أزمة مصرية سعودية فشلت الدبلوماسية في احتوائها
احتجاجات أمام السفارة السعودية في القاهرة
سجلت الأزمة بين مصر والسعودية تطورات خطيرة عندما أعلنت المملكة إغلاق سفارتها واستدعاء سفيرها هناك للتشاور، رفضا للاحتجاجات التي حدثت أمام السفارة السعودية في مصر. ودعا القادة المصريين الى العمل على احتواء الأزمة وحلها للحفاظ على العلاقات بين البلدين.
القاهرة: اتخذت أزمة المحامي المصري المعتقل لدى السعودية أحمد الجيزاوي تطورات خطيرة بين البلدين الشقيقين، بإعلان الممكلة إغلاق سفارتها وقنصلياتها في مصر، رفضا للإحتجاجات المندلعة ضدها منذ عدة أيام، والتي حملت في طياتها الكثير من الإساءة للمسؤولين السعوديين. وبينما جاء الرد السعودي مفاجئاً وغير مسبوق، يحاول القادة في مصر تدارك الموقف، وإحتواء الغضب. واتهم دبلوماسيون وخبراء سياسيون وزارة الخارجية المصرية ووسائل الإعلام بإشعال الأزمة، ودعوا إلى سرعة إحتوائها، حتى لا تترك الباب مفتوحاً أمام جهات أجنبية وأجهزة مخابراتية لتعقيدها وسكب المزيد من الزيت على النار، وزيادة التوتر.
تطور مؤسف
ووفقاً للنائب أمين إسكندر عضو لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب، ما حدث تطور "مؤسف في العلاقة بين البلدين لأول مرة في التاريخ"، ملقياً باللوم على الجانب الشعبي المصري، وأضاف لـ"إيلاف" أنه لو فرض أن هناك ظلم قد تعرض له المحامي أحمد الجيزاوي فلا يجب التصعيد بهذه الطريقة، ولزم احترام القضاء السعودي كما يطالب لجميع باحترام القضاء المصري، مشيراً إلى أن التطاول على المسؤولين في السعودية أمر مرفوض، فهناك أكثر من مليون مصري في المملكة العربية يلقون حسن المعامل. وأبدى إسكندر تحفظه حول تعامل الحكومة مع الأزمة منذ البداية، واتهم وزارة الخارجية المصرية بالفشل في وضع حل دبلوماسي سريع قبل تفاقم الأزمة، والكشف عن حقيقة الاتهامات الموجهة للجيزاوي، فكان على الخارجية التعامل مع الموقف بشكل مباشر بحيث لا يتم السماح للمواطنيين بالتظاهر أمام السفارة بهذا الشكل المهين.
علاقات تاريخية
و اتهم السفير صلاح فهمي مساعد وزير الخارجية الأسبق وسائل الإعلام بِإشعال الأزمة بين البلدين، ولم يستبعد أن يكون هذا التطور مقصوداً للسير في هذا الاتجاه .وأضاف فهمي لـ"إيلاف" أن مصر والسعودية تحتفظان بعلاقات تاريخية، وتربطهما علاقات سياسية تتعلق باستقرار المنطقة، معتبراً أن قيام بعض الفئات بتصرفات غير مسؤولة لن تكون سببا في قطع العلاقات، وأثنى على رد الفعل المصري، وقال: خيراً ما فعلته الحكومة والمجلس العسكري بالتأكيد على عمق هذه العلاقة وتمسك مصر بها، مطالبا بسرعة التحرك الشعبي للتأكيد على رفض ما صدر بشأن الهجوم على الشعب والمسؤولين السعوديين. ولفت إلى أنه يجب مراعاة قلق السعودية من تأثير الثورات العربية عليها. وتوقع فهمي عودة السفير السعودي مرة أخرى إلى القاهرة بعد تدخل المجلس العسكري ووزارة الخارجية بتأكيد حسن العلاقة، ودعا فهمي الجهات الحقوقية والأشخاص التي تقف أمام السفارة السعودية بالقاهرة إلى احترام القانون السعودي والانتظار لحين استكمال التحقيقات.
