من يأكل لحم السوريين بعد الأسد؟
ترى من يتفاوض مع بشار الأسد على الخروج الآمن بعدما قام النظام الارهابي بتدمير بلده؟
سيقول قائل بأن المعارضة السورية المتمثلة حاليا في الجيش السوري الحر ساهمت هي أيضا في تدمير الوطن، واستوردت مقاتلين تحت راية الجهاد، واستقطبت مرتزقة، وتلقت مساعدات، وأطاعت توجيهات الدوحة، وتسلحت من كل القوى المعادية لسوريا!
مساواة غير عادلة، ففي البداية كانت المعارضة هي الشعب كله وفي أماكن متفرقة،ولكن الضمير العربي كان ميتاً، كالعادة، فلو قتل حاكم شعبه وبقي هو وعائلته فقط لما تحرك جفن في عين غير يقظة لمسؤول عربي.
كان القذافي يملك تحت قدميه شعبنا الليبي لأكثر من أربعة عقود، وكان الكل يتسابقون على طلب وده، وعلى التخفيف من جرائمه، وكان في مؤتمرات القمة العربية عريس الزعماء ولو أهانهم واحداً .. واحداً.
وكان صدام حسين دراكيولا العصر، واحتل جارته الصغيرة الكويت، وجعل ثلثي شعبه جواسيس على الثلث الآخر، وفتح أبواب معتقلاته لمئات الآلاف، وأرسل جثث 4800 من المصريين إلى بلدهم بعد تصفيتهم، لكن من حُسن حظه فمصر كانت تحت إبط اللعين المخلوع.
وجرائم عمر حسن البشير تحتاج إلى مجلدات للكتابة عن بعضها، وتم اغتصاب آلاف من النساء والفتيات في دارفور بأوامر منه، وانقسم السودان إلى سودانين، ولكن الضمير ما يزال يعتبره حكيماً فالرجل يقرأ القرآن ويتحدث عن تطبيق الشريعة، أي جلد امرأة ارتدت البنطلون في الشارع، ونحن على استعداد أن نعبد الشيطان لو قال لنا بأنه يحكم بأمر السماء.
وجرائم عائلة الأسد تنوء عن حملها الأرض، ومخابراته تقف منافسة لأغلظ وأعفن وأقسى أجهزة أمن عالمية من أنور خوجة إلى تشاوشيسكو ومن هونيكر إلى وحوش الصرب إبان حرب تفتت يوغوسلافيا، ومع ذلك فأكثر الوطنيين والمثقفين والإعاميين والمسؤولين في عالمنا العربي لم يتمكنوا من الإشارة ولو على استحياء إلى جرائم الأسدين: الأب والشبل.
وطــَـرَق الربيع العربي أبوابَ دمشق كما فعل في مصر والبحرين وتونس وليبيا واليمن، ولامس فقط أبواب الأردن والجزائر والسودان، لكن السوريين الذين خرجوا مطمئنين إلى اخوانهم العرب عاشقي قلب العروبة النابض وجدوا أنفسهم بمفردهم في الميدان، فالرسالة العالمية واضحة: لا بترول في سوريا، ولتل أبيب الكلمة الفصل، فإسرائيل هي التي تمنح زوار غزة التصريح، وتختم جوازات سفر مسؤولي الضفة الغربية، حتى عندما استأذن زعماؤنا الكيان العبري بعبور طائرات الكبار المجال الجوي الإسرائيلي متجهين إلى مؤتمر القمة في بيروت، وقفت جامعة الدول العربية خرساء لأن أبا عمار في رام الله لا يتحرك إلا بأمر إسرائيلي حتى زجاجات المياه المعدنية تدخل إليه بعد الاستئذان.
واكتشف الضمير الدولي بلادة الضمير العربي فرفض أن يصبح مــَـلكيا أكثر من الملك، وهناك مصانع السلاح التي ستربح باعادة بناء سوريا المحطمة، وهناك الترسيم الجديد للحدود الذي سينهي كل خطر مستقبلي على إسرائيل رغم أن عائلة الأسد لم تمثل خطرا على الدولة العبرية، وكان جولانــُـها الأكثر هدوءاً بين كل حدود الدول المتصارعة والتي بينها حدود مشتركة.
