لأول مرة في تاريخ حزب الاستقلال مند تأسيسه سنة 1944، انعقد مؤتمر دون التوافق على من يخلف عباس الفاسي الامين العام منذ 1998. هذا في وقت أرتفعت أصوات كثيرة رافضة لاحتكار قلعة أل الفاسي بالأدوار القيادية منذ عرف الحزب النور، وهو واقع حال لم يعد يطيقه العديد من الاستقلاليين عبر مختلف مدن المملكة، وعلى رأسها مدينة فاس وهذه مفارقة صعب على أل الفاسي هضمها. هذا ما فرض على النواة الصلبة داخل القيادة الحزبية إلي التفكير في تفعيل استراتيجية غير معلنة واستكمالها باستراتيجية المساومات.
الاستراتيجية غير المعلنة
لقد تم إرجاء حسم خلافة عباس الفاسي للمزيد من النقاش وتعميقه في جو من حرية إبداء الرأي والديمقراطية، هذا ما تم الإعلان عنه، لكن في الخفاء هناك استراتيجية تضمن عدم خروج الرئاسة عن قلعة آلفاسي. إن من عدّها ويمسك خيوطها استراتيجيو الحزب غير المرئيين العاملين وراء الستار. إنها استراتيجية لعبة إنهاك الجميع عبر "لابيرانت" ( متاهة )، توهم في مدخلها أنها تمنح الفرصة لكل الاقتراحات الممكنة، ولكل الأطراف والأراء، وجميع الموا قف تعتر على مكانها تحت سمش الحزب المحتضنة لكل الأقمار الدائرة في فلكها دون تمييز أو إقصاء.
هذا عند مدخلها "اللابيرانت"، وبداخلها يتم تفعيل التعب والمجاهدة سعيا وراء أكبر درجة من إنهاك الجميع والوصول إلى أمر واقع مفاده أنه لا مندوحة عن آل الفاسي في اتجاه عبد الواحد الفاسي، وهذا الذي تأمله نواة قلعة آل الفاسي دون مواربة. وإن تعذر الأمر فعلا هناك درب في "اللابيرانت" يؤدي إلى مخرج الاختيار بين نزار بركة ( الاجتماعي ورجل التواصل والتفاهم) وعادل الديوري (العقلاني لا ينأى قيد أنملة عن تصرف ورد فعل رجل الأعمال الذي عليه أن يبدو صارما وقاطعا في قراراته مهما كان الأمر). وهذا لن تخرج القيادة من قلعة آل الفاسي.
وتستعين هذه الاستراتيجية غير باستراتيجية مكملة تعتمد على المساومة والإغراء بمناصب سامية، وهذا ما كشفته التسريبات التي أفادت احتمال ترشيح سعد العلمي المرشح لسفارة المغرب في الرياض وترشيح توفيق احجيرة في نفس المنصب في الجزائر وامحمد الخليفة لخلافة الكثيري على رأس المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير. وكل هذا تحت اليافطة المعلنة : "إن الاستقلاليين أكدوا دائما عبر تاريخ حزبهم العتيد على ضرورة التوافق في المواجهة بين المرشحين حول منصب القيادة ". وهذا ما جعل من سؤال: "من هي الشخصية التي ستخلف عباس الفاسي في منصب الأمين العام للحزب ؟" ،"سؤال- قنبلة" قد ينال من "الحزب العتيد" ومستقبله.
الإرجاء لتفعيل الاستراتيجية غير المعلنة
مما يوشي أن استراتيجية المتاهة انطلق تفعيلها فبل انعقاد المؤتمر 16 أن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال اتخذت قرارا عشية تنظيم المؤتمر يقضي بتأجيل انتخاب الأمين العام الجديد إلى وقت لاحق قصد، تفادي حدوث تشنجات والحفاظ على وحدة الحزب، وهذا ما دفع الوفا إلى الانسحاب، من المؤتمر بعد أن تأكد من فقده لأحد شروط الترشيح.
كما ان كل التصريحات المتعلقة بتأجيل حسم خلافة عباس الفاسي أكدت، هي الأخرى عن انطلاق تفعيل "استراتيجية المتاهة". ولعل من أبرز هذه التسريحات تلك الصادرة عن عبدالله البقالي عضو اللجنة التفيذية للحزب في نهاية المؤتمر، والذي أكد أن هذا الأخير "انفض لإكراهات مادية متمثلة في الارهاق الذي أصاب الخمسة آلاف مؤتمر والأجواء المشحونة التي يمر فيها المؤتمر، لاسيما بعد أن تشبت كل طرف بمواقفه، الأمر الذي دفع اللجنة المنظمة الى إعمال القانون الأساسي الذي ينص على أنه في حالة تعذر انتخاب الأمين العام للحزب من داخل المؤتمر، فإن مهمة اختيار الأمين العام تنتقل الى المجلس الوطني للحزب الذي ينعقد بطلب من رئيس محمد الأنصاري".
شباط يظل النغمة النشاز في سمفونية عنوانها "قادة حزب الاستقلال"
ظل حميد شباط رجل القبعات المتعددة والمتباينة داخل حزب الاستقلال حسب الظروف و تحين الفرص المتاحة وحسب الغرض المراد تحقيقه. وكلما كان يتألق داخل الحزب منذ إلتحاقه به في الثمانينات، من المجلس المحلي إلى البرلمان إلى العمودية وصولا إلى الأمانة العامة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، كانت قبعاته تتزايد وتتكاثر ألاوينها. لم يخف تهديده لقلعة آل الفاسي داخل الحزب ورغبته في تتويج تألقه بالفوز بخلافة عباس الفاسي، رغم أنه ظل يتظاهر بدعم عادل الديوري علنيا، لكنه لم يتوقف عن التخطيط من وراء الستار، رغبة تخريجة غير متوقعة تفاجئ الجميع كعادته.
