من مفارقات ثورة 14 جانفي المجيدة
الانتهازية تكشر عن أنيابها!
- البشير عبيد
لا يختلف اثنان في أن الثورات التي تكنس الأنظمة الاستبدادية عادة ما تخلف وراء الرماد،بعض المظاهر الدالة على سلوك بعض الأفراد الموغل في الانتهازية و النفعية مما يجعل المر|أمصابا بحالة لا وصف لها من الدهشة و الذهول ،ذلك إن ثورة الشعب التونسي الجريح الطالع من كوابيس القمع والنهب و الاستغلال و الاستبداد لم تستكمل مهامها و أهدافها الرئيسية المتمثلة في القطع نهائيا و إلى الأبد مع منظومة الحكم الدكتاتوري و ا يمثله هذا الحكم اللا شرعي و اللا ديمقراطي من قوانين و تشريعات فصلت على (مقاس)بن علي و أتباعه و أزلامه من اجل الاستفراد بالحكم و المال والسلطة.ولكي يفهم المتبع لتطورات و حيثيات الثورة التونسية ،داخل البلد و خارجه،سنعطي بعض الأمثلة لتوضيح المسافة بين الخطاب و الممارسة.
أحزاب طالعة من البناء الفاسد
ليس خافيا على احد أن كثيرا من (الأحزاب)التي تحصلت على تأشيرة العمل السياسي ،تحت أسماء و مسميات متعددة، مدعية الدفاع عم الفكر البورقيبي الدستوري، هي في الحقيقة خارجة من رجم التجمع المنحل الذي كان يمثل تنظيم العصابة أو المافيا الحاكمة سابقا.فهل يعقل أن ، (رجالا)اشتغلوا مع بن علي و قبضوا منه أموالا طائلة مقابلة خدماتهم السياسية التسويقية لحكمه البائس يطلعون على الناس في هذه الأيام مدعين أنهم كانوا مجبرين على تنفيذ الأوامر و التوجهات النوفمبرية : هكذا يصل بن المطاف إلى حد سماع هؤلاء المناشدين و المطبلين لنظام بن علي و كان ثورة بطم طميمها لم تحدث ولم يهرب و الطاغية و زوجته و البعض من مافيته إلى الخارج.إن هذا الأمر مخجل و يقيم الدليل على الشعوب حتى في لحظات ثوراتها لمجيدة، لا تخلو من الانتهازيين و الأصوليين الذين ليس في قواميسهم سوى مصطلحات النهب و السلب و الكذب و البهتان و (قلبان الفيسة)و التلون كالحرباء. لكن نسي هؤلاء أو تناسوا أن الشعب التونسي بكل أحراره و أطيافه الفكرية و أحزابه السياسية الحقيقية و نخبه التي قاومت بن علي و حكمه الدكتاتوري ونادت و كافحت بكل الوسائل المتاحة لإسقاط حكمه و التشهير به في الداخل و الخارج، إن هذا الشعب بكل هذه الفسيفساء العجيبة،لا يمكنه أن ينسى هؤلاء الانتهازيين لان ذاكرة هذا الشعب عادة ما ترسخ في دفاترها أسماء المناشدين و أزلام و أتباع و أذيال و خدم الطاغية.إن الأكذوبة الكبرى التي يبثها هؤلاء لن تنطلي على أطياف و أحرار شعبنا الأبي و سوف يلفظهم في قادم الأيام و هذا ما أكده التاريخ القديم و الحديث و المعاصر،فالثورات لا تعترف إلا بأولادها الشرعيين .
شعراء أخر زمان:يمجدون الثورة!
