مواضيع اليوم

من فصص العرب(7)

الحسين وافق

2010-07-31 02:08:12

0

 خُدعة مُعاوية 

سمع يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بجمال زينب بنت إسحاق زوجة عبد الله بن سلام ، وكانت من أجمل النساء في وقتها ، وأحسنهن أدبا ، وأكثرهن مالاً ، ففتن بها . فلما عِيلَ صبره ذكر ذلك لبعض خاصة أبيه ، واسمه رفيق ، فذكر ذلك لمعاوية ، وقال له : إن يزيد قد ضاق ذرعه بها . 

 بعث معاوية إلى يزيد ، فاستفسره عن أمره ، فبث له شأنه . فقال : مهلا يا يزيد . فقال له : علام تأمرني بالمهل وقد انقطع منها الأمل؟ فقال له معاوية : فأين مروءتك وحِجاك وتُقاك ؟ فقال : قد عِيل الصبر ، ولو كان أحد ينتفع فيما يبتلى به من الهوى بتقاه ،أو بدفع ما أقصده بحجاه ، لكان أولى الناس به داوود حين ابتلي به . فقال : أكتم يا بني أمرك ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولابد مما هو كائن . وأخذ معاوية في الاحتيال في تبليغ يزيد مُناه . فكتب إلى زوجها عبد الله بن سلام ، وكان استعمله على العراق : أن أقبل حين تنظر كتابي لأمر فيه حظك إن شاء الله تعالى فلا تتأخر عنه . فأغدّ عبد الله السير ، وقدِم فأنزله معاوية منزلا كان قد هُيئ له . وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء ، فقال لهما معاوية : ... قد بلغت لي ابنة أريد زواجها ، والنظر في اختيار من يباعلها ، ولعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتبع فيه أثري ، فإنه قد يلي هذا الملك بعدي من يغلب عليه الشيطان ، ويحمله على تعضيل البنات ، فلا يرون لها كفئا ولا نظيرا ، وقد رضيت لها ابن سلام القرشي ، لدينه وشرفه  وفضله ومروءته وأدبه. فقالا  له : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها  وطلب مرضاته  فيما اختصه  لأنت .  فقال لهما معاوية : فاذكرا له  ذلك عني ، وقد كنت جعلت لها في نفسي  شورى ، غير أني أرجو ألا تخرج من رأيي إن شاء الله . 

فخرج أبو هريرة وابو الدرداء إلى عبد الله بن سلام وذكرا له القصة . 

ثم إن معاوية دخل على ابنته ، وقال لها : إذا دخل عليك ابو هربرة وأبو الدرداء فعرضا عليك أمر عبد الله بن سلام ، وحضاك على المسارعة إلى اتباع رأيي فيه ، فقولي لهما : إنه كفء كريم ، وقريب حميم ، غير أن تحته زينب بنت إسحاق ، وأخاف أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله تعالى فيه ، فيعذبني عليه ، ولست بفاعلة حتى يفارقها .

فلمّا اجتمع أبو هريرة وابو الدرداء بعبد الله بن سلام وأعلماه بقول معاوية ، ردّهما إليه يخطبان له منه . فقال معاوية : قد علمتما رضائي به وحرصي عليه ، وكنت قد أعلمتكما الذي جعلت لها في نفسها من الشورى ، فادخلا عليها ، واعرضا عليها الذي رأيت لها . فدخلا عليها وأعلماها  ، فقالت لهما ما قاله معاوية لها ، فرجعا إلى ابن سلام وأعلماه بما قالته . 