ومهما يكن من أمر يبدو أن أكبر الخاسرين هو حميد شباط الذي فاتت عنه فرصة اختيار رئيس الحزب بشكل ديمقراطي. وفعلا تمسك شباط إلى آخر لحظة بالتصويت على الأمين العام، بعدما تمكن من حشد تأييد المؤتمرين لا سيما بعد حمله على الأكتاف وترديد شعارات ضد سيطرة "قلعة آل الفاسي" وضد التوريث"، ونجاح حمدي ولدي الرشيد في تعبئة مؤتمري الأقاليم الجنوبية لمساندة شباط. علما أنه سجل نقطة "ذهبية" حيث تمكن من ادخال تعديل على القانون التنظيمي باقتصار الترشيح لمنصب الامين العام على اعضاء الامانة العامة التي تسبق المؤتمر مباشرة مما ابعد الوفا من قائمة المرشحين حيث كان سفيرا بالبرازيل في آخر مؤتمر عقده الحزب.
اللعب على وثر صيانة الوحدة
موازاة مع تفعيل الاستراتيجية غير المعلنة يتم اللعب وثر ضرورة صيانة الحزب بأي ثمن. ولعل هذا ما أكدته جملة من الأحداث التي سبقت افتتاح المؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال. ومن هذه الأحداث ما شهده المقر العام لحزب الاستقلال، حتى وقت متأخر من ليلة أمس الخميس قبل الافتتاح ، حيث لوحط نشاطا غير منتطر وتسابق مسعور لتطويق حرب مشبت بين أنصار حميد شباط وأنصار عبد الواحد الفاسي نجل الزعيم علال الفاسي.
ولم تهدأ النفوس نسبيا إلا بعد حصول الاتفاق على عقد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، ومناقشة الأوراق الخمسة التي أعدتها اللجنة التحضيرية واللجان الفرعية، على أن يتم إرجاء انتخابات الأجهزة الحزبية من مجلس وطني اللجنة المركزية، والمكتب التنفيذي، والأمين العام الذي سيخلف عباس الفاسي إلى وقت لاحق بعد المؤتمر. وفي هذا السياق تدخل عباس الفاسي لتهدئة الأوضاع ولسان حاله يقول "لا يمكن للاستقلاليين دخول المؤتمر منقسمين"، لأن انقسامهم هو بمتابة صك بداية نهاية سيطرة قلعة آل الفاسي.
وبعد التهدئة أرجأ المرشحان لمنصب الأمين العام لحزب الاستقلال ، عبد الواحد الفاسي وحميد شباط ترشيحهما الى ما بعد المؤتمر العام للحزب. الذي تنطلق أشغاله مساء اليوم بالمركب الرياضي الامير مولاي عبد الله بالرباط.
وقد يتنافس شباط والفاسي على المنصب في الجولة الثانية للمؤتمر حيث سيجتمع المجلس الوطني "برلمان الحزب" الذي يحسم بالاقتراع السري في من سيخلف الامين العام المنتهية ولايته عباس الفاسي إن لم تنتج استراتيجة المتاهة غير المعلنة فعلها المنتظر، وبذلك ستكون قلعة آل الفاسي تقارب الخطر، سيما وأن حميد شباط عقد العزم على عدم الاربعاء الماضي ندوة صحفية أعلن فيها ترشيحه بل أقسم االانسحاب من المنافسة.
علما أن الأمور سبق وأن باتت أكثر تعقيدا بعد انتقال عدوى الصراع على الأمانة العامة لحزب الاستقلال بين جناحي حميد شباط وعبد الواحد الفاسي إلى الفروع الحزبية والأقاليم، وقد شهد أكثر من مؤتمر إقليمي لانتداب المؤتمرين، الذين سيختارون أمينهم العام الجديد، خلفا لعباس الفاسي، الذي سيغادر منصبه في يوليوز المقبل، صراعات حادة وتباينات متناقضة في إشكالية خلف عباس الفاسي.سيما و أن الأجنحة النافذة في الحزب، التي تتصارع في ما بينها على الخلافة، نقلت صراعها إلى الفروع الحزبية في الأقاليم، بهدف استقطاب المناصرين. وهذا ما تأكد بجلاء في المؤتمر 16 حيث لم يبرزإلا أنصار شباط وأنصار عبد الواحد الفاسي، وهو أمر يحمل أكثر من دلالة.
إن الزعامة بعد انعقاد المؤتمر باتت الشغل الشاغل لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، ولأعضاء اللجنة التحضيرية، ولأعضاء المجلس الوطني.
وعلمت "المغربية" أن الأرضية تتضمن خلاصات تقارير مختلف اللجان، وستشكل الإطار العام للأهداف ومجموعة من الانشغالات، التي عبر عنها الاستقلاليون، مرفوقة بتصورات أجوبة كما يراها الحزب، انطلاقا من مرجعيته المستندة لفكر الزعيم الراحل علال الفاسي، ومن داخل إنجازات الحزب أثناء تدبيره للشأن الحكومي.
ويضم جناح حميد شباط، العديد من القياديين، أبرزهم حمدي ولد الرشيد، والعبادلة ماء العينين، وعبد القادر الكيحل. في حين إن جناح قلعة آل الفاسي، الذي يتزعمه عباس الفاسي إلى حين، يقدم نجل علال الفاسي، عبد الواحد الفاسي، مرشحا لمنصب الأمانة العامة.
التعليقات (0)