فئة أخرى من الانتهازيين طلعت علينا هذه الأيام و كأنها اكتشفت قارة جديدة أو كوكب جديد لا نعرفه إلى حد اللحظة.هؤلاء ليس لهم من عمل في الدنيا سوا امتطاء الحصان الرابح.هؤلاء فكروا كثيرا و في الأخير أعلنوا انتماؤهم للفكر الثوري بنسخته التونسية .هذا الأمر مفهوم، فحسب نظرتهم للأشياء وتصوراتهم الانتهازية لتحولات التاريخ و الشعوب ، يكون من الطبيعي أن يركب الواحد منهم القطار وهو يسير بسرعة فائقة،مخافة أن يصيروا ارج التاريخ و الجغرافيا معا .أمر غريب أن يحدث هذا:فكيف يكون بإمكان احد ( الكتبة)المشكوك في موهبته الشعرية أو النثرية و المنظم للأمسيات والندوات النوفمبرية الإمساك بقلمه الخالي من الحبر الصافي ،لكتابة بعض (مقالات)في صحيفة (حقائق)للتنديد بممارسات شقيقة المخلوع حياة في مدينة أكودة، والحال إن هذا المتطفل على الثقافة و الكتابة عموما كان يمجد صباحا مساءا و يوم الأحد على حد تعبير شاعرنا الصغير أولاد احمد سيده بن علي في صحف العهد البائد ك( الحرية)لسان التجمع المنحل أو مجلة (حضرموت) الصادرة من مدينة سوسة التي حضر لها الموت أخيرا.هذا العضو في اتحاد (الكتبة)التونسيين ،المكتشف أخيرا للفكر الثوري قام مؤخرا بمبادرة فريدة من نوعها!!ألا وهي تنظيم أمسية شعرية ثقافية تحت عنوان جداريه الثورة التونسية بدار الشباب بمدينة القلعة الكبرى مستدعيا بعض (شعراء ) اتحاد الكتبة السيئ الذكر الذي جعله الدكتاتور الهارب مثل قطعة قماش يمسح بها يديه الملطختين بدماء شهدائنا الأبرار و ضحايا العهد البائد.فعلا،هؤلاء لا يخجلون و يؤكدون للجميع أنهم من فصيلة نادرة مهددة بالانقراض في كل لحظة .
إعلام العهد البائد و لغز الاستمرارية
ليس بالأمر العسير أن يتفطن أي متابع للمشهد الإعلامي التونسي بتعبيراتها المختلفة(السمعي البصري و المكتوب)أن هذا القطاع مازال يسير ببطء كبير ولم يتناغم كليا مع متطلبات المرحلة، بدليل تشابه البرامج و العناوين و المقالات و التحاليل ،فقلة نادرة من هذا الزخم الإعلامي ممسكة بالقدر الكافي من المهنية و الموضوعية،أما الجانب الأخر فهو النقطة المظلمة في هذا القطاع كان نرى مواصلة رموز العهد البائد مهامهم اللامية و كان شيء لم يحدث في هذا البلد .احدهم مازلنا صحيفتيه في الأكشاك و هو المعروف بتشهيره بكل رموز العارضة و الحركة الحقوقية في زمن الطاغية، كذلك مازلنا نرى أسماء تدير أهم الصحف اليومية و هي أقلام عرفت بتسويقها للخطاب السياسي البغيض لحكم بن علي .و كثير من هؤلاء ناشد و كتب ونظر للنموذج (الديمقراطي) الفريد من نوعه في المنطقة العربية!!و كان تونس لا تضم إلا السذج و البلهاء،علما بان البيوت و المكتبة الوطنية والمكتبات العمومية مازالت تحتفظ بكل المجلات و الجرائد المناشدة لبن علي و المشيدة صبيحة كل يوم بحكمة و عقلانية و بعد نظر حكمه.بإمكاننا هنا أن نوزع مجانا كل هذه الأطنان من الجرائد الصفراء التي تتقزز منها الأبدان على كل مواطن من بنقر دان إلى بنزرت من اجل فضحهم و بشكل علني لأنهم لا يخجلون من أنفسهم و لم تربكهم إلى ألان صيحات الضحايا و الدموع التي سالت من عيون كانت شاهدة بشكل استثنائي على مظالم فضائع حكم الدكتاتور الهارب ، علما بان الذين ذكرناهم سالفا هم أهون من بيت العنكبوت!
التعليقات (0)