من صلب أفكار الكهوف
السهل الذي يتابعه الفرد الإنساني هو مقصد يرتاد الكثير من تكاليف الإنتاج الفلسفي كونه القدرة الوهاجة التي تعتلف من قوتها التي تظهر في صور الطاقة التي من شأنها التقاط أنفاسها المحبطة. وعلى هذا الأساس يكون جليا أن يعود الفرد الإنساني إلى نفسه القديمة، ليجعل تجديدها صيغة أكثر من ملحة، ويمد العديد من آثار العلم الأبدي إلى فلسفة بدأت في هامش الزمن وتكونت لتأخذ مظهرا عجيبا بين كافة المآسي الوجودية الخالصة.
لا يمكن لوم النفس من أجل كثافة الفكرة القدسية التي يتبناها الإنسان، كون أن العالم من أجل فهم الناس لا ينساب من كثرة الضغط على الفهم الإنساني، لا يسير الفرد الإنساني على السكة الصادقة على الدوام، كون أن الناس أكبر من عظمة الشخص، ولأن العالم هو الأخطر والأعلم، فإن الفرد الإنساني هو الذي يملك كافة الحقوق من أجل تسطير علامات القدر، إنّ العمل الذي يمكن أن يحصل الفرد الإنساني على أجر لا يضاهى من أجله هو ذاك الذي يتصل بالمساعدة، مساعدة الآخرين وفق آلية متعانقة مع آخر ظلم يقع على الذات البشرية.
البخل الذي ينسب إلى الرجل الميت هو ما جعله يأخذ روحه بيده، يجعلها تأخذ حيزا جبليا لكافة أطراف العناصر المادية التي من شأنها تكليف الجسد الميت بمهامه العديدة، وعلى قاعدة أن الإنسان هو أكبر من إنسانيته، فهو يحتقر النفس من أجل بلوغ مواد يعتقد فيها الرفاه؛ متى كانت المادة هي قائدة الروح إلى الرفاه؟ متى كانت الروح الميتة هي عنوان الحياة؟
لا يمكن الايعاز لكل ما هو سيل من سيلان العدالة أن يكون هو قاضم أطراف الرجل الميت، هناك فرق بين الرجل الميت والرجل المميت، هناك فسحة أكبر من حجمها بين اللغم واللغز، ومنه فإن أقوى لغة يمكن للإنسان تبنيها هي تلك التي تعبر عن أوضح مجال في الحياة، لأن عادة الرجال هي التي تحدد مصير ضعافهم، وهي التي تلد في كل يوم صورة تأملا، فمن يستقبل المولود الجديد هو إنسان بلغ درجة العودة إلى قدراته الصافية من أجل إحياء ما بقي من مماته بصدق، لأن الرجل الميت هو أرحم بكثير من الرجل المميت، هو أعلى وأرقى منه في أكثر من مناسبة، وهذا هو المعبّر عن قدراته المليئة بالعاطفة، لأن الفرق بين العواطف والإنسانية كالفرق بين الحياة والجسد، حياة الجسد هي التي تعطيه القيمة اللازمة له، وجسد الحياة هو ما يجعلها حياة، بينما الممات هو سلة فارغة الطرف على الدوام، في حين أنها مليئة النصف عند الوقوف على الجدي من الابهام.
لا يجب أن نعتقد بأن الرجال المتصلين بالممات هم موتى بأجسادهم، هم موتى بأجسامهم، وعلى أساس الجسد أو الجسم هناك فرق بين ما هو فاعل وما هو متفاعل، الأوّل شريف يأخذ شرعية وجوده من نتائجه العملية التي تعطي الوظيفة أمل التغيير من خلال التغيّر. بينما الثاني هو نزيف يقيم فتحة تتسع مع الظروف كلما اشتدت، نزيف يأخذ خطورته من تقريبه لكل ما من شأنه تعديل الوسط لغير صالح صاحبه على الدوام.
من السهل كما قلت سابقا على الفرد الإنساني أن يتابع السهل، لأن المسلك الواضح لكل إنسان هو المتعارف عليه عند الناس، وعلى هذا المبدأ يمكن استخلاص أن الفضيلة هي ليست الممات، الميت لا يمكنه أن يحمل الفضائل إلى غيره، فما بال أن يحملها إلى نفسه، خاصة وأنه إنسان أضاع الفرصة البشرية في غياهب المسار الإنساني الذي يمكن الفرد من إعمال المسعى الهام في كافة أطراف العملية الدورية لدا الإنسانية المتنافية مع إنسانيتها.
عندما يستيقظ المشكل العالمي من نومه العميق، ويطوف كافة مساراته الملغاة من جداول خرائط طرقات المعاني المعنوية، وعندما يؤسس الفعل الإنساني إلى إنسانية متوحشة على قيمها الإنسانية، عند الأخذ بكل هذه المزايا، فإن الإنسان هو القابض على مرجعيات الشخصية الفردية اللاصقة أو الملتصقة بالعامية الكلاسيكية، لقد تبنيتُ منذ بلوغي سن البلوغ مساري الوحيد، إنّ هذا ما أرخ للعالم وفق رؤيتي أنا "رؤياي الخاصة"، قد لا يوافق عليها أحد غيري، لكنني قابل لأن أطوّر مساراتي وفق ما أعتقد من قناعات.
في مجتمع يؤمن بالتشاؤم فإن الإنسان لا يمكنه تغيير أكثر من حياته الفردية، تبا لمن استقالوا من الحياة، وتبا لمن باعوا حياتهم لغيرهم، وسحقا لمن وضعوا حياتهم من دون أن يدرون في سلة غير سلالهم الإنسانية.
لكل فرد تاريخه الشخصي، وعليه يمكنه أن يبني الإنسان عالمه الذي يجعل الفرد في قمة الوجود، لأن الإنسان لا يمكنه أن يبدل تبديلا إذا كان مؤمنا بمبادئه التي صنعها ذاتيا. هذا ما قمتُ به سابقا ولن لن، لن أتراجع عنه مهما كلفني من تضحيات.
"... يجب أن تحطم الآلام قشوركم قبل أن تعرفوا معنى الحياة..."
(جبران خليل جبران، النبي، 2003م، دار تلانتيقيت – بجاية، ص، 74)
أن تعترف بأن المفاهيم بسبب ضغط ما، هذا ما يجعل منك غير متأمل بل مستهلك لتأمل ما، على الإنسان الذي يعي ما يتأمله أن يمر بفترات قاسية للغاية، هي قسوة المعرفة ووضوح العمل الفكري برمته، هذا ما يستدعي القدرات التي تمكن الفرد الإنساني من قمع سلوكه المعبّر عن جبرية خالصة. لكن أن يحتمل الرجل الميت آلام الفكر وقسوة التفكير إضافة إلى ظلام العزلة الابداعية، هي كلها أمور يمكنها صناعة فرد متميز قابل للتعويل عليه من طرف الحياة، لأن حياته ليست ملكه وحده، هو ليس بخيلا ما دام يعاني من أجل قضية ما، لأنه يدفع الثمن غاليا من راحته التي من أجلها ليهث البقية ويحارب.
التعليقات (0)