المشهد الآن ميدان التحرير، يجمع يوميا بين النصف مليون والثلاثة ملايين، نصف مليون مرابطون ليل نهار، والباقون يتوافدون عليه زائرين، أو مستكشفين، أو متضامنين..
والسؤال كيف استطاع هؤلاء إدارة هذا المكان دون خسائر؟
كيف سيطروا عليه دون قوات أمن ضخمة؟
كيف يأكلون ويشربون وينامون ويقضون حاجتهم؟
كيف حدث ذلك من شباب طالما وصف بأنه تافه ليس لديه هدف عظيم يفكر فيه أو يعيش من أجله؟
ومن شعب طالما وصف من قبل زبانية النظام البائد بأنه شعب لم ينضج بعد وغير مؤهل للديموقراطية الآن؟
كيف استطاع إدارة شئونه في هذا المكان وهو غير مؤهل للديموقراطية؟
لقد رأيت عجبا!!
إدارة تلقائية، ونظام عفوي، وكفاءات تظهر، وقيادات تنمو وتزدهر في أرض الواقع، بالممارسة العملية، لا بالدورات النظرية..
كل ما يضمن بقاء الناس في الميدان مدة أطول معمول حسابه..
وأولى الأشياء تأمين الميدان من بلطجية النظام وقوات الأمن، خاصة بعد موقعة الجمل في يوم الأربعاء الأسود، مئات من المتطوعين يحرسون مداخل الميدان، ولا يحتاجون أكثر من أن تنادى إذاعة الميدان عن حاجتها لمتطوعين لمدخل عبد المنعم رياض، أو طلعت حرب، أو قصر النيل، فإذا طلبت عشرات هرع المئات، وإذا طلبت المئات، هرعت الألوف..
مهمتهم التأكد من هوية الداخلين وتفتيشهم، ومساندة القوات المسلحة، أو صدهم إذا فكروا في دخول الميدان أو السيطرة عليه..
ينام أهل الميدان ولا ينامون، ويرتاح أهل الميدان وهم قائمون، يحرسهم الإيمان، وحداؤهم " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" وأهل الميدان كلهم حراس يتناوبون، فأنت اليوم نائم، وغدا حارس، وأنت الساعة مؤمَّن، وبعد ساعة مؤمِّن..
وأما الطعام فمعظمه بروح التكافل، فاللقمة يقتسمونها، وطعام الواحد يكفى الاثنين، والاثنين يكفى الثلاثة، ولا يخلوا الميدان من تبرعات المتضامنين، متمثلة في السندوتشات، والعصائر، والتمور التي تعطى الطاقة، ولا تعوز إلى قضاء الحاجة..
وأما النوم ليلا فقد انتشرت الخيام في تنسيق عجيب.. هنا أبناء الشرقية.. وهنا أبناء الغربية.. وهنا أبناء أسوان.. وهناك أبناء حلوان.. وفى تلك الناحية خيمة مكتوب عليها فيلا أبناء 15 مايو، ومن لا يجد يستعن بالله، ويلتحف السماء، وينام قرير العين متلذذا بطعم المجاهدة، فيصحو وقد التف جسده ببطانية لا يعرف مصدرها..
في أحد المساجد الصغيرة بجوار الميدان مستشفا ميدانيا من أطباء الثورة وطبيباتها في مختلف التخصصات، وجميع الأدوية، يتناوبون على خدمة الثوار بلا كلل أو ملل، فضلا عن النقاط العلاجية المنتشرة في أنحاء الميدان..
الميدان كل يوم صباحا يصير أنظف من شوارع باريس، مجموعة من أزهر شباب مصر وشاباتها يقومون بتنظيف الميدان وكنسه، يحملون ما جمعوه إلى مكان أهِّل لذلك كتب عليه "هنا مقر الحزب الوطني الجديد"
حتى شحن بطاريات الهواتف المحمولة فقد تكفل بها شباب الثورة، في نقاط انتشرت في كل أنحاء الميدان..
كل شيء يسير بنظام ثابت، حتى قضاء الحاجة، ودخول دورات المياه، وقد صنع شباب الثورة المتخصصون من جراكن المياه الكبيرة أحواض للوضوء، ومباول للتبول، وأوصلوها بشبكة الصرف الصحي في الميدان؛ للقضاء على الزحام..
هذا هو شباب الثورة، الذي قال عنه عصابة النظام البائد زورا وبهتانا " شباب تافه لا يتحمل تبعات ولا مسؤليات الديموقراطية"
محمد عبد الفتاح عليوة
ostaz_75@yahoo.com
التعليقات (0)