هل التمهيد للفشل في الوقت الحاضر ومن الجهد مايمكن بكل تاكيد ان يكفل لنا قسطا من النجاح ..تبدو هذه العبارة متناقضة ...لكن الواقع يقول انها صحيحا .لو ان شخصا ما على على موعد في مكان يبعد مئة ميل الى جهة الشمال عن موطنه . وان محافظته على الموعد تكفل له صحة نفسية وتمام السعادة .ولنفرض ان هذا الشخص قصد الى ذلك المكان بسيارته وليس لديه متسع من الوقت ..ولنفرض ان وقوده لا يكفي الى الوصول الى غايته –لكنه يرى طلبا لانشراحه ولذته ان يتجه الى الجنوب قبل ان يتوجه الى جهة الشمال لمسافة 20كليو مثلاً وجهة الجنوب هنا هي الاتجاه المضاد لغايته ..اكيد هو سيشعر بالحزن والندامة حينما يتحقق من تلك النزهة الطارئةقد ضيعت من الوقت ماهو ثمين وعلاوة على ذلك هي لاتستحق الحمد والثناء الكثير بل هو يستحق الرزايا والرثاء والتوبيخ لانه سلك سلوك الحمقى وفضل حلما من احلام اليقضة على تحقيق متعة الواقع !
لوان هذا الشخص لم يتخلف عن موعده عامدا .ولكن لانه ضل الطريق لاستحق الملام .اذ كان في وسعه ان يحتاط للامر ويجلب معه خريطة توضح معالم الطريق قبل ان يبدءا رحلته صوب غايته
فمن يبتغي النجاح ينبغي ان يعدالعدة كاملة .الا كمن ينشد تيسير سفينة على ارض اليابسة !!
ان هذا مثلا النموذج المألوف للإنسان الفاشل .فهو فاشل لا لانه لم يملك ناصية الجهد والوقت بل لانه ملك ناصيتهما واساء التصرف .فبددهما في امر لايؤدي طبعا الى النجاح
وبذلك تصدق ما قلناه ان الفشل يقتضي من الوقت والجهد ما يقتضيه النجاح
النجاح الزائف
وهناك جهود لايبدو لاول وهلة انها تبدد جزافا بل يتراءى للجميع ان صاحبها قد يبذل من الجهد والمثابرة والانكباب في العمل .فينتزع ثناء الجميع .ثم سرعان يتضح ان الجهد الذي بذل كان جهد ضائعا وليس النجاح فيه الا نجاح زائفا لان جملة محصولها لم تكن الا تضييع الوقت والجهد وبطريقة خاصةمن اعمال صغيرة غير متناسقة . ولو ان ما بذل من من جهد ووقت صرف في امر واحد وكبير وبشكل متناسق لادى الى احسن النتائج
ان مثل هذه الاعمال الصغيرة كمثل فرش قطع من الاحجار الصغيرة الكثيرةعلى منبسط من الارض بطرق واشكال متناسقة
ولو انه وضعها فوق بعض بدقةواحكام وايضا ليكون منها بناء ا عاليا شامخا له نفع ويغل دخلا حسنا
لعل الكثير من الإعمال الخرافية التي مسئولة الى حد كبير على الفشل وتهوين وقعه على نفوسهم والتقليل من قيمة النجاح , واضخم تلك الخرافات التي تزعم ان النجاح والتمتع في الحياة لايجتمعان في الشخص الواحد
ان الناجحين والفاشلين يستنشقون الهواء جميعا .وتظلهم سماء واحدة
ويستوون في الاستماع بالشمس حين تشرق من المشرق ومن المغيب حين تغيب الشمس ..كما تتاح لهم فرص متساوية في الحب عاشقين اومعشوقين ..
