مواضيع اليوم

من وراء انتحار النساء؟

رانيا جمال

2012-05-13 06:52:36

0

فاتن الجابري

أطفال يرتجفون مذعورين من هول ما شاهدوه من منظر، تدحرجت أمهم ككتلة لهب مشتعلة أمامهم ،وزوج غير مصدق انها فعلتها كان يظنها لا تمتلك الشجاعة ان تقدم على الانتحار ،لازال مذهولا كيف انتفضت من صمتها وهدوئها وهي التي لم تعتد على مواجهته او الرد عليه بكلمة واحدة ... وحده من ينتقد ويغضب ويصرخ بوجهها لأتفه الأسباب التي تحدث في كل بيت ،عاشت معه سنوات مرة ، ملؤها المشاكل والنزاعات، لا يكاد يمر يوم إلا ويقرعها فيه ويقلل من قيمتها كإنسانة ، ويعيرها كونها غير متعلمة ، رجل مغرور ينفس عن عقده بتحقيرها أمام الجميع ، يكرر على مسامعها أنها لا تليق به وغير جديرة أن تكون زوجته ،وبتراكم استفزاز مشاعرها وانتهاك لأبسط حقوقها تمر بحالة يأس قاتلة تسكب النفط على جسدها .. وفي اللحظة المناسبة تتراجع ، ربما تذكرت أطفالها الثلاثة وكيف سيكون مصيرهم بعدها وهم مازالوا صغارا ، أو تكون خافت من ألم الحرق والموت ، لكن ما لم يكن بالحسبان أن تحرق بأيدي زوجها ،الذي بادرها متشفيا ، وهو يرمي عود الثقاب عليها ترغبين بالانتحار انتحري ، وفي اقل من ثانية أشتعل جسدها وأصبحت كتلة من لهب تدور في غرف البيت حالما توفيت بعد ثلاثة أيام في المستشفى ، والمؤلم أنها أوصت أهلها بإسقاط الدعوة ضده من أجل أطفالها وخشيتها من ضياعهم بعد سجنه!

ولو دققنا في التفكير بواقع هذه المرأة الشابة والتي لازالت قصتها تشغل أهالي مدينة الخصيب في البصرة، ونتعرف على تفاصيل حياتها لندرك حجم الظلم الذي لحق بها كصعوبة الظروف الاقتصادية والمعاملة السيئة من قبل زوجها الذي يعيرها دوما كونها غير متعلمة ويستفزها وينتقص من كرامتها أهانة لم تعد تطيقها ففضلت الانتحار الذي لم يتوقعه الزوج فشخصيتها تتسم بالهدوء والصبر والتحمل والإيمان بالله وبنصيبها ، لكن ظروف العوز والحرمان والفقر والاهانة قد تدفع كثيرات لاتخاذ هذا القرار الجائر بحق أنفسهن وإنهاء حياتهن ، البرفسور الدكتور قاسم حسين صالح في بحث له عن أسباب انتحار الأمهات يقول ( الانتحار لا يحصل فجأة..بل عبر تراكم احباطات وخيبات تؤدي الى تنامي الشعور باليأس الذي يوصل صاحبه الى العجز التام).. وهذا ما حصل لهؤلاء الأمهات. فلحظتها تدخل في حوار مع ضميرها المتضخم بالتضحية وبين مسؤوليتها تجاه أطفالها..أو بالأحرى محاكمة بينهما..وبما انها تعترف بعجزها التام لضميرها (الحاكم) فأنه يصدر عليها حكما بقتل نفسها..وتنفذه لأمرين: تبرئة ذمتها من المسؤولية..والاحتجاج ضد من كان السبب. ان مسؤوليتنا العلمية والأخلاقية تدعونا الى ان ننّبه الى ان حالات انتحار بعض الأمهات ستبقى ما دام الفقر موجودا، وستزداد كلما ازداد الناس فقرا..وبقت الدولة غير مكترثة بمعالجة الفقر. والمفارقة، ان دولا عالجت هذه الحالة بتشريعها قانون ضمان اجتماعي، يمنح بموجبه المواطن راتبا يكفيه الى ان يجد عملا، فيما العراق الذي يعد ثالث اكبر احتياطي نفطي في العالم والأغنى نفطيا على الإطلاق قامت حكومته حدّ البذخ بصرف رواتب وامتيازات خيالية لأعضائها..وتصرفوا كما لو كانوا غير مسؤولين عن شعب هو الذي أوصلهم لحياة الرفاهية.. المرأة اليوم بحاجة الى قوانين فاعلة تدعمها وتحررها اقتصاديا كي لا تكون تحت تأثير الخضوع لظلم الزوج و ضغط الحياة والحاجة ، وينبغي أن تضطلع منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المرأة الى دراسة أسباب تزايد ظاهرة انتحار النساء في العراق وتقدم دراسات وإحصائيات الى دوائر الدولة المعنية .أن توفير فرص الحياة والعمل وأسباب رفاهية الإنسان ونيل حقوقه الآدمية تقلل من التفكير السلبي بالحياة واللجوء الى الانتحار لذا تقل جدا نسب الانتحار في المجتمعات المستقرة اقتصاديا والناضجة إنسانيا وحضاريا .


 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !