بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
أما بعد :-
فقد جعل الله المحبة الخالصة بين المسلمين هي أوثق عرى المحبة في الله ،
وجمع المتحابين تحت ظلال عرشه ،
ووثق الإسلام بذلك بوجوب المحافظة على مال المسلم وعرضه ونفسه ،
بأن لا يصيبه أذى ولا يُمس بسوء .
ولكن تبحر بعض النفوس في مياه آسنة تتشفى ممن أنعم الله عليهم
ورزقهم من خيره بالحقد والحسد فيثمر ثمراً خبيثاً غيبةً ونميمةً واستهزاء وغيرها .
ولا يخلو مجتمع من تلك النفوس الدنيئة .
لذلك احببت طرح هذا الموضوع لـ اهميته
والتعريف به وذكر العلاج المناسب له
اسأل الله ان ينفع به
..
خلق ذميم يجب علينا استئصاله من أنفسنا ومحاربته والقضاء عليه؛
لأنه إذا وصل إلى القلوب أفسدها، وبعد بياضها سودها،
ويتأكد علينا اجتنابه في كل زمان ومكان، ألا وهو الحسد المذموم،
إذا هو من الذنوب المهلكات،
وهو أن يجد الإنسان في صدره وقلبه ضيقاً
وكراهية لنعمة أنعمها الله على عبد من عباده في دينه أو دنياه،
حتى إنه ليحب زوالها عنه، بل وربما سعى في إزالتها،
وحسبك في ذمه وقبحه أن الله أمر رسوله بالاستعاذة منه ومن شره،
قال تعالى: ومن شر حاسد إذا حسد [الفلق:5].
والحسد المذموم مدخل من مداخل الشيطان إلى القلب،
فبالحسد لعن إبليس وجعل شيطاناً رجيماً،
ولقد ذم الله الحسد في القرآن الكريم وشدد النكال علي من اتصف به،
لأن الحاسد عنده شيء من الاعتراض على أقدار الله التي قدرها على عباده،
وهو داء عظيم من أصيب به تبلد حسه وفتح عينيه على كل صغير وكبير،
فلا يهمه إلا زوال الخير عن الغير،
فلا هو قانع بما قسم الله له ولا هو راض بما قسم الله لغيره،
ومما يدل على تحريمه قوله : { الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب } [رواه أبو داود وابن ماجه].
وقوله: { لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد } [رواه البيهقي وابن حبان].
وهو نتيجة من نتائج الحقد، وثمرة من ثمراته المترتبة عليه،
فإنه من يحقد على إنسان فإنه يتمني زوال النعمة عنه، ويغتابه في المجالس،
ويعتدي على عرضه ويشمت فيه.
ومن أهم أسبابه:
العداوة والبغضاء، بين الناس لأي سبب كان،
ومنها: التعزز والترفع، وهو أن يثقل على الحاسد أن يرتفع عليه غيره،
ومنها العجب والكبر وهو استحقار وتنقص عباد الله ؛
لأنهم حصلوا على مالم يحصل عليه، ومنها حب الرياسة وطلب الجاه والثناء؛
لأن بعض الناس يريدون أن يمدحوا في المجالس،
وأن يجلسوا ويتربعوا على ذلك الكرسي الذي يسيل لأجله لعاب الكثيرين،
ومنها خبث النفس وحبها للشر وشحها بالخير،
وللحسد أضرار عظيمة منها:
أنه يورث البغضاء بين الناس، ويقطع حبل المودة؛
لأن الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمن وأخيه،
يقول : { لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً } [متفق عليه].
ومنها: أنه يحمل الحاسد على محاولة إزالة النعمة عن الحسود
بأي طريقة ولو بقتله كما حصل مع ابني آدم عندما قتل أحدهما الآخر.
ومن أضراره: انه يمنع الحاسد من قبول الحق خاصة إذا جاء عن طريق المحسود،
ويحمله على الاستمرار في الباطل الذي فيه هلاكه،
كما حصل من إبليس لما حسد آدم فحمله ذلك على الفسق
على أمر الله والامتناع عن السجود،
فسبب له الحسد الطرد من رحمة الله.
كما أنه يحمل الحاسد على الوقوع في الغيبة والنميمة والبهتان وهي من الكبائر،
كما يحمله على ارتكاب ما حرم الله في حق أخيه،
ويجعله في هم وقلق لما يرى من تنزل فضل الله على عباده
وهو لا يريد ذلك ولا يقدر على منعهِ فيبقى مهموماً مغموماً.
إضافة إلى أن الحسد يوقع المجتمع في التخلخل والتفكك؛
ولهذا قال : { دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء } [رواه البيهقي].
أدعو كل حاسد بأن يتقي الله في نفسه،
وأن يقنع بما أعطاه الله ولا يفتح عينيه فيما أعطى الله لغيره،
ولا يتمنى زوال النعمة عنه، وليدع الخلق للخالق،
وليعلم أن الله يقول: { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله } [فاطر:43].
لا تحسدن عبداً على فضل نعمة فحسبك عاراً أن يقال حسود
وليعلم أن الحسد ممقوت، وهو من تتبع الزلات والعورات،
وفي الحديث { من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته،
ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته } [رواه الترمذي وأبو داود].
ولله سطوات وانتقامات ليست من الظالمين ببعيد
: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار [إبراهيم:42].
وأدعو كل مسلم ألا يسيء الظن بأخيه المسلم،
ولكن مع هذا ليكن كيساً فطنان وليحذر من لؤماء الطبع ولا يغتر بهم،
ولا ينخدع بمظهرهم،
فالحاسد إذا جلس معك أعطاك من حلو الكلام ما تتمنى أنك لا تفارقه أبداً،
وخاصة أنك تري ابتسامات عريضة في وجهه؛
فتنطلي عليك حيلته ومجاملته،
ولكن إذا غبت عنه ألبسك ثياباً من التهم والسب والشتم.
تعريف بالحسد :
هو تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها.
أنواعه :
1- كراهه للنعمة على المحسود مطلقاً وهذا هو الحسد المذموم .
2- أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه وهذا الغبطة .
مراتب الحسد :
1- يتمني زوال النعمة عن الغير .
2- يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه .
3- أن يتمنى زوال النعمة عن الغير بغضاً لذلك الشخص لسبب شرعي كأن يكون ظالماً .
4- ألا يتمنى زوال النعمة عن المحسود ولكن يتمنى لنفسه مثلها ، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوالها عن المحسود حتى يتساويا ولا يفضله صاحبه .
5- أن يحب ويتمنى لنفسه مثلها فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله وهذا لا بأس به.
حكم الحسد :
حرام.
( عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه مسلم .
بعض آثار الحاسد وأضراره على الفرد والمجتمع
1- حلق الدين ( دبّ إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء والحسد هي الحالقة
حالقة الدين لا حالقة الشعر ).
2- إنتفاء الإيمان الكامل ( لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله
وفيح جهنم ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد ) .
3- رفع الخير وانتشار البغضاء في المجتمع ( لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ) .
4- اسخاط الله وجني الأوزار ( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) .
5- مقت الناس للحاسد وعداوتهم له ( شر الناس من يبغض الناس ويبغضونه ) .
6- الحاسد يتكلم في المحسود بما لا يحل له من كذب وغيبة وإفشاء سر .
الموقف الذي يجب أن يقفه المحسود من الحاسد
1- الرجوع إلى الله وتجديد التوبة مع الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه .
2- التوكل على الله .
3- الاستعاذه بالله وقراءة الأذكار والأوراد الشرعية .
4- دعاء الله بأن يقيك من الحساد .
5- العدل مع الحاسد وعدم الإساءة إليه بالمثل .
6- الإحسان إلى الحاسد .
7- الرقية .
8- عدم إخبار الحاسد بنعمة الله عليك .
كيف أزيل الحسد من قلبي ؟
1- التقوى والصبر .
2- القيام بحقوق المحسود .
3- عدم البغض .
4- العلم بأن الحسد ضرر على الحاسد في الدنيا والآخرة .
5- الثناء على المحسود وبرّه .
6- إفشاء السلام .
7- قمع أسباب الحسد من كبر وعزة نفس .
8- الإخلاص .
9- قراءة القرآن .
10- تذكر الحساب والعقاب .
11- الدعاء والصدقه .
أخيراً:
فإن داء الحسد من أعظم الأدواء،
والابتلاء به من أشد البلوى يحمل صاحبه على مركب صعب، ويبعده عن التقوى،
وحق للحاسد أن يعاتبه ربه بقوله: أم يحسدون الناس على ما ءاتهم الله من فضله [النساء:54].
وليس للحسد علاج إلا أن يعرف الحاسد ضرره عليه لا على المحسود؛
لأن النعمة لا تزول بالحسد، وأن يتقي الله في لسانه؛
لأن اللسان ليس كغيره من الأعضاء، فالعين لا تصل إلى غير الصور والألوان،
والأذن لا تصل إلى غير الأصوات، واليد لا تصل غلى غير المحسوسات،
أما اللسان فيصل ويجول في كل شيء، وبه يتبين الربح من الخسران،
والمؤمن من أهل الطغيان.
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يبصره لسلوك الطريق المستقيم،
ألا هل بلغت اللهم فاشهد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
منقول
التعليقات (0)