم هذا بحجج واهية كـ للحفاظ على هيبة الدين أو للحفاظ على بيضة الإسلام وغيرها، وللأسف أن أخطائهم –أي رجال الدين- لا يدرك خطورتها ولا يتحسسها إلا من يقع ضحية لها وتلسعه لهيب نيرانها.

وقد يقول قائل: صحيح أن رجال الدين يخطئون ولكن حسابهم على الله سبحانه وتعالى في الآخرة، وليس على يد أحد من خلقه في هذه الدنيا ؟ لأن محاسبتهم قد توقعنا في بعض المحذورات الشرعية كالتشهير والغيبة والإذلال للمؤمنين وغيرها من الأمور، ولهذا من الأولى الابتعاد عنها وتركها للخالق سبحانه وتعالى .

ونقول لهؤلاء كلامكم صحيح، ولكن الكل حسابه على الله سبحانه وتعالى في الآخرة وليس فقط رجال الدين، فلماذا لا نقول هذا الكلام إلا إذا كان الحديث عن رجال الدين، أليس الناس أمام الدين كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، أم أن هذا مفهوم تجاوزه الزمن وتغيرت بعض ملامحه وأصبح غير صحيحاً ؟ !

والأمر الآخر في هذه المسألة فيما لو كانت أخطاء رجال الدين تمثل تجاوزات واعتداءات على حقوق الغير -المادية أو المعنوية- فهل ينبغي أيضاً السكوت عنهم، وهل هذه هي عدالة الإسلام وعدالة تشريعاته ؟ !!

إننا إذا وافقنا على تأجيل وترك محاسبة رجال الدين للدار الآخرة، فعلينا أن نؤجل كل محاكمة وكل أمر قضائي أيضاً للآخرة، بحيث نقف جامدين ولا نحرك ساكناً في هذه الدنيا، وهذا يستلزم أن نغلق المحاكم ولنترك الحرية للظالمين لينهشوا في لحوم المظلومين، ولنترك الحرية للمفسدين ليفعلوا ما يحلوا لهم فعله، وكل ذلك بحجة أن جزاء الظالم والمفسد وعقابه ليست علينا بل على الخالق سبحانه وتعالى في الآخرة، ولا بأس بأن نطمئن قلوب المظلومين بأن أجرهم على الله في الآخرة أيضاً، وبأن أعمالهم لن تذهب سدى فلا يخافوا، ونجعلهم بذلك مستسلمين خاملين لا يطالبون بحقوقهم تحت هذه الذريعة .. فهل تبدوا هذه الأمور واقعية ومنطقية لو اتبعناها ؟ !!

 


ما هو الحل إذاً ؟؟


إذا كان لا يوجد نظام وآليات واضحة وفعالة لمحاسبة المعتدين من رجال الدين، فإن هذا لا يعني أن نترك لهم الحبل على القارب ليفعلون ما يريدون، بحيث نترك الظالم والمعتدي منهم يستمر ويتمادى في ظلمه أكثر بحجة أن حسابه على الله سبحانه في الآخرة، بل إن علينا مسؤولية كبرى لكشف ظلمه ولرفع عدوانه كل بقدر استطاعته.

وقد يكون من الوسائل المتاحة لكشف الظلم ولرفع العدوان هو استخدام الإعلام وتوظيفه لتكوين رأياً عاماً مناهضاً، فالرأي العام بإمكانه أن يلعب دوراً مهما وضرورياً في مثل هذه القضايا التي قد لا تجد من يتصدى لها منذ البداية، لأنه يمثل قوة ضاغطة على المعتدين لكي لا يستمروا في عدوانهم، كما أنه قد يمثل رادعاً لهم ولغيرهم ممن يفكر بإتباع منهجهم وطريقتهم، كما أنه أيضاً قد يحرك بعض القيادات الاجتماعية من رجال الدين الآخرين وغيرهم لمتابعة تصرفات هؤلاء والوقوف على حقيقة أفعالهم وتصرفاتهم التي قد لا تكون واضحة للجميع، وهذه النتيجة مقبولة بل ومطلوبة.

إنني أعرف أن هذا الكلام لن يروق للكثيرين، وبالخصوص بعض رجال الدين، ولكنني أسأل هؤلاء، ما هو الحل البديل لمثل هذه الحالة؟ فنحن نريد حلولاً عملية رادعة، لا حلول ومعالجات تنظيرية بحتة لا يمكننا تنفيذها على أرض الواقع.


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !