مواضيع اليوم

من قصص العرب(6)

الحسين وافق

2010-07-27 20:51:29

0

                                                هَلُمّ إليَّ أُكافِئُك 

كان أبان بن عثمان من أهزل الناس ، فبينما هو مع أصحابه وعنده أشعب ، إذ أقبل أعرابي معه جمل أشقر  أزعر (شرس) يتلظّى (يتقد غضبا) كأنه أفعى ، والشرّ بيّن في وجهه ، ما يدنو منه أحد إلاّ شتمه ونهره . فقال أبان : ادعوه لي ، فدعوه ، وقيل : إن الأمير أبان بن عثمان يدعوك ، فأتاه فسلّم عليه . فسأله أبان عن نسبه ، فانتسب له ، فقال له أبان : حيّاك الله يا خال ، اجلس فجلس .

فقال له : إني أطلب جملا مثل جملك هذا منذ زمان ، فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة وهذه الهامة والصورة والورك والأحفاف ، والحمد لله الذي جعل ظفري به عند من أحبّه ، أتبيعنيه؟ فقال : نعم أيها الأمير . قال : فإني قد بذلت لك به مائة دينار ، فطمع الأعرابي وسُرّ وانتفخ وبان الطمع في وجهه . فأقبل أبان على أشعب ، ثم قال له : ويلك يا أشعب ، إن خالي هذا من أهلك وأقاربك (يعني في الطمع) فأوسع له ممّا عندك ، فقال :نعم ، بأبي أنت وزيادة . فقال له أبان : يا خال ، إنما زدتك في الثمن على بصيرة أن الجمل يساوي ستين دينارا ، ولكني بدلت لك مائة دينار لقلة النقد عندنا ، وإني معطيك عروضا ( كل ما سوى النقدين) تساوي مائة دينار .  فزاد طمع الأعرابي ، وقال : قد قبلت ذلك أيها الأمير . وأسَرّ أبان إلى أشعب ، فأخرج شيئا مغطى . فقال : أخرج ما جئت به ، فأخرج عمامة بالية تساوي أربعة دراهم ، فقال له : قوّمها يا أشعب . فقال : عمامة الأمير يشهد فيها الأعياد والجُمَع ويَلقَى فيها الخلفاء ، خمسون دينارا . قال : ضعها بين يديه . وقال لكاتبه : اُثبت قيمتها فكتب ذلك ، ووضعت العمامة بين يدي الأعرابي فكاد يدخل بعضه في بعض غيضا ولم يقدر على الكلام . قال أبان : هات قلنسوتي ، فأخرج أشعب قلنسوة طويلة بالية قد علاها الوسخ والدهن وتخرقت تساوي نصف درهم . قال : قوّم . فقال : قلنسوة الأمير تعلو هامته ويصلي فيها الصلوات الخمس ويجلس فيها للحكم ، ثلاثون دينارا . قال لكاتبه : أثبت ، فأثبت  ذلك . ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي ، فاربدّ وجهه ، وجحظت عيناه ، وهمّ بالوثوب ، ثم تماسك . ثم قال أبان لأشعب : هات ما عندك . فأخرج خُفين خَلَقين قد نُقبا وتقشرا وتفتتا ، فقال : قوّم ، قال أشعب : خُفّا الأمير ، يطأ بهما الروضة (أي الروضة الشريفة) ويعلو بهما منبر النبي صلى الله عليه وسلم، أربعون دينارا . فقال : ضعها بين يديه ، ثم قال للأعرابي : اضمم إليك متاعك . وقال لبعض الأعوان : امض مع الأعرابي واقبض ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع وهو عشرون دينارا .

فوثب الأعرابي ، فأخذ القماش ، فضرب به وجوه القوم لا يألو في الرمي . ثم نهض كالمجنون حتى أخذ برأس بعيره وانصرف . فضحك أبان حتى سقط ، وضحك من كان معه .

فكان الأعرابي بعد ذلك إذا لقي أشعب ، يقول له : هلمّ إليّ   حتى أكافئك  على  تقويم المتاع يوم قوّمت . فيهرب منه أشعب 

                                                                                                 كتاب نهاية الأرب للنويري 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !