الحلة/ محمد الخفاجي
اجراءات رسمية وحملة صيانة تحت غطاء التنقيب والترميم بداتها هيئة الاثار والتراث لتغير معالم مرقد نبي الله ذي الكفل (ع) وازالة جميع الكتابات والنقوش العبرية المنتشرة في ايوان المرقد والغرفة التي ينتصب فيها مرقد النبي وعدد من اشقائه واصحابه. المسؤولون في هيئة الاثار والتراث يعلنون "ان الهدف من الحملة التي من المقرر لها ان تستمر لغاية عام 2011 تاهيل المرقد وصيانته ومنع القبة والماذنة التي تعلوها من الانهيار"، وهذا هو الوجه المعلن للحملة، اما الوجه الخفي فان يصب في ازالة المعالم العبرية التي تؤكد تاريخيا ان اليهود هم من بنوا المرقد وعاشوا في مدينة الكفل لمئات السنين ، وذلك استنادا الى مصادر في الهيئة رفضت الكشف عن هويتها لحراجة الموضوع وخطورة المعلومات. وتؤكد المصادر "ان عددا من الاحزاب السياسية الاسلامية مصرة على تغيير معالم الموقع التاريخي وتجيره الى الحضارة الاسلامية ومحو جميع ما يشير الى اليهود لا من قريب ولا من بعيد"، مؤكدة "ان هيئة الاثار والتراث تتعرض لضغوط وتدخلات من فبل هذه الاحزاب ، وان ادارة الهيئة تقف عاجزة امام ما يملى عليها من قرارات". وتستبعد المصادر ان تتمكن الحكومة العراقية من اعادة ادراج موقع ذي الكفل على لائحة التراث العالمي بسبب التغييرات الجذرية التي تجرى على الموقع حاليا، مشيرة الى "ان ما يجري من تغيير وتشويه للمعالم التاريخية في الموقع يشبه الى حد ما ما احدثه النظام السابق من تشويه في معالم مدينة بابل التاريخية عندما هدم البناء القديم واضاف طبقات جديدة من البناء ما دفع منظمة اليونسكو الى حذف المدينة التاريخية من لائحة التراث العالمي". كاميرا (الملف برس) تمكنت من دخول موقع نبي الله ذي الكفل ووثقت اعمال التخريب الحادثة فيه، والمتمثلة بقشط الجدران الى ارتفاع يصل الى 3 امتار ونصف المتر في (الحوش) والى نحو مترين في المرقد. ويخضع المرقد حاليا الى تعتيم اعلامي، اذ يرفض السدنة القائمون عليه وهم معينون من قبل هيئة المزارات الشيعية اية وسيلة اعلام التصوير داخل المكان، باستثناء سماحها لزيارات محدودة للمواطنين الراغبين بزيارة المرقد. يذكر ان مدينة الكفل تحتوي على الاف الدونمات من الاراضي تعود ملكيتها الى الجالية اليهودية التي كانت تملك هذه الاراضي قبل تهجيرها من العراق في اربعينيات القرن الماضي بعد انتشار ما يسمى بالعنف القومي انذاك. ويدفع غالبية مستاجري المحال التجارية المحيطة بمرقد ذي الكفل حاليا بدلات الايجار الى ملاكها الاصليين وهم من اليهود عن طريق وسطاء معتمدين لديهم ، فيما تنظم بعض شركات السفر والسياحة وفودا سياحية ليهود العراق لزيارة مرقد نبي الله ذي الكفل. وذي الكفل هو حزقيال النبي الذي تبع اليهود الى المنفى البابلي في القرن السادس قبل الميلاد ، والضريح الذي يرقد فيه النبي يعد جزءا من الفسيفساء الدينية عبر حقب التاريخ السحيقة، اما الماذنة فهي مبنية من الطابوق ويعود تاريخها الى القرن الرابع عشر الميلادي ، وهي تبدو مائلة خارج المدخل المؤدي الى الضريح ، لكن المسجد من الداخل مصصم على طريقة الكنيست اليهودي بالخزانات الخشبية التي تستعمل لحمل لفائف التوراة القديمة، والدرابزينات او الاسوار الصغيرة التي كانت ذات يوم تفصل النساء عن الرجال. وداخل الضريح تظهر مخطوطة عبرية تشبه الكتلة على امتداد الجدران الصخرية تحت القبة بطراز تركي مزينة بتصاميم زهرية اسلامية.
