ليس من السهل على الذي يعيش في قلب الأحداث ويشارك في صنعها أن يكتب عنها بشكل موضوعي أو تحليلي لكنها مشاهدات عاينتها ومشاعر عشتها ونظرات التحدي رأيتها في عيون الثوار الذين يسمونهم محتجين أو معارضين أو معتصمين هذه تسميات لا أساس لها من الواقع الشباب في ميدان التحرير ليسوا محتجين ولا معارضين ولا معتصمين من اجل مطالب فئوية بسيطة لكنك تستطيع أن تطلق عليهم كلمة ثوار بكل ما تحمل الكلمة من معنى ثوار يريدون إسقاط النظام برمته ثوار يريدون تغييرا شاملا أولى خطوته رحيل راس النظام الرئيس مبارك..
الناس خارج الميدان على اختلاف توجهاتهم يتحدثون عن مظاهرات واحتجاجات والناس داخل الميدان على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية يتحدثون عن ثورة يشعرون بالثورة ويقولون مطالب الثورة وأهداف الثورة ونجاح الثورة شعورهم بالثورة يقويهم ودماء الشهداء التي سالت على أرض ميدان تغذيهم إن فكرت وأنت واحد منهم أن تتراجع أو تتخاذل قابلت نظرات التحدي وعيون الإصرار تنفخ فيك الروح من جديد وتغذيك بإحساس التحدي والصمود فلا تملك مشاعر التخاذل إلا أن تتوارى خجلا أمام هذا التحدي الرهيب في عيون الثوار والصور المعلقة في الميدان للشهداء الأبرار..
الثوار في ميدان التحرير إما إن يعيشوا أحرارا كرماء في وطن كريم وإما أن يموتوا تحت عجلات عربات الأمن المركزي أو مجنزرات الدبابات التي ترابط على مداخل الميدان فتكون دماؤهم الزكية وأرواحهم الطاهرة هي وقود العزة الذي يشعل ليس ثورة واحدة ولكن ثورات على كل من تسول له نفسه أن يستعبد هذا الشعب من جديد..
في الميدان ترى الروح روح الأشياء ولا ترى تلك القطعان من أشباه الحيوانات التي كانت تقابلك في كل لحظة من لحظات حياتك ليس لهم هم إلا أن يأكلوا ويشربوا ويتناسلوا وأن يرزقوا الستر عن أعين النظام وأتباعه حتى نحت الحيط من كثرة ما حك من هذا القطيع الذي كانت وصيته الغالية يقدمها لذراريه الهزيلة " يا ابني امشي جنب الحيط" ترى أناس تكفيهم اللقمة يقتسمونها بينهم في حب وصفاء وتملأهم روح العزة والوطنية والاستعداد التام للفناء في سبيل الوطن إذا طلب منهم عشرات من المتطوعين لتأمين المداخل ترى المئات مهرولة مسرعة وإذا طلب منهم المئات ترى الآلاف إنك تستطيع أن تقول أن الروح قد تحررت من أسر الخوف والشهوات فصارت هي التي تتحكم بكل خفتها ورونقها وجنوحها إلى السماء في الأجساد ولا تسمح للأجساد بكل ثقلها والتصاقها بالأرض أن تتحكم فيها..
يقولون أن ثوار الميدان بؤساء جوعي معرضون للخطر مثيرون للشفقة والعطف ووالله إن من خارج الميدان هم المستحقون للشفقة وهم المأسورون حقا.. وإلى لقاء آخر من قلب الميدان..
التعليقات (0)