في الفترة القليلة الماضية، و بمناسبة موسم الحج لفتتني لقطتين اثنتين، الأولى تتمثل في ساعة مكة المكرمة التي بدأ العمل بها رسميا منذ فترة وجيزة، و اللقطة الثانية عن نوعية من الحجاج يمكن تسميتهم، و للأسف الشديد، بحجاج (اقامة خمس نجوم).
بالنسبة لساعة مكة المكرمة تم التركيز عليها بالتزامن مع هذه الفترة من كل عام حيث يكون موسم الحج الى البقاع المقدسة و تم الترويج لها على أنها ستكون منافسة لساعة( بيغ بان) في لندن، و عندما تم الحديث عن مميزاتها قيل أنها أطول من (برج خليفة) في دبي.
أولا مكة المكرمة ليست بحاجة الى ساعة ضخمة لكي تنبه العالم الى هذه المنطقة، فهي بمشاعرها الجرداء القاحلة علم بحد ذاتها. ثانيا لماذا لم يوضع في الحسبان أنها قد تصبح، و هي بالفعل أصبحت كما أعتقد، مصدرا لإلهاء الحجاج و المعتمرين و المصلين عن عبادات كلفتهم الغالي و النفيس ماديا و جسديا فقط لكي يعيشوها على الأرض الذي شهدت ولادتها لأول مرة.
ثالثا و لو افترضنا معقولية فكرة بناء ساعة في مكة المكرمة فالواجب أن يكون هذا المعنى متسقا مع المعاني التي لاطالما تعلمنا أن موقع الاماكن المقدسة يحث عليها من تقشف و وتواضع و تجرد من كل مظاهر المغالاة في الماديات و التي كانت على الدوام السبب الأساسي الذي يبعد الإنسان عن ربه.
فلا يجب بأي حال من الأحوال وضع مكة المكرمة و المشاعر المقدسة بشكل عام في أية حالة مقارنة مع دبي أو مع لندن أو مع أي مكان آخر في العالم مهما علا شأنه.
أما بالنسبة لحجاج (الخمس نجوم) فهي ظاهرة بدأت في الإنتشار بشكل واضح بين الناس الميسورين، اذ تتسابق عليهم وكالات الحج و العمرة بتوفير رفاهية و بذخ نعاود و نقول أنه لا يتسق مع المعاني التي هي من المفروض أنها الأساسيات التي شرعت عليها رحلة الحج بصفة عامة.
فأين صفة التواضع لله و التقشف و الحاج جالس على أريكة عوض أن يجلس على التراب، أين سيكون تحسسه لوضعية أخوانه الفقراء في انحاء العالم و هو يأكل أشهى المأكولات التي تقدمها أضخم (البوفيهات)، هذا بالطبع زيادة الى تطعيم رحلات الحج و العمرة تلك بمحاضرات لدعاة مختلفين تقدم بشكل حصري لهم دونا عن حجاج آخرين.
لذلك مع كل دعواتنا بأن يزيد الله المملكة العربية السعودية ثراءا و نعمة وخيرات حتى تقوم بأحسن الخدمات لضيوف الرحمان، و مع دعواتنا بان يزيد الله الميسور من فضله، نرجو أن يبقى الحج كما شرعه الله سبحانه و تعالى و كما أسس له نبيه صلى الله عليه و سلم، رحلة تكسر فيه ما نتوهم أنه عظمة أنفس في مقابل اعلاء صفة التذلل و العبودية لله سبحانه و تعالى، و لنتذكر دائما أنها رحلة العمر التي يجب أن نحصّل معانيها و ليست رحلة سياحية لنتصور أمام ساعة مكة المكرمة أو لكي نجلس في خيام هي كالأبراج العاجية التي يجب أن ينزل منها العبد عندما يكون في حضرة خالقه سبحانه و تعالى.
التعليقات (0)