فلما ظن أنه لايمنعها منه إلا فراق زينب أشهدهما بطلاقها ، وأعادهما إلى ابنة معاوية . فأتيا معاوية وأعلماه بما كان من فراق عبد الله زوجته رغبة الاتصال بابنته . فأظهر معاوية كراهة فعله ، وفراقه لزينب ، وقال : ما استحسنت له طلاق امرأته ولا أحببته ، فانصرِفا في عافية ثم عودا إليها وخذا رضاها . فقاما ، ثم عادا إليه . فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها عن رضاها ، وقال : لم يكن لي أن أكرهها ، وقد جعلت لها الشورى في نفسها . فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام امرأته لِيَسُرّها ، وذكرا من فضله وكمال مروءته وكرم مَحتِده . فقالت لهما : إنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعرفان أن الأناة في الأمور أرفق ، لما يخاف من المحذور ، وإني سائلة عنه حتى أعرف دِخلة أمره ، وأعلمكما  بالذي يزينه الله لي ، ولاقوّة إلا بالله . فقالا : وفقك الله ، وخَارَ  لك . وانصرفا عنها ، وأعلما عبد الله بن سلام بقولها فأنشد :

 إن يكُ صدر هذا اليوم ولّى        فإن غداً لناظره قريب . 

وتحدث الناس بما  كان من طلاق عبد الله زينب ، وخطبته ابنة معاوية ، ولامُوهُ  على مبادرته بالطلاق قبل إحكام أمره وإبرامه . ثم استحث عبد الله أبا هريرة وأبا الدرداء ، فأتياها ، وقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة ، واستخيري الله ، فإنه يهدي من استهداه . فقالت : أرجو  أن يكون الله قد  خار  لي ، وقد استبرأت أمره ، وسألت عنه ، فوجدته غير ملائم ، ولا موافق لما أريد لنفسي . ولقد اختلف من استشرته فيه ، فمنهم الناهي عنه ، ومنهم الآمر به ، واختلافهم أوّل ما كرهت . 

فلمّا بلّغاه كلامها علم أنه مخدوع ، وقال : ليس لأمر الله ردّ ، ولا لما  لابدّ منه  صادٌّ ، فإن المرء وإن كمل حِلمُه ، واجتمع له عقله ، واشتد رأيه ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا كيدٍ ، ولعل ما سُرّوا به لا يدوم لهم سُروره ، ولايصرف عنهم محذوره .  

وذاع أمره ، وفشا في الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتى طلق امرأته ، وإنما أرادها لابنه ، وقبحوا فعله ، فتمت مكيدته تلك . لكن المقادير أتت بخلاف تدبيره . وذلك أنه لما انقضت أقراء زينب(أي عدتها) ، وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد ، فخرج حتى قدم الكوفة ، وبها يومئذ الحسين بن علي سبط الرسول الكريم ، فذهب أبو الدرداء إلى زيارته ، فسلم عليه الحسين رضي الله عنه ، وسأله عن سبب مقدمه . فقال : وجّهني معاوية خاطبا على ابنه يزيد زينب بنت إسحاق . فقال له الحسين : لقد كنت أردت نكاحها ، وقصدت الإرسال إليها إذا انقضت عدتها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخير مثلك . فاخطب رحمك الله علي وعليه ، لتتخير من اختاره الله لها ، وهي أمانة في عنقك حتى تؤديها إليها ، وأعطيها من المهر مثل ما بذل معاوية عن ابنه . فقال أبو الدرداء : أفعل إن شاء الله.

فلما دخل عليها أبو الدرداء ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكونها بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله محيص ، ولا للخروج عن أمره مهرب. فكان مما سبق لك ، وقدر عليك الذي كان من فراق عبد الله بن سلام إيّاك ، ولعل ذلك لايضرك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن ملكها  وولي عهده والخليفة من بعده ، يزيد بن معاوية ، والحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيّد شباب أهل الجنة . وقد بلغك شأنهما وفضلهما ، وقد جئتك خاطبا عليهما ، فاختاري أيّهما شئت . 

سكتت طويلا ، ثم قالت : يا أبا الدرداء ، لو أن هذا الأمر جاءني وأنت غائب لأشخصت فيه الرسل إليك ، واتبعت فيه رأيك ولم أقطعه دونك . فأما إذ كنت أنت المرسل ، فقد فوضت أمري بعد الله إليك ، وجعلته في يدك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في أمري بالتحري ، ولا يصدّنّك عن ذلك اتباع الهوى ، فليس أمرهما عليك خفيا ، ولا أنت عمّا طوّقتك غبياً .

