من واقعنا الثقافي
لعلنا تكلمنا من ذي قبل وقلنا بأن الثقافة هي ( مجموعة النشاط الفكري والفني في معناها الواسع، وما يتصل بها من مهارات أو يعين عليها من وسائل)(1).
فحتى أكون مثقفا لابد من أن أحاول توفير وإتقان تلك المهارات ليؤجج النشاط الفكري بداخلي ومنه إلى الحصول على النشاط الفني الذي يمكنني من الحكم والتعرف بصورة فنية على النصوص التي تتطلب مني ذلك .. ولكن كيف أستطيع مزاولة هذا النشاط الفني؟.
بطبيعة الحال أتمكن من ذلك بواسطة الوسائل التي تمكنني ، وأهم تلك الوسائل القراءة التي هي مفتاح كل سر من أسرار هذا العالم الفكري والفني والثقافي الكبير.
فلو ألقينا نظرة ولو عابرة على واقعنا الثقافي سواء في الماضي أو الحاضر ... ماذا سنرى؟.
علّنا نصاب بخيبة الأمل ولو على أقل تقدير حساب الأعداد التي لا تبشر بخير .. والسبب يعود ربما أنه ليس هناك مقومات لتشجيع الثقافي لا من حيث القراءة ولا الكتابة ولا حتى على مستوى المكتبات.
فمثلا ليس هناك من يقرأ ( طبع القصد الأكثرية وليس العمومية )، وقد تكلمنا عن ذلك في مشاركتين مستقلتين ، ومن جهة الكتابة والتأليف .. فإذا كان ليس هناك من يقرأ فلمن تكتب وهذه سمة واضحة في معظم بلادنا العربية على النقيض تماما مع الدول الأخرى حيث يطبع أحيانا من كتاب واحد ملايين النسخ في أوروبا وأمريكا بينما يطبع الكاتب العربي في الدول العربية ألف نسخة مثلا من الكتاب وتبقى يعلوها الغبار على الرفوف .
وحتى من ناحية الترجمة حيث يذهب تقرير فيما يخص الجانب الفكري للمشهد العربي ( بأن العرب يترجمون سنويا 330 كتابا وهو خمس ما تترجمه دولة واحدة وهي اليونان)(2).
فالواقع القرائي والكتابي مزري في واقع الأمر وهذا أيضا له أسبابه ودوافعه وهناك سبب جوهري ورئيسي في هذا التراجع ، إلا وهو أننا لا نحاول تثقيف الطفل والنشء حتى يربوا ويتربى على حب الاطلاع وهناك أيضا في هذا الشأن كلام ينبأ عن ضحالة ما تحتويه مفكرة الطفل العربي من القراءة والثقافة .. ومن هذا يتضح أن ثقافتنا تولي الاهتمام بجانب واحد .. فهي تهتم بجانب الشعر والقصة والمقالة للكبار وتنحي بثقافة الطفل جانبا.
ولعل المتسبب في ذلك جهات عدة – أهمها:-
• الأسرة:- حيث يترك الوالدان الأطفال أمام شاشة التلفاز ساعات طوال من اليوم – وطبعا ليس قطعا أن كل ما يشاهده الأطفال من التلفاز جيد ولعل قائل يقول وليس بالضرورة أن كل ما يقرؤونه جيد أيضا ، ونقول نعم هذا صحيح ، ولكن يمكن لك من خلال الكتب أن تختار لهم ما يقرؤون أما بالنسبة للتلفاز فليس بإمكانك أن تختار لهم ما يشاهدون – والذات إذا كنت مشغول عنهم.
• البيئة:- عموما سواء أكانت الشارع أو المدرسة والتي يتركز فيهما العلاقة بالصديق فإذا كان الصديق وبالخصوص الصغير غير قارئ وغير محب للقراءة فلن ينح بالطفل الصديق إلى حب القراءة والاطلاع وهذا أيضا يرجع إلى تربية الأهل لذلك الطفل.
وعلى الأسرة أن تعمل على تحبيب الطفل للقراءة بأن تعمل على توفير مكتبة منزلية أو صحيفة فلو عملت ذلك لكان جيد.
