أقصد بقوة التهيؤ العقلي أنك حينما تفكر بفعل شيء ما ، أو إنهاء عمل ما في وقت محدد فأنك تتهيأ له تدريجيا حتى يبلغ تهيئك النفسي له درجة من القوة تتناسب مع نمط شخصيتك كفرد ومع الخصائص الاجتماعية المحيطة بك بغض النظر عن أهمية ذلك العمل أو الفعل من حيث النتائج أو البدائل الممكنة له .. وللتوضيح أكثر نأخذ مثالا بسيطا من الحياة اليومية :
يقول برنامجك المسائي : في الساعة السادسة مساء عليك أن تذهب للسوق المجاور لشراء بعض الأغراض المنزلية ، ثم العودة إلى المنزل حوالي السابعة مساء لتتناول طعام العشاء والتفرغ بعد ذلك لمشاهدة البرنامج التلفزيوني الذي تنتظر موعده اليوم .
وبافتراض الأهمية غير القصوى لهذا البرنامج التلفزيوني إلا أنك بت أكثر تهيئا نفسيا لمشاهدته فلا شيء آخر يتطلب منك عمله وقت بث البرنامج ..
بعد خروجك من المنزل ، دعنا نفترض حدوث أمر ما يدفعك لتغيير مسارك ، ودعنا نفترض أنك تعتقد أن ذلك كان يجب ألا يحدث لأنه بالنسبة لك أقل أهمية من أن تلغي برنامجك المسائي المعد سلفا من أجله . وعلى سبيل مثال :
- اتصلت بك زوجتك لتطلب منك إحضار مزيدا من الأغراض للمنزل من البقالة إلا أنها غير متوافرة في البقالة المجاورة وعليك إضافة المزيد من الوقت للذهاب لسوق أبعد وعبر طريق مزدحم!
- أتصل بك أحد أصدقائك فجأة ليطلب منك أن تجتمع به عند الساعة السابعة والنصف مساء في محل الكافييه أو الاستراحة أو الديوانية خارج الحي لقضاء سهرة مع بعض الأصدقاء هناك وتناول طعام العشاء مما يعني أنك حال موافقتك ستلغي "برنامج" سهرتك الخاص !
ولنفرض أنك تعتقد أن الأشياء التي طلبتها منك زوجتك مهمة ، وأن خروجك مع أصدقائك أفضل من جلوسك في البيت ، إلا أن رد فعلك تجاه سبب التغيير لن يكون بحسب أهمية " برنامجك المسائي الخاص " وإنما سيكون بحسب قوة تهيئك العقلي له ، وبالقدر الذي يجعلك تتجاهل مجرد التفكير في احتمال حدوث تغيّر ما ، وبحسب نمط شخصيتك كفرد وبيئتك الاجتماعية ..
الآن دعنا نعرف ما سيحدث :
الشخص الذي تتسم عملية تهيئه العقلي لأي فعل بالواقعية وذو الشخصية التي تتسم بالمرونة وسرعة الاستجابة والتقبل المتزن ، وسرعة التكيف العقلي والتوافقية الاجتماعية الإيجابية ..
هذا الشخص سوف يكون تهيئه العقلي لما كان مقرر قبل حدوث الحاجة للتغيير أقل صلابة واندفاعا وتطرفا وبالتالي سيتكيف مع التغير الذي طرأ على برنامجه الخاص من خلال إعادة تحليل برمجته منطقيا بشكل تلقائي وسريع ، وسيكون رد فعله أكثر إيجابية ، وأكثر تناسبا مع سرعة إعادة التحليل العقلي منطقيا لمستوى الأهمية لما كان متهيأ له ..
أما الشخص غير الواقعي في تهيئه العقلي للفعل وذو الشخصية التي تتسم ببطء الاستجابة وبطء التكيّف العقلي رغم كون شخصيته توافقية وتتسم بالتقبل السلبي ، فسوف يكون له رد فعل مساوي لمفاجأة التغير له وقوة تهيئه النفسي لما كان مقرر فعله ، وسوف يشعر بشيء من الامتعاض والغضب وربما يعبر عن ذلك بنوع من الصراخ والتذمر بقدر لا يتناسب مع أهمية الشيء الذي كان متهيأ له نفسيا ..
وعلى المستوى المجتمعي يمكنك أن تقيس رد فعل الآخرين لكل قرار يمكنه أن يغيّر نمطا من أنماط حياتهم الذي اعتادوه وكانوا في أقصى درجات التهيئ العقلي لممارسته بشكل نمطي ومعتاد حتى لو كان التغيير أو التغيّر أفضل من المتغيّر ..
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)