على انه لاشك في ان النجاح يظفرون في شيء واحد ويحصلون عليه هو الثقة في النفس والشجاعة وعدم القناعة الوقوف من الدنيا موقف
ولاخذ من كل شيء نصيب ولو بالقليل وليس الكثير بدل عدم الحصول على الشيء مطلقا .ذلك كله انهم اختارو لانفسهم من البداية ان تكون حركتهم في اتجاه الحياة والنماء وان تكون جهودهم كفاحا في سوح المياديين لا النزهة والتروية في الخلاء
وبهذا كتب لهم النجاح والنصر وطحوا انفسهم عوامل الانحلال والتعفن التي تنخر دائما في أقبية المظلمة التي تسودها حسكة الفشل ..اقبية المغمورين والفاشلين
وجريا على المالوف في العصر صياغة كل حقيقة في قالب رياضي يمكن ان نقول في تعريف ايمرسن له
((النجاح هو قوة بناءة تقوم على المزيد من الفعل الايجابي في العقل والجسم معا ًوفي القدرة على العمل فصاحب هذه الصفة هو شجاع واثق النفس واما الفشل هو القوة الهدامة تقوم على ردفعل سلبي اوقصور ذهني او جسمي وفي القدرة على العمل ومتابعة الحياة وصاحب هذه الصفة هو اما عاجز او فاشل ))
ويحق لنا بعدهذا ان نسال متعجبين ما النجاح وما الفشل ؟ولماذا نعمل بجهد ونهدر من الوقت في امور هي من اسؤ امور الفشل
وعلم النفس التحليلي يجيب عن هذا التساؤل بان البشر مخلوقات ثنائية لهم ارادتان
احدهما حب الحياة وروح الكفاح والغلبة
والاخرى ارادة الفشل والموت
الموت تعبير عن ارادة الفشل !!
ان الموت ظاهرة طبيعية تقع تحت تجربة الحس كظاهرة الولادة والنمو ومن سنة الطبيعة ان تعد المخلوقات لكل مرحلة جديدة من مراحل الحياة اعدادا خاصة من وبان تطمس رغبات قديمة المرحلة القديمة واستحداث رغبات جديدة تتناسب مع الحالة الجديدة .في طور المراهقة مثلا وهو الذي يعقب طور الطفولة .يفقد الطفل النامي رغبات الحس في تلك السن الصغيرة والميل الى اللعب الساذج .وتنشاء عنده بدلا عنها رغبات لم يكن يعرفها من قبل وميول لانواع من اللعب والتسلية بعيدا عن السذاجة والبراءة .كذلك تمهد الطبيعة للانحلال والموت بتمهيدات خاصة قد لانشعر بها لكننا نخضع لها ونتاثر بنشاطها وتلك هي ارادة الموت وهذا هو اطارها المنطقي ومهمتها المعقولة في اطوار المخلوقات
على هذا الاساس تحدث فكرة الموت وإرادته باكورة أحدثها في الشخص حين يتراخى عن الكفاح .ويناى بنفسه عن كل ما يتطلبه العمل والجهد والعناء والمشقة .فتخمد فيهم نار وجذوة المال والاطماع . وربما كان في صحبة ذلك فلسفة تزين له هذا التحول .من قبيل الزهد والقناعة السلبية او غير ذلك من المسميات
هذه الظواهر وغيرها في مجموعها هي التي تسمى ارادة الفشل وانها موجودة بصورة كامنة في كل منا .لذا علينا ان نواجهها لا ان نتجاهلها
هؤلاء الضحايا الى ارادةة الفشل او ارادة الموت يكاد يتكون منهم جيش جرار عرمرم من ابناء جنسنا البشري .وشعار هذا الجيش الجرار هو (اعمل عملا متباطئا متخاذلا .كان يكون عمرك الف سنة وسنة )) واضح حدا من اعضاء هذا الجيش الجرار من الفاشلين هي بملايين ومن مشارق الارض ومغاربها لكن هل يمكن تصنيفهم ((تقول الباحثة الامريكية دوروثا براند في كتابها استيقظ وعش ))
