مواضيع اليوم

من مذكرات دحيم الرمضانية الحلقة الأولى

زكي السالم

2011-08-10 17:57:35

0

حدثنا عَبودُ سليّم ، وهو يُحدّقُ فِي تَركَةِ شَقيقِه دحيّمْ ، والذي وافاهُ الأجلُ المحتومْ ، قبلَ يومٍ مِن مقدمنا المشؤومْ ، فقد مَشى المِسكينُ مُهرولاً إلى نَحبِه ، ملبياً في سيرِهِ نداءَ ربـه ، تاركاً لأخيهِ الأصغرِ مُذكراتِهِ وخَواطرَهْ ، والتي ملأ بِها كَشاكِيلَهُ ودَفاتِرَهْ ، لَم يكنِ العثورُ عليها بالأمرِ اليَسيرْ ، فقد كانَت مخبأةً في الدارِ كالسرِّ الخطيرْ ، ودحيِّم الذي لا تجوزُ عليه إلا الرحمةْ ، كان في غبائِه أشبهَ بالفقمةْ ، فمن كان مثلي يعرفُ دحيِّم ، يُدركُ أنَّ عقلهُ كالجزمة القديمةِ مُجيِّمْ ، فلقد سبر لِيَ الدهرُ غورَهْ ، وكشفَ قبل جهرِهِ سرَّه ، وإلا كيفَ يُوصِي بوصاياه ، ولم يُشعرْ بمكانِها أخاه ، فبقي عبودُ يبحثُ عنها دهرا ، حيثُ لم يترك في الدار شبرا ، وبعدَ أن نفضَ البيتَ نفضا ، وأشبعَ جسدَهُ عَضا ، وجدها كطفلٍ يتيمْ ، مدفونةً في الليوانِ القديمْ ، مربوطةً حتى الخنقِ بغُترةٍْ ، وقد علتها الغبرةْ ، وبعدَ أن نفضَ عنها الترابْ ، نظرَ فيها نظرةَ استغرابْ ، فما عسى أن تحويهِ من نفائسْ ؟، أو تُضمرَهُ من دسائِسْ ؟، خاصةً أنها رُصتْ في مجلدينْ ، وقد علتها الصفرةُ من الجنبينْ ، فبدأ يقلبُها ردحاً طويلا ، ويُشبعُها لثماً وتقبيلا ، ويَشمُها فخراً وتيها ، ليقرأَ ما دُبج فيها ، يبدأُ دحيّمُ يومياته من رمضانْ ، فالفكرةُ لم تخطر بباله إلا أواخرَ شعبانْ ، وقد حملتْ الصفحةُ الأولى هذا العنوان :

 

