كان معاوية يعيب على عبدالله بن جعفر سماع الغناء ، فأقبل معاوية عاما حاجّا ، فنزل المدينة . فمرّ ليلة بدار عبد الله بن جعفر فسمع غناءً على أوتار ، فوقف ساعة يسمع ، ثمّ مضى وهو يقول : أستغفر الله ، أستغفر الله .
فلمّا انصرف من آخر الليل مرّ بداره أيضا ، فإذا عبد الله قائم يصلّي ، فوقف ليسمع قراءته ، فقال : الحمد لله ، ثمّ مضى وهو يقول :< خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم > .
فلمّا بلغ ابن جعفر ذلك أعدّ له طعاما ، ودعاه إلى منزله ، وأحضر ابن صيّاد المغنّي ، ثمّ تقدّم إليه وهو يقول : إذا رأيت معاوية واضعا يده في الطعام ، فحرّك أوتارك وغنّ . فلمّا وضع معاوية يده في الطعام حرّك ابن الصيّاد اوتاره وغنّى بشعر عديّ بن زيد ، وكان معاوية يعجب به :
يا لُبينى أوقدي النارا إنّ من تهوين قد حارا(1)
رُبّ نار بِتُّ أرمقها تقضم الهنديّ والغارا(2)
عندها ظبي يؤججها عاقد في الخصر زُنّارا(3)
فأعجب معاوية غناؤه حتّى قبض يده عن الطعام ، وجعل يضرب برجله الأرض طربا . فقال له عبد الله بن جعفر : ياأمير المؤمنين ، إنّما هو مختار الشعر يركب عليه مختار الألحان ، فهل ترى به بأسا؟ قال : لا بأس بحكمة الشعر مع حكمة الألحان .
الشرح المعجمي: 1- حارا : ضل / 2- الغار : شجر طيب الرائحة / 3 - زنّار: ما على وسط النصارى والمجوس
التعليقات (0)