اول فرقة يمكن تميزها من الجيش الجرار هم الجناح الايمن ولانها تحب اليمين نبداء بهم انهم اصحاب الملابس الزركشة ويحسن ان نسمي فرقتهم من الجيش ((المهرجين ))لان ذلك العدد العديد من الشبان والشابات والكهول والكهلات لانهم لايحسون كيف يقضي اليوم من عمرهم الا بدعوات الضيوف واحتساء الشاي والسمر والملاهي والنزهات والتجمع في الطرقات والتسكع وثم النوم لساعات طويلة كنتيجة منطقية للحاجة لراحة من فرط الجهد الذي بذلوا وذلك هو اضعف الإيمان
نجعل في طليعة ذلك الجيش فرقة الزمارين هم في اليسار لكن لهم صفة القيادة فهم كالقائد الذي يزلزل الجيوش هيبته وصرخته وقوة صوته حين يصرخ في الميدان ومن هنا اتت تسمية المومارين لا لانهم يمزورن في ابواق من النحاس بل هم عشاق الثرثرة على غير هدى ومن غير موضوع والى موضوع وكانه حراب وطعان اللسان باللسان يتكلمون لا لانهم يرييدون ان يتكلمون في شيء صالح بل الحب في اللغو والكلام من اجل الكلام ؟فالنادرة الواحدة يكررها الواحدمنهم والنكتة يكررها على الصديق الواحد ثلاث مرات واعادتها عشر ام عشرين مرة في الخمس الايام القادمة ..
قيادة هذه الفرقة يجب ان تعطى وبجدارة الى الاشخاص من فرقة الزمارين لهم موهبة خاصة في استخدام التليفون والنت والشات انهم حقا ملوك القرن الواحد والعشرين وحقيقة انهم تفوقوا على اسلافهم من الاقدمون لانهم لم تكن لهم وسيلة تورث الجنون كلعنة ((الشات))
ان الفرد من هؤلاء ما ان يجد نفسه فارغا حتى يفتح النت ويدخل الى قرب غرفة شات فيه العدد الاكبر من المنازلين والمحاربين ان جاز التعبير بالغة الشات بل تجد البحث عن المتميعين والمخنثين والا شعور لهم ولا احساس الكثير منهم موجود في هذه الابشع وسيلة تعذيب على مر العصور وهي الشات فور شات لامفهوم لامضمون يستغرق ساعات وساعات
فرقة اخرى من فرق الجيش الجرار من الفاشلين هم اهل الكهف (او النوامون ))الغرب يتهم الشرق والشرق يقول النوم هو شرط للحفاظ على الكيان الصحي .في كل الشرق والغرب نجد النوامون ممن يجد ان النوم هو هواية وغاية وصنعة وحرفة .في كانت تنتشر في العراق مثلا فليق جديد من هذه الفرقة انهم ((الخلفات ))اي الاسطوات في النوم والذي تسال الشخص منهم الك عمل فيقول نعم اعمل وبكلل وجهد اناء الليل واطراف النهار ونقول له وما هو طبيعة عملك فيجيب ((خلفة في النوم ))
الفرقة الرابعة من الجيش الجرار من الفاشلين فرقة قديمة جدا وسحيقه العراقة في التاريخ بل هم من اهم اعمال التاريخ وانجزات البشرية على مر التاريخ في جانب ارادة الفشل طبعا انهم و هم اقرب الى فرقة اهل الكهف لكن الامر مختلف نوعا ما هم اشبه ايقاظ يروحون ويغدون وينهضون ويتكلمون لكن هم الى النوم اقرب منهم الى اليقضة واعضاء هذه الفرقة هم ((التنابلة ))
