الأشياء كلّها ضدّي، تبدو حكايتي معقّدة، أنا الّتي أصافح الصّباح ليمرّ اليوم مسالما هادئا بلا مطبّات، منذ الصّباح أصطنع ضحكة باهتة، أمشّط شعري، أمسح وجهي بماء الورد، وأبادر الآخرين بالتّحيّة رغم عبوسهم، وتكهرب مشاعرهم في صباحات الشّتاء.
البرد ينعشني، وصدق من قال أنّ المواليد يعشقون فصول مولدهم، أواخر ديسمبر من ذاك العام كان استعدادا لقدومي إلى الدّنيا، برد وثلج وأعواد حطب قليلة، حاولت أمّي مقاومة الألم، أرادت أن تسعد برؤيتي، المولود الثّاني ربّما يكون ذكرا، هكذا توقّعوا...
لكنّني خيّبت آمالهم وكنت أنثى، عُجنت بماء الأنوثة وبعض الجمال، لكنّ شيئا في شخصيّتي حقّق أحلامهم.
أجل، صفات الرّجولة، كنت أحملها، بدليل العصابات الّتي كوّنتها في المدرسة الابتدائية، بدليل سيطرتي على نصف التّلاميذ، وخضوع الأولاد لهيمنتي.
بدليل العقاب الّذي كنت أسلّطه على الأولاد بعصا أصنعها من أعراف الدّفلى.
أذكر ذلك اليوم حين أبرحت أحدهم ضربا لأنّه تعرّض لشقيقتي الصّغرى، أغلقت على نفسي الغرفة السّوداء، كنّا نسميها هكذا لأنّ بلاطها أسود من زمن الاستعمار.
كان والدي وكلّ سكّان الدّوّار ينتظرون خروجي ليعاقبوني، لكنّي خرجت من النّافذة وأفلتّ بجلدي إلى دوّار آخر وأنا ألهث، توقّفت لأستريح وإذا بي أرى جيشا من النّاس يتبعني ومعه أخواتي وإخوتي الصّغار.
الجميع يجري ليقبضوا علي، ضاعفت سرعتي وقد تركت نعلي البلاستيكي الّذي عاقني...
جسد نحيل يسابق الرّيح، وأخيرا وصلت بيت جدّي وأخيرا صرت آمنة.
جدّي لم يسلّمني إليهم، مستحيل أن يفعل، وقد عادوا خائبين.
جدّتي زينب رحمها الله خضّبت يديّ ورجليّ بحنّاء خجولة، وعدت إليهم في اليوم الثّالث وقد أتلفت كلّ الأدلّة.
التعليقات (0)