وعلى المدرسة أن يكون لها دور إيجابي ، ونعني هنا بالمدرسة ليست المراحل المتأخرة فقط كالمرحلة الثانوية مثلا بل منذ رياض الأطفال ، فلابد أن يكون من أهداف المكتبة المدرسية :-
(1- مساعدة الطلاب على استكمال متطلبات تدريبات المنهج المدرسي من المصادر المختلفة.
2- توفير مصادر معلومات تعين الطالب على اكتساب الثقافة في المجالات المختلفة.
3- تنمية حب المطالعة وبيان أهميتها للوصول إلى منابع المعرفة .
4- ومن الأهداف للمكتبة المدرسية أيضا إعلاء قيمة الكتاب في نفوس الطلاب)(3).
وهذا يتطلب تعاون من إدارة المدرسة في توفير كل ذلك للطالب وعمل الجدول اللازم للزيارة الطالب للمكتبة بصورة دورية ومستمرة لتشجيع الطالب على تلك الزيارة وكذلك على اقتناء الكتب واستعارتها ومحاولة إهداء الطالب كتاب حيال تكريمه بدلا من بعض الأطعمة والألعاب الأقل فائدة من الكتاب.
وكذلك على أمين المكتبة استقبال الطلاب بوجه طلق هش بش وعدم استقبالهم بوجه مكفهر مما ينفر الطلبة وعندما يعلمهم لطريقة استخراج الكتاب وقراءته ووضعه في مكانه أو في المكان الذي يريده هو(أي أمين المكتبة) يكون ذلك بطريقة سلسة وتربوية..
فإن هم عوّدوا على ذلك أي على عشق الكتاب وحب القراءة من قِبل كل هذه الجهات سواء البيت أو الأصدقاء أو المدرسة أو غيرها. فإننا بحول الباري تعالى لن نصاب بداء الجوع الثقافي الذي يعاني منه الكثير منّا مع بالغ الأسف ..
ولكن واستدراكا نقول الحمد لله بدأنا نعي خطر هذا المرض ولهذا أخذنا في الآونة الأخيرة بمرحلة العلاج .. وذلك من خلال عدة أدوية ، ونذكر هنا دواء واحد فقط ونعلق عليه إلا وهو إقامة معارض للكتاب فمعارض الكتاب تعتبر علاج ودواء لداء الجوع الثقافي .. وإن كان البعض منها يحمل في طياته (عمل صالح وآخر سيء).
فأنت كقارئ أو كمبتدئ جديد تحب الاطلاع عندما تسمع بإقامة معرض للكتاب تذهب لتستقرء الوضع ولترى ما كتب هنا وهناك..
فإذا كنت مبتدئ وأنت كلك اندفاع نحو الجديد فتفاجئ أن هذا ممنوع وهذا لا يمكن أن ينشر.. وهذه الدور لا يحق لها المشاركة..الخ.
ولا سيما عندما تنحدر إلى الفكر الشيعي هذا الفكر اليتيم الذي لا ينشر له إلا القليل إذا ما قورن بغيره وبالخصوص في بلاد العرب والمسلمين؟!.
فمعارض الكتاب ربما هي المتنفس الوحيد للشراء بشكل حر والخروج للكتاب نفسه من أقفاص المكتبات الاعتيادية ، فإذا أنت تُمّنع والكتاب يقف عند حدود الجمارك!!
ولذلك ولهذه الأسباب نذهب ونقطع المئات من الكيلومترات لنرجع وليس في أيدينا ما يسد عوز العقل وما يشبع ظمأ الفكر!!.
ونبقى نصرخ في وجه من أغلق في عقولنا طريق الكلمات .. و من الجانب الآخر نقول لأنفسنا سنقرأ ونقول لشبابنا ولشاباتنا وكل مجتمعنا أقروا ولو من هذا الفتات الذي نلتقط حبه من هذه المعارض التي تقام لكي نعطي من هذا القليل .. فإنه لا ريب تاج على رأس الحرمان (لا تستحي من أعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه).
1- الحضور والمثاقفة – ص19 – محمد محفوظ -المركز الثقافي العربي.
2- فضل السكوت ولزوم البيوت- ص92،93 - منصور عبدا لجليل القطري- الدار العربية للعلوم.
3- العلاج بالقراءة كيف تصنع مجتمعا قارئا – ص50، 53((بتصرف))- حسن آل حمادة- دار المحجة البيضاء،دار الرسول الأكرم.
محمد المبارك - الاحساء
التعليقات (0)