فقال : أيّتها المرأة ، إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك . قالت : عفا الله عنك ، إنما أنا ابنت أخيك ، ولا غنى لي عنك ، فلا تمنعك رهبة أحد عن قول الحق فيما طوقتك ، فقد وجب عليك أداء الأمانة فيما حمّلتك ، والله خير من روعي وخِيف ، إنه بنا خبير لطيف . 

فلما لم يجد بُدّاً من القول والإشارة ، قال : أي بنية ، إن ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ  وأرضى عندي . والله أعلم بخيرهما لك . قالت : قد اخترته ، ورضيته ، وأردته . 

فتزوجها الحسين ، وساق لها مهرا عظيما ، فبلغ ذلك معاوية فتعاظمه ، ولام أبا الدرداء  لوما شديدا ، وقال : من يرسل  ذا بلَهٍ وعمىً يركب خلاف ما يهوى . ثم اطرح معاوية عبد الله بن سلام ، وقطع عنه جميع روافده ، لسوء قوله فيه ، وتهمته أنه خدعه ، ولم يزل يجفوه حتى عيل صبره ، وقلّ ما في يده ، فرجع إلى العراق . وكان قد استودع زينب قبل طلاقه مالا عظيما ، ودرا كثيرا، فظن أنها تجحده لسوء فعله بها ، وطلاقها من غير شيء كان منها . فلقي الحسين فسلّم عليه ، ثم قال : قد علمت ما كان من خبري وخبر زينب ، وإني كنت قد استودعتها مالا  ولم أقبضه ، وأثنى عليها ، وقال له : ذاكرها أمري ، واحضضها على ردّ مالي . 

فلما انصرف الحسين إليها ، قال لها : قد جاء عبد الله بن سلام ، وهو يحسن الثناء عليك في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني ذلك وأعجبني ، وذكر أنه كان قد استودعك مالاً ، فأدي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ، فإنه لم يقل إلا صدقاً ، ولم يطلب إلا حقاً . فقالت : صدق ، استودعني مالاً لاأدري ما هو ، فادفعه إليه يطالعه . فأثنى عليها حسين خيرا ، وقال : ألا أدخله إليك حتى تتبرئي إليه منه كما دفعه إليك؟ ثم لقي عبد الله وقال : ما أنكرت مالك ، وإنها زعمت أنه بطابعك ، فادخل إليها وتسلم مالك منها . فقال : أوَ ما تأمر من يدفعه إليّ؟ قال : لا ، بل تقبضه منها كما دفعته إليها . ودخل عليها حسين ، وقال : هذاعبد الله قد جاء يطلب وديعته ، فأخرجت إليه البٍذَرُ[ هي أكياس يكون فيها بين ألف وعشرة آلاف] فوضعتها بين يديه ، وقالت:  هذا مالك . فتشكر وأثنى ، وخرج حسين عنهما ، وفَضّ عبد الله خواتيم بِدَره ، وحثى لها من ذلك ، وقال : خذي ، فهو قليل مني ، فاستعبرا جميعا حتى علت أصواتهما ، أسفاً على ما ابتليا به . فدخل الحسين عليهما ، وقد رقّ لهما ، فقال : أُشهد الله أني طلقتها ، اللهم إنك تعلم أني لم أتزوجها رغبة في مالها ولاجمالها ، ولكني أردت إحلالها لبعلها . 

فسألها عبد الله أن تصرف إلى حسين ما كان قد ساقه إليها من مهر ، فأجابته إلى ذلك ، فلم يقبله الحسين ، وقال : الذي أرجوه من الثواب خير لي . 

فلما انقضت أقراؤها ، تزوجها عبد الله ، وحُرم منها يزيد بن معاوية .

( انتقم يزيد بن معاوية من الحسين حين قتله في كربلاء كما هو مذكور في كتب التاريخ)


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !