من مذكرات دحيم الرمضانية الحلقة الثانية

وفورَ انتهاء الصلاه ، وحين تنشفُ من وجوهنا المياه ، نقفزُ من المسجد قفزا ونصارعُ بعضنا نحزاً ودزا ، فمن دافر للناس بكوعه ، وفاغرٍ فاه من شدة جوعه ، وحين يكثر الدفارْ ، يضج صوت صارخ : البدارْ البدارْ ، حان وقتُ الفطارْ ،وعندما تفكُ أسرنا الزحمهْ ، ونعدو كالمهابيلِ في العُتمه ، نخبط الارض في عدونا خبطا ، فننطها كالكنغر نطا ، وأكبادنا منبطةٌ من الجوع بطا ، فلا ندري أفي الأرض نحن أم السماء ، وهل نحن سائرون ام قاعدون القرفصاء ، وفجأة يجتاحنا النداء ، كأنه في قصفه البلاء، مرددا ؛ البدارَ البدارْ ، حان وقت الفطارْ ، فلا نشعرُ بنا إلا في صحن البيتْ ، وواحدنا مما حل به كأنه ميْتْ ، فنزحفُ للمطبخِ زحفا ، لنأخذه دورانا ولفا ، متوسلينَ بالفرنِ ( تكفى ) ، فأصرخُ يا بنت الناسْ ، أين الطنجرةُ والملاسْ ، وأين السمبوسةُ والشوربهْ ، واللقيماتُ والكبهْ ، والشعريةُ والجلي ، والمعكرونةُ وأم علي ، فتتوسلُ بي المسكينةُ بالصبرْ ، وعذرها أنها تكرفُ من الظهرْ ، وتذرعُ المطبخَ كالرهوانْ ، كأنها شمبانزي أو بهلوانْ ، متلويةً كالافعوانْ ، ومن شدة لهثها الدؤوبْ ، لم تصلّ الظهرين إلا عند الغروبْ ، وكدتُ التمسُ لها العذرْ ، لولا دويٌّ يجلجلُ فوقي كأنه الصخرْ ، ينادي البدارَ البدارْ ، حان وقتُ الفطارْ ، فصرختُ في وجهها تأخر الفطور ، وهل سيمهلكِ الوقتُ لإعداد السحورْ ، وعندها تتطايرُ الصحونُ في السفرهْ ، فلا تبصر من هذه المعركة سوى الغبرهْ ، وحينها أفترسُ الاكل افتراس مودعْ ، فلا أبقي ولا أذر ولا أنسّعْ ، فلو اطلعتَ عليّ لوليت مني فراراً وغبا، ولملئت مني خرعةً ورعبا ، وبعد مسح الصحون وتنظيفها ، وشفطِ الجدورِ وتجفيفها ، اسأل عن الحلو والبيتفور ، والفستق والكازو ولبن العصفور، ثم استلم الريموت ، آمرا الكل بالسكوتْ ، فأبدأ جولتي في القنوات بلا محاذير ، من أغانٍ ومسلسلاتٍ وفوازير ، ومن طاش ما طاش وأخواتها ، الى سكتم بكتم ومثيلاتها ، ثم اذا اشتقت البكاء والعويل ، والسباب والشتائم وما إلى هذا القبيل ، عرجتُ على المسلسلات الخليجية ، لأجد بها ضالتي المبغيه ، فأبقى كذلك حتى السحور ، دون كلل ولا فتور ، ثم اصرخ البدارَ البدار ، هاتوا السحور لنتهيأ للإفطار