من يرأس السيادي عن العسكري؟
مصعب المشرّف
7 يوليو 2019م
إتفاق قسمة السلطة ما بين قحت والعسكري ؛ على الرغم من أنه شهد ولادة متعسرة بعد أن حملته أفريقيا (بارك الله فيها) وهنا على وهن .... جاء هذا الإتفاق يحمل في ملامحه علامات إتفاق اللحظات الأخيرة . وبما يعنيه هذا من كلفتة وفوضى ولهث وإستعجال فرضته ظروف إستجدت... وحيث نرى أنه ترك خلفه وأمامه العديد من القضايا الشائكة التي ما كان ينبغي تركها على هذا النحو بالنظر إلى أهميتها الإستراتيجية.
هناك تفاصيل كثيرة تتطلب الوقوف عندها ... ولكن نؤثر تأجيلها الآن إلى حين إستجلاء الوضع الخاص بالشخصية التي سترأس الفترة الأولى من عمر المجلس السيادي.
بداية لم يحدد الإتفاق الآلية التي يتم بها إختيار رئيس المجلس السيادي عن النصف العسكري.... وهناك هواجس (لا يخفيها سوى المنافق) من أن يضع النصف العسكري العقدة في المنشار فيقدمون حميدتي رئيساً . وهو ما لن يستقيم معه الأمر ، بالنظر إلى أنه قائد قوات الدعم السريع التي تولت الدور الجوهري في فض إعتصام ساحة القيادة العامة .... وبما أفضى إليه من مجزرة ومحرقة وجرائم أخلاقية في حق الإنسانية لن يغفلها التاريخ.
والمشكلة أن المعاملة في هذه الحال ستكون بالمثل ... بمعنى أنه لو تدخل النصف "الحلو" قحت في إختيار الرئيس من النصف "الحنظلي" العسكري . فستكون سابقة يطالب فيها النصف العسكري بعد 21 شهر المشاركة في إختيار رئيس المجلس السيادي من جانب قحت.
جميع "الدعوات" ترجو أن يختار العسكري الفريق البرهان رئيساً من باب أنه أفضل الشرّين ..... ولكن زهد البرهان في حضور إتفاق اللحظة الأخيرة وتقضيله السفر لرواندا ويوغندا أثار تساؤلات .... والخطاب الذي ألقاه الفريق البرهان أمس . جاء وكأنه حديث "مُوَدّع" . مدح فيه شباب الثورة الشعبية بأسلوب يستعصي على الفهم والتفسير اليسير ..... لاسيما وأن قرار فض الإعتصام لم يتم إتخاذه بمعزل عنه أو دون موافقته .... فكيف يمدح البرهان شباب كان هو من أمضى قرار فض إعتصامهم؟
وتأتي خطورة رئاسة حميدتي المحتملة للمجلس السيادي ؛ إلى كونه قائد قوات الدعم السريع المطعم بالفرانكفونيين من شعوب دول غرب أفريقيا جنوب الصحراء .... وقد ثبت قطعا وبما لا يدع مجالا للشك ؛ أن تواجد قوات الدعم السريع داخل المدن هو الذي يؤدي إلى إستمرار مظاهر العنف المسلح ضد المدنيين لأتفه الأسباب أو دون أسباب أحياناً .... وأنه يعطي الفرصة للمليشيات التابعة لنظام المؤتمر الوطني البائد ليفعل الأفاعيل بالمواطنين المدنيين العزل .. وكذلك مضي هذه المليشيات في تنفيذ سياسة الإغتيالات الممنهجة لشباب الثورة الناشطين في داخل الأحياء.
وربما لم يلتفت حميدتي إلى أنه ومن خلال لقاءاته ببعض مكونات الشعب ..... لم يلتفت إلى أنه لم يخفي واقع تشخيصه لظاهرة تواجد المليشيات الأخرى من ظل وطلابية وغيرها في الساحة .... وجاء تشخيصه هذا على زعم من القول أنها ترتدي أزياء الدعم السريع ، وتعتدي على الأهالي والمواطنين وتسرق وتنهب ......
ولكن كان ينبغي على حميدتي تدارك أنه مسئول بدوره مسئولية مباشرة عن حماية الشعب من إعتداءات هذه المليشيات . خاصة وأنها تستخدم آليات وتحمل أسلحة .. وبما يقتضي أن تحركاتها يجب أن تكون مرصودة في كافة الحواجز الأمنية التي يسيطر عليها ويديرها الدعم السريع .....
ولكن الواقع يفضح أن هذه المليشيات تخرج من مقراتها . وتسير في طريقها دون أن يعترضها حاجز. وتفعل الأفاعيل دون أن يتدخل أحد لكبحها ... وتعود إلى قواعدها سالمة ...... وقواعدها هذه التي تعود إليها سالمة غانمة ليست في حلايب أو تل أبيب حتى نتعلل بأن دونها بــرك الغـمــاد .... ولكنها موجودة في الكلاكلات والصافيات ، وغيرها من الأحياء المعروفة داخل العاصمة المثلثة .
ومن ثم ... فلا مناص من الإصغاء إلى بعض الأصوات التي تهمس بأن هناك ثمة إتفاق تحت الطاولة مع هذه المليشيات ليبرر الدعم السريع تواجده داخل المدن. وأن غاية هذا التواجد هو فرض أجندة سياسية لحميدتي شخصياً.
لأجل كل ذلك وفي هذا الجانب فقط يظل للشعب السوداني الحق في التحفظ على رئاسة حميدتي للمجلس السيادي وأن يساوره القلق ..... ومن الأفضل لحميدتي وبدلاً من الإصغاء إلى البلهاء والجربندية والشحاتين في الإعلام الغبي الماثل الذي لا يجيد سوى التطبيل والكذب والشتائم المهووسة الفارغة بلا دليل ..... من الأفضل له إذا كان يطمح إلى مستقبل سياسي لنفسه .... من الأفضل له أن يبعد نفسه عن رئاسة السيادي . وليتفرغ تماماً لتصفية المليشيات التي تعج بها مدن السودان عامة والعاصمة خاصة ؛ وأخذهم أخـذ عـــزيز مقتــدر ...... وعندها ربما سيجد حميدتي ألف من يهلل بإسمه صادقاً... فالرموز لا تتحقق بمجرد الردحي الإعلامي وإستئجار مكاتب العلاقات العامة ...... وحيث ينبغي فقط الإقتناع بأن الإعلام وهذه المكاتب المستأجرة لا تستطيع تلميع ما ليس قابل بطبيعته ومعدنه ومواقفه للتلميع.
التعليقات (0)