وهكذا كان تجديد هوية المسلمين، وإحياء قيمها، ومفاهيمها في وعي الناس وعقولهم، أهم ما أكسب الحركة المباركة امتداداً زمانياً واتساعاً مكانياً حتى يرث الله الأرض ومن عليها في هذه الحركة التي باشر قيادتها ... وهلّم نستمع إليه، وهو يتحدث عن هذه القضية، ويرسخ أقدامها في حياة الناس، ويصارح الناس بانهيار الهوية الثقافية للمسلمين، وإن هذه المأساة تتطلب التضحية، والفداء: (أمّا بعد، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وإنّ الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الأناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله! فإنِّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما).
وكان إصلاح المنهج السياسي من مرتكزات النهضة الشريفة وأولياتها لإعادة القيم الإسلامية الخاصة بالحاكم إلى دنيا المسلمين التي تؤكد أن الحاكم في الإسلام أمين الأمة، ووكيل عنها في إجراء الدستور، وإقامة العدل بين الناس، وهو الذي يحفظ هوية الأمة التي رضيت به حكماً، فلا يخالف مصالح الجماهير، وليس للحاكم حقوق إضافية، في مال، أو جاه، أو مكانة على حساب المواطنين، وفوق حقوقهم المفترضة، مادية كانت أو معنوية..
---------------------------------------------------------------------
توالت الثورات بعد الثورة الحسينية منادية بالحق، والعدل، ومواجهة الطواغيت، ولولا هذه الملحمة العظيمة لما بقي الإسلام كما نزل على النبي (صلى الله عله وآله)، ولما حفظت تعاليمه.
الجانب الإنساني في الثورة الشريفة كان واضحاً جداً والنفس السوية ترفض الظلم وتكره الطغاة، وتسعى إلى العدالة بين الناس بغضّ النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم...
إنّ الطاقة التي تصدرها الثورة الحسينية تقتحم حدود زمانها ومكانها إلى زمان ومكان آخر وأفسح تؤثِّر عليهما، وتغيِّر من مسار ومفاهيم شعوب ذلك الزمان وذلك المكان؛ كون عاشوراء نهضة وثورة إصلاحية وليست انقلابية..
أنّ عاشوراء وإن كانت نهضة من أجل الدفاع عن قيم الدين وثوابته، لكنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كشف في خطابه العاشورائي، بأنّ ما نحن مقدمون عليه إنّما هو نابع ومتناغم أيضاً مع صميم الفطرة الإنسانية، الداعية إلى رفض كافة أنواع الاستبداد السياسي ، فخاطب (عليه السلام) الأعداء قائلاً: (إن لم يكن لكم دين ولا تخشون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم).
ومن أروع الملاحم وأصدقها ملحمة الطفّ، التي كان لها من المعاني والعبر والدروس التي أرهبت وهزت عروش الظلم والتسلط والعبودية على مدى القرون الماضية، وقد حاول الأباطرة بتيجانهم وأقلامهم وأفكارهم أن يغيروا من عبرها، لكن عظم الدروس التي سطرتها هذه الملحمة هيهات أن تتغير أو أن تمس بسوء؛ لأن العدل والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن تبدل أو يدنّس، ويا لعظم هذه الملحمة. ليس لأنها سطرت بيد أحد أولياء الله وخيرة عباده، بل لأنها ملحمة تغّير الشر الذي خلق مع بدء الخليقة، وتدحض الباطل بكل ألوانه، وآفاته، وترسم طريقاً لدولة الحق والعدل التي سنّها وأرسى قواعدها الخالق في رسالته السماوية التي أنزلها على رسوله وحبيبه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)...
---------------------------------------------------------------------
إن الثورة الحسينية انطلقت بعد أن دخلت الأمة في نفق التوقف والعجز عن مواصلة التقدم لأن التحولات التي حدثت في الحكم كانت تشير إلى أن الأمة تسير تراجعياً فيما الإسلام حالة تقدمية يهتم بالمستقبل وينظر إليه ؛ فثورة الحسين ثورة نظرت إلى المستقبل لأنها وجهت المخزون الثقافي الصحيح المتوائم والفطرة الإنسانية باتجاه رفض جميع أنواع الانحراف..
النهضة الحسينية خلقت انسجاماً اجتماعياً في منظومة القيم الأصيلة التي عطلت كل حالات التبرير لقبول تسلط الظلم والاستبداد..
مقتبس من كتاب (من وحي كربلاء)، وهو عبارة عن قراءات فكرية لرؤية الدكتور الجعفري للثورة الحسينية المباركة..
الكتاب يصلح أن يكون مداخل معرفية، للغوص في بحر الدماء الذي تلاطمت أمواجه في كربلاء.. حيث التضحية بالنفس، وكل ما كان نفيساً..
للاطلاع على النص الكامل، يرجى استخدام الرابط الآتي:
http://www.al-jaffaary.net/index.php?aa=news&id22=856
التعليقات (0)