التنابلة لديهم احساس انطواءي عجيب فحتى الذي له نشاط اجتماعي يمكن ان يجعله يخفف من وطاء الانعزال والكابة فنجد الشخص منهم ما ان يجد وقتا وهو في مكتبه مثلا حتى يخرج المجلة ويحل الكلمات المتقاطعة والغاز الشطرنج وايقاع منتظم ليصل الى ست ساعات يوميا
انهم يوجهون الحياة بعقل نائم وحواس نائمة وعندما تمر من امامهم مواكب الفرص واسباب النجاح يرمقونها بنظرة عين جامدة وقريحة هامدة
الفرقة الاخيرة من الخميس والجيش العرمرم من الفاشلين انهم فرقة الاخطر والاقوى اشبه بقرقة الخيالة او الرماة انهم فرقة الحشاوشون والمدمنون والمكبسلون ومدمنوالافيون اوالمخدرات والكحول .انهم يطلق عليهم في فلسفة الفشل هم اصحاب القدح المعلى ويطلق عليهم ظباط المدفعية في ذلك الجيش
ا ن اي شخص يدمن في شراب الخمر وهو يعلم ان بالتجرية تمام العلم ان شرب الخمر انه عندما يستيقظ من النوم بعد يوم هو شرب فيها هو نتيجة ثابتة واكيدة هي صداع الراس الشنيع والكسل والخمول والعجز عن القيام باي شيء من التبعات والعمل المثمر وتنتهي حالة الخمار والدوار والتي قد تستمر معهم طول النهار
اقو ل ان هولاء اصحاب القدح المعلى هم الذين يقدمون على شرب الكؤؤس تلو الكؤؤس طوال اليوم وبعلم اليقين هم قوم تعساء بارادتهم ..لانها ارادة الفشل والضياع والشقاء اي فاشلون مع سبق الاصرار والترصد
هكذا اكتملت فيالق الجيش الخمسة الحشاشون في القلب والمهرجون على اليمين والزمارون على اليسار والنوامون في المقدمة والتنابلة في المؤخرة
ملذات الفشل :
اصبح واضح اليوم وضوح الشمس ان ان جميع الفاشلين يستمتعون بفشلهم ويستمتعون بعض وقتهم في الشرود والأحلام غي أنهم يتفاوتون في هذه الصفة فنحن نحلم يوميا اما واعين او غير واعين رقدا او يقضين ربما هذا يجعلنا في نوع من انواع السعادة ارفع واهناء من المستوى الذي نحن فيه وهذا شيء ليس يعاب بل يعاب ان الشخص يختلف في نوع الثناء ونوع الملام ان الشخص الموجه نحو الفشل يحلم بحياة افضل ولاشك لكنه لايعمل على ذلك مطلقا اوانقل الحلم الى الواقع
اما الشخص الموجه نحو النجاح فهو على العكس يوجه هدفه نحو طريقه ويتخير الوسيلة الملائمة والبرنامج الخاص لتحقيقها
لكن علاوة على ذلك ان حياة الفاشل لاتخلو من متعة خاصة فان الأحلام السعيدة تروقه وتستهويه فلا يكاد يفرغ من العمل حتى يهرع الى مكتبه ليدخن غليونه او كاسه و ينعزل في غرفة او ركن في منزله ليحلم حلمه السعيد فالمسكن اصبح قصر فاره فيه الحدائق الغناء والخدم والحشم من كل شكل ولون والملبس من ارقى الحرير الصيني والزوجة هي حورية من حوريات الجنة او من نجمات السينما العالمية .لا مراءة افسد طبعها طول الفقر
وهويكتفي باسمتراء الحلم فهذا أفضل وأسهل عليه من العمل على تحقيقه والنتيجة الطبيعية ان يحاول التقليل بقدر الإمكان من الوقت الذي يصرفه في العمل ليستطيل امد الحلم وتلك متعة لها تاثر كبير كمتعة الأفيون يصعب الخلاص منها وهذا هو اكبر إغراء في حياة الفشل يحول بين الناس وبين الكفاح
التعليقات (0)