وتحول العالم المتقدم إلى معسكرين: الغربي يندد حينا ثم ينام أحايين أخرى، والشرقي ينام زمنا ثم يستيقظ صارخاً بأنه لن يسمح بسقوط الأسد. وكلٌّ يغني على ليلاه، فالغنيمة في النهاية سيتقاسمها الشرس والقبيح، الرأسمالية وما بقي من الاشتراكية، حكام الكرملين وساكني البيت الأبيض، ولا مانع من مشاركة غربية وصينية لمأدبة الطعام فهي ستكفي الجميع بعد تحويل سوريا إلى خراب وقبور وبوم ينعق ومنتصرين يتصارعون على حُكم دمشق بعد مقتل الأسد الصغير أو توفير خروج آمن يسيل له لعاب سيدة القصر.
هذه المرة لن توفر السعودية خروجا آمنا مثلما فعلت مع الطاغية التونسي، ولن تتوسط لاختباء آمن كما فعلت مع علي عبد الله صالح، فلايزال الديكتاتور القاتل يحكم اليمن، بغير صورة، بفضل الضميرين العربي والغربي.
الأسد الصغير يترنح، والتفاوض يجري على قدم وساق، لكننا لا نعرف من يفاوض من، فالمشهد فيه عرب، وجماعات جهادية، وسوريون شرفاء انتفضوا ضد حكم استبدادي لعين، وإسرائيل، والقاعدة، والاخوان المسلمون العائدون من آخن الألمانية والمستعدون لانتقام عن مذابح أوائل الثمانينيات، وجيران سوريا، والطائفية، ومسلمون ومسيحيون وعلويون وشيعة وسنة ودروز، وأطراف لبنانية تتنفس من خلال رئات الميليشيات.
كل الأطراف الداخلية والخارجية وضعت تحت ألسنتها جملة واحدة: نحن الذين ساعدناكم في اسقاط الطاغية!
هل يمكن بعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، ومئات الآلآف من المصابين والمعاقين، وملايين من النازحين والهاربين، وبنية تحتية مدَمــَّـرة تماماً، وترسيم جديد لعلاقات وحدود سوريا مع جيرانها، والتهام عدة كيلومترات من الأراضي السورية من كل ناحية، ومكافأة سقوط النظام، فتل أبيب تريد كل أسرار الأرشيف السوري منذ الاستقلال عن فرنسا، وواشنطون تبحث عن هدية لمصانع الأسلحة الأمريكية، والغرب سيرعى محادثات سورية إسرائيلية، والقاعدة تريد ثمن النصر، والسوريون الأبطال يبحثون عن وطنهم المستقل بعد ربيع طويل تحول إلى خريف فشتاء فدمار!
المشهد فيه كل التناقضات، من فرحة النصر على الطاغية إلى البكاء على طائفية سيزعم كل طرف أنه مبعوث العناية الالهية.
ماذا لو عثر السوريون قبل تقبيل أيدي الذين ساعدوهم على حل العبقري نيلسون مانديلا؟
أي وحدة وطنية على رأسها: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقواعدها الأخلاقية أن لا حديث عن الدين والطائفة والمذهب والانتماء غير السوري الذي ينضوي تحت جناحه كل سوري لا يزعم أن لجماعته الفضل في النصر؟
نصف مليون من الجنود السوريين ورجال الأمن والاستخبارات الذين تلوثوا على مدى سنوات بدماء مواطنيهم، هل سيهربون إلى إسرائيل أم ستتم محاكمتهم أم سيضمهم النظام الجديد إلى بناء دولة من الصفر؟
لا أستطيع أن أساهم بقلمي في وضع تفاصيل حلمي السوري فجمع ملايين من قــِـطـَـع الزجاج المحطم وإعادة تركيبه لا يقدر عليه إلا من حطموه، والسوريون أعرف بدولتهم الجديدة من كل محبيهم، لكنني أحلم فقط بسوريا الجديدة التي لا يعرف فيها سوري مذهب وطائفة وعقيدة وحزب وانتماء ابن بلده، حينئذ سيكون النصر مضاعفاً، ولن يأتي يوم يتحسر فيه أي سوري على عهد الأسدين: الأب أو الشبل، وسيصبح حزب البعث العربي الاشتراكي، فرع دمشق في ضيافة شقيقه الغائب، فرغ بغداد.
وسلام الله على سورية.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 20 ديسمبر 2012
التعليقات (0)