نقلا عن الملف برس
ــــــــــــــــــــــــــ
من الأمور التي نفتخر بها كعراقيين الأواصر الوثيقة في المجتمع بين مختلف فئاته والعلاقات الطيبة بين هذا النسيج الفسيفسائي منذ القدم..وبالتأكيد تمثل المزارات والمراقد أحد نماذج هذا الترابط الأجتماعي حيث يذهب الناس لتلك المزارات لطلب النذور بغض النظر عن هوية صاحب المرقد..فترى المندائي يزور قبر الحسين وترى المسلمين ينذرون النذور للـ(عزير) وذي الكفل والنبي يونس والعذراء كما ترى السنة يتشرفون بمراقد ائمة الشيعة في مناطقهم والعكس صحيح..
لذلك فأن أي محاولة للأساءة لأحد هذه المزارات التي أصبحت جزءا من تراث وتاريخ العراق يعد أساءة وطعنا بالقيم العراقية وبلحمة المجتمع.
أن ما يجري في مرقد ذي الكفل لايقل (فعليا ومعنويا) عن ماحدث في سامراء من تفجير لمرقد الأمام الحسن العسكري من قبل فلول القاعدة..فقشط الجدران ومحو الكتابات العبرية الموجودة منذ مئات السنين مساو بكل تأكيد لتدمير القبة الذهبية في سامراء..والغريب أن أستناكرات الوقف الشيعي لما جرى حينها لم تمنعه من أن يكرر هذه الفعلة مع مرقد مؤتمن عليه..
أن وجود الكتابات العبرية على جدران الضريح دليل آخر على عظمة الحضارة الرافدينية وهي دليل أيضا على دور تلك الحضارة في بناء أقدم الديانات الأبراهيمية.وبدلا من أن نفتخر بذلك الماضي ونستفيد منه معرفيا وأقتصاديا يقوم بعض المتخلفين والمسيرين من رجال الدين (جهلا أو عن قصد) بطمس العلامات المضيئة في تاريخ العراق..
الشعور بالعار من تلك الكتابات هو الغباء بعينه..فحزقيال هو نبي اليهود بالأساس وبالتالي من غير المعقول أن تزين جدرانه بالآيات القرآنية (التي سبقها بأكثر من الف سنة!!!!)وباللغة العربية (التي لم يعرفها العراق حتى بعد قرون من وفاة حزقيال)فيما تختفي النصوص المقدسة التي آمن بها من على جدران هذا الضريح...
النداء نوجهه الى كل من يسمعنا..صحفيين ومثقفين..نواب ووزارء ومسؤولين....أرث العراق الحضاري أمانة في أعناقكم..فكونوا جديرين بتلك الأمانة..
فما يجري في الموقع اليوم من أعمال سيفقده كل مميزاته التاريخية والثقافية وسيجعله كأي ضريح أسلامي وبالتالي سيخسر العراق معلما حضاريا قديما كما سيخسر قطعة مهمة من تاريخه..
ما أبتدأه هؤلاء في ضريح ذي الكفل لن ينتهي حتى يجعل العراق بلدا بدء تاريخه بالفتح الأسلامي ويلغي كل حقب التاريخ المشرقة التي مر بها العراق منذ الأزل..فيد التخريب قد تطال معالم حضارية عراقية أخرى وبمسميات وأساليب مختلفة فواقعة نسف تمثال باميان لازالت عالقة في الذاكرة..والعقلية الرجعية الظلامية التي سببت تلك الكارثة يوجد في العراق بعض من نسخها التي يجب أن تردع فورا..
ويبدو أن الهدف الأساسي من تلك الأمور هو الطعن والتشكيك بالهوية العراقية (التي أثرت على كل من كان على تماس معها) وهي ليست الا أستمرارا للمحاولات العديدة التي تهدف الى طمس معالم التاريخ العراقي وتجهيل العراقيين (عن قصد) بهذا التاريخ ربما كمحاولة أخرى لفك اللحمة العراقية خدمة لأجندات البعض من ذوي النفوس الضعيفة ممن آثر أن يقدم هويته الدينية أو المذهبية على أنتمائه الوطني..
محو هذه الكتبات لن يمحي من التاريخ حقيقة وجود اليهود في العراق كما لم يستطع أحد أن يخفي حجم التأثير الذي قامت به الحضارة العراقية على التوراة وتعاليمها ونصوصها..وبالتالي على مجمل الديانة اليهودية وهو أيضا لن يمحي ذلك الرابط الذي يربط أبناء اليهود الذين هجروا قسرا من العراق بأرضهم التي عاشوا عليها منذ أيام نبوخذ نصر وحتى منتصف القرن العشرين....وهو في النهاية لن ينجح في طمس التاريخ العراقي المشرق لآلاف السنين قبل الحقبة الأسلامية....
التعليقات (0)