فشل في معالجة الأزمة
ويلقي الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان باللائمة أيضاً على وزارة الخارجية المصرية في مواجهة الأزمة، حيث قال لـ"إيلاف" إن الخارجية المصرية ساعدت على تفاقمها، وأشار إلى أن قيام وزير الخارجية باستدعاء السفير المصري لدى السعودية للتحقيق معه حول تصريحاته، التي قال فيها أن الجيزاوي اعترف أن بحوزته أقراص مخدرة، لم يكن إجراءاً موفقاً .ولفت إلى أن تدخل المجلس العسكري جاء متأخراً، ونبه إلى أنه كان يجب على المجلس العسكري التدخل لوقف المهازل التي تحدث أمام السفارة، ولكن كالعادة تتحرك السلطات المصرية في مواجهة الأزمات بعد فوات الأوان. وأبدى عودة تخوفه من اشتعال الأزمة بتدخل جهات أجنبية ومخابراتية فيها بما يزيد من توترها، ودعا الدولتين إلى ضرورة الإسراع بإعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، من خلال قيام المشير حسين طنطاوي بزيارة إلى السعودية والعمل على إنهاء الإضرابات أمام السفارة، والتهديد بمحاكمة من يسيء إلى العلاقات بين البلدين.
التجاوز بالتشاور
أما حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فدعا المملكة العربية السعودية إلى "العمل علي عدم زيادة الاحتقان بين القاهرة والرياض، والتفكير مرة أخرى في قرار غلق سفارتها وقنصليتها في القاهرة واستدعاء سفيرها للتشاور". وأضاف الحزب في بيان له تلقت "إيلاف" نسخة منه "أن الجماهير التي تظاهرت أمام السفارة السعودية خلال الأيام الماضية كانت تعبر عن رغبة المصريين في الحفاظ على كرامة مواطنيهم في الدول العربية، وتعبيرا عن أن ما كان يحدث من استهانة بكرامة المصريين في الخارج لم يعد مقبولا بعد الثورة التي أعلت من كرامة المصريين داخليا وخارجيا".
وأكد الحزب أن العلاقات المصرية السعودية، أكبر من أي مشكلة يمكن تجاوزها بالتشاور والشفافية بين البلدين، وهو ما يمكن أن يحدث من خلال مشاركة فريق مصري في التحقيقات الجارية مع المواطن أحمد الجيزاوي المحتجز لدي السلطات السعودية، وإعلان هذه التحقيقات للرأي العام بشكل شفاف ومحايد.
تأثيرات على الجانبين
ومن جانبه، قال الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي لـ"إيلاف" إن قطع العلاقات المصرية السعودية، له تأثير كبير على القاهرة من الناحية الاقتصادية، مشيراً إلى أنه يوجد ما يقرب من 2 مليون مصري على الأراضي السعودية، ويعملون في وظائف متعددة، ونوه بأن السوق السعودي هو المفتوح الآن أمام المصريين بعد غلقه في دولة عربية أخرى. إضافة إلى أن هناك مشروعات اقتصادية منها الجسر البري بين البلدين، إلى جانب أن السعودية تعتبر الركيزة الأساسية لتقديم الدعم المالي بعد الثورة وبدون اشتراطات أوفوائد .وأضاف أن السعودية أيضا سوف تتعرض لخسائر اقتصادية لو حدث أزمة في العلاقة، حيث أن المعتمرين والحجاج المصريين هم الأكبر عدداً مقارنة بباقي الدول الإسلامية.
تسخين بدون داع
وحسب وجهة نظر الدكتور محمد السعيد إدريس الخبير السياسي فإن أزمة المحامي أحمد الجيزاوي إتخذت تطورات خطيرة بسبب سوء الإدارة من جانب الحكومة المصرية في علاج الأزمة واحتوائها بسرعة ووضعها في نصابها القانوني، كون الجيزاوي مخطئ أو بريء، مشيراً إلى أن الحكومة لم تعالج القضية بشكل دبلوماسي سريع .وأضاف إدريس أن هناك جهات خارجية وداخلية تريد حدوث تخبط في العلاقة بين السعودية ومصر على اعتبار أنهما القوى الأكبر في المنطقة؛ ولذلك تم التسخين في القضية دون داعي .وشدد على وجود إتصالات مصرية من أجل حل الأزمة نهائيا، بين المشير حسين طنطاوي والعاهل السعودي؛ لعودة العلاقات بين البلدين لمجراها الطبيعي .
صبري حسنين من القاهرة
GMT 6:30:00 2012 الأحد 29 أبريل
جريدة Elaph
التعليقات (0)