بلاوينا في رمضان


اليوم هو الأولُ مِن رمضانْ ، وفيه حربُ يومِ الغُفرانْ ، حينَ انتصرَ العربُ على إسرائيلْ ، جاعلين كيدَهم في تضليلْ ، ولكن لم تكتملِ الفرحةْ ، فكانَ النصرُ أشبهَ بالمزحةْ ، فقَلبتِ إسرائيلُ هذا الانتصارْ ، بفتحها ثغرةً في ( الدفرسوارْ ) ، وأصبحَ شارونُ الغَثيثْ ، يتغنجُ في غربِ القناةِ كالخنـ ...، فلواؤه صار اثنينْ ، ثمَّ ثلاثةً في غمضةِ عَينْ ، فأصبحَ من العسير إخراجُهْ ، ولو شَخبتْ على أثباجِهِ أوداجُهْ ، فقُلبَ النصرُ هزيمةْ ، والجيشُ الثالثُ غَنيمةْ ، فلا داعي لجرِ المواجعْ ، فهي تصكُ الرأس كالمدافِعْ ، وانتقلُ إلى يومياتي ، والتي دأبتُ عليها حياتِي ، سأحكي لمن يقرؤني روايةْ ، ومنها أبدأُ الحكايةْ ، فأقولُ كنا نصومُ شهراً يُسمى رمضانْ ، محشوراً بينَ شوالَ وشعبانْ ، أيامُه تبلغُ تسعةً وعشرينْ ، ونادراً ما تُناطحُ الثلاثين ، ، فنحنُ نستقبلُ رمضانْ ، استقبالَ الجائعِ الفجعانْ ، ثم نستعجله استعجالَ العاشقِ الولهانْ ، وبخلافِ غيرهِ من الشهورْ ، نبدؤه بضربِ الخمسِ على السحورْ ، وعقولُنا مشغولةٌ بالفطورْ ، فبين اللقمةِ والأخرى ، يتغنغصُ الأكلُ في المَجرى ، فيلعنُ أسلافَنا البُلعومْ ، لِفرطِ ما أذقناهُ من الهُمومْ ، وإنْ سألتنا ما الداعي ، لهذا الهبشِ الجماعي ، نُجبكَ بأن يومَنا طويلْ ، وحِملَنا فيه ثقيلْ ، والنومُ للعصاري ، يجعلُ الرأس في دوارِ ، فبعدَ أن نلتهمَ الكبسةْ ، نعدو إلى المرقد في خِلسةْ ، فنعزفُ بالشخيرِ أوركسترا ، وننقلبُ للجانبِ الآخر ظُهرا ، فكأننا من أهلِ الكهفْ ، فلا يُزلزلنا حتى الخَسفْ ، وقبلَ أذانِ المغربِ بساعةْ ، نهبُ منَ النومِ جماعةْ ، وننطلقُ للمسجدِ كالبرقْ ، فلا نعرفُ غربنا من الشرقْ ، وقبلَ دخولنا نتعثرُ في النِّعلةْ ، وساعةً نبحثُ فيها عن القبلةْ ، ونحن نصرخ البدارَ البدارْ ، حانَ وقتُ الفِطارْ ، فيسمعُنا الإمامُ من بعيدْ ، وهو في محرابه قعيدْ ، فهو في رمضانَ يأتِي قبلَ الناسِ بساعةْ ، خائفاً من مَلامةِ الجماعةْ ، والأعذارُ التي في الفِطر يُلقيها ، لا مكانَ لها في رمضانَ يحويها ، فالإمامُ الذي في أمِّه خيرْ ، فليحدثْ نفسَه بالتأخيرْ ، فَالقومُ سيسلقونه بألسنةٍ حدادْ ، إن فكرَ أن يَخرج َ عن المعتادْ ، ولن يفكرَ في التأني يوما، فهو أعجلُ منهم دوما ، وحينَ يسمعُ صراخنا : البدار البدارْ ، حان وقتُ الِفطارْ ، يُحدثُنا عن فوائدِ التخفيفْ ، قائلاً إن في الناسِ المريضَ والضَعيفْ، والأعرجَ والكفيفْ ، وفيهمُ المستعجلُ والمنحاشْ ، والمصلي وفي ذهنه طاش ما طاشْ ، فيكلفُ للأذانِ ثلاثةْ ، لتسمعَ في المسجد هديرَ نفاثةْ ، فواحدٌ يعلوهُ الوقارُ والسمتْ ، يُؤذّنُ للناسِ قبلَ الوقتْ ، وآخرُ تدفعُه الشهامةْ ، لينوبَ عنِ الإمامِ في الإقامةْ ، وثالثٌ يعدو بينهما في دوامةْ ، فنبدأُ الصلاةَ بالعجلْ ، كأن في صلاتنا الأجلْ ، والواقفونَ في الصفِّ الأخيرْ ، يشرعون قبل الصف الأولِ بالتكبيرْ ، وبعد أن يُسلّمَ الإمامْ ، لا يُعرفُ الخلفُ من الأمامْ ، فيقفزُ الصوتُ عالياً بالنداءْ ، حتى يصكَّ مسمعَ السماءْ ، : البدارَ البدارْ ، فقد دنا وقتُ الفطارْ




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات