من سيكسب الرهان ؟ !
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة .
بالطبع هذا سؤال جوهري في هذا الوقت بالذات ، والإجابة عليه تُوجب قراءة عميقة لحيثيات المُناخ السياسي في السودان قبل إجراء الانتخابات ؛ وهذا ما سنراه بعد قليل في تحليلنا للموقف العام من زواياه المختلفة.
ولا شك أبداً أن الانتخابات المقبلة هي المعبر الشرعي الذي تمر عبره ثقة الناخبين في الأحزاب السياسية ، وهي الثيرمومتر الذي يقيس الأوزان الحقيقية للقوي السياسية المتنافسة . كل هذا بافتراض أن الأجواء السابقة لقيام الانتخابات صحية لا ملوثة .
ولكن الواقع الراهن يقول :
- أن الإحصاء الذي بموجبه تم تحديد الدوائر الجغرافية مُعيب ، وقد اعترفت الحكومة بهذا عندما أجلت الانتخابات جزئياً في جنوب كرد فان ؛ وكذلك عندما عالجت مشكلة الإحصاء السكاني بتحديد 46 مقعداً للحركة الشعبية بالتعيين تعويضاً لها عن الأخطاء التي صاحبت عملية الإحصاء .
- هناك تجاوزات خطيرة في السجل الانتخابي . تجاوزات وثقتها الأحزاب السياسية بالأدلة الدامغة ، ولكن الانحياز السافر للمفوضية القومية للانتخابات حال دون معالجتها .
- بات من الواضح جداً أن الحزب الحاكم في الشمال ، والحزب الحاكم في الجنوب يستغلان موارد الدولة في العملية الانتخابية ، وقبل خمس أيام فقط زار د / جلال يوسف الدقير منطقة شرق سنار ، مصطحباً في ترحاله طائرة رئاسية ، وهكذا حال المسئولين في الدولة بمن فيهم مرشح المؤتمر الوطني للاستحقاق الرئاسي ؛ هذا الاستغلال للموارد القومية لم تشأ المفوضية علي إيقافه ، ولم نسمع حتى الآن بياناً يدين هذا الاستغلال .
- أجهزة الإعلام الرسمية لم تكن محايدة رُغم أن قانون الانتخابات نص علي التوزيع المتساوي للفرص بين المرشحين ، وأذكر أننا أثناء ترحالنا في الحملة الانتخابية في ولايتي سنار والجزيرة لم تُغط مناشطنا السياسية من قبل الإذاعة والتلفزيون الولائيتين . طباعة بطاقات الانتخاب للمستوي التنفيذي ( الرئاسة – الولاة ) في مطابع مشبوهة ( سك العملة ) ؛ هذا المسلك يطعن في نزاهة انتخابات الاستحقاق الرئاسي ، وكذلك انتخابات الاستحقاق التنفيذي الولائي .
- غياب الحكومة القومية أو الانتقالية – كما في السابق – يُجرَد الانتخابات المقبلة من نزاهتها الكلية . إنني أعتقد جازماً أن الانتخابات إذا أدارتها حكومة قومية فسوف تتبين الأوزان الحقيقية للقوي السياسية ؛ وبما أن الحزب الحاكم يعرف قدر نفسه بدون نفوذ السلطة ، فإنه لهذا السبب لم يوافق علي تكوين حكومة قومية ؛ لأنها تضع المؤتمر الوطني في حالة موت سريري .
وقد قالها د/ نافع عند زيارته لمدينة سنار قبل عشر أيام ؛ قال بالحرف الواحد : ( دايرننا نوافق علي مقترح الحكومة القومية عشان تكون دي نهايتنا !) . لقد صدق د/ نافع في حديثه هذا ؛ وأظن أنه لأول مرة يقول كلاماً صائباً . لان الموتمر الوطني لا يساوي شيئاً بدون سطوة السلطة . وما يؤسف له حقاً هو أن الإنقاذ تتعامل مع الدولة السودانية كأنها ملكٌ خاص بها ، وقد كانوا من قبل ينكرون علينا مقولة ( البلد بلدنا ونحنا أسيادها ) ، مع أننا عندما كُنا نقولها كان لدينا حق في ذلك باعتبار أننا حقننا:
• الاستقلال الأول والثاني للبلاد.
• كُنا الرقم الأول في كل الانتخابات التي أُجريت في السودان .
• حافظنا علي استقلال القضاء ، وقومية مؤسسات الدولة ( المدنية – والعسكرية ) .
• أقمنا دولة الرعاية الاجتماعية طوال سنوات حكمنا في السودان .
إننا نخلص من كل هذه الاستنتاجات إلي الأتي :
أن الانتخابات المقبلة لا تتوفر فيها درجة من النزاهة ولو بنسبة 40|% .
إنها – أي الانتخابات – لا تُعتبر مقياساً حقيقياً لتحديد أوزان القوي السياسية المتنافسة ؛ لأن ميزان التنافس الانتخابي فيها مائلاً لصالح الأحزاب التي تستأثر بالسلطة .
أن نتائج الانتخابات سوف تلحق آثاراً كارثية بالسودان ؛ هذه الآثار سوف تزيد من معدلات الاحتقان الأمني في دار فور لا جرم أن الحركات المسلحة غُيبت بصورة كاملة منها ، كما أنها – أي الحركات المسلحة – لا تقبل بالتعيين ؛ وهذه المسالة تُعتبر من المؤشرات الخطيرة التي تُنذر بارتفاع منحني التوتر بين الحكومة والحركات المسلحة .
وهناك أشياء أخطر من المسائل التي ذكرتها ؛ وهي أن مجموعة الأزمات الدولية كانت قد أصدرت تقريراً عن الانتخابات في السودان ، وخلُصت إلي أن الحكومة السودانية قامت باستجلاب عناصر سُكانية من النيجر وإفريقيا الوسطي ، وقد تم تسجيل هذه العناصر مع استخدام مبدأ التغييب القصدي للشرائح الرئيسية المكونة للنسيج الاجتماعي الدار فوري ؛ وهذا كله يأت في إطار استبدال الهوية الدار فورية الأصلية لإرسال رسالة للعالم مفادها أن أهل دار فور يقفون خلف مرشح المؤتمر الوطني للاستحقاق الرئاسي ( الجنرال المطلوب لدي العدالة الدولية ! ) .
وهذا في رأيي إذا ثبت بما لا يدع مجالاً للشك ؛ فإنه سوف يُعقد الأمور أكثر ، وسوف لن تلوح بشريات السلام في الأفق قريباً إلا إذا تم الاعتراف بأن الانتخابات في دار فور ناقصة ، وأنه سوف يتم معالجتها لضمان تمثيل أهل دار فور بصدق وحق وفقاً للثقل السكاني للإقليم .
لقد قرر حزب الأمة في اجتماع مكتبه السياسي أمس الأول دخول الانتخابات علي كافة المستويات ، بعد أن استجابت المفوضية لمعظم الشروط التي طالب بها الحزب علي حد تعبير السيد رئيس الحزب . إننا نقول أن الاستجابة لتلك المطالب مع إغفال شرط التأجيل من شأنه أن يجعل نسبة النزاهة أقل من 30% ؛ وهذا يعني أن مشاركة الحزب في الانتخابات تُعتبر رضاعاً فوق الصُرار !.
ولكن مع ذلك فإن مثل القرار سوف يُساعد في تفكيك السلطة الإنقاذية القابضة ولكن بصورة نسبية .
ويبقي السؤال من سيكسب الرهان ؟ مرهون بالعوامل المذكورة في ثنايا المقال . فإذا توفرت في الانتخابات درجة أعلي من النزاهة فإن هذا من شأنه أن يجعل من عملية التصويت مقياساً لتحديد شعبية القوي المتنافسة ، وإذا لم تتوفر هذه النزاهة – وأظن ذلك – فإن الانتخابات سوف تكون بمثابة إعطاء شرعية تمديدية للسدنة الإنقاذية .
التعليقات (0)