أصابنى الذهول عندما قرأت – متأخراً - مقالة متشنجة كتبها الكاتب ,والمفكرالمصرى الشهير أنيس منصور بعنوان " من سخافات المصريين " ونشرها فى جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 17/10/2010 وذلك رداً على ما ذكره الأستاذ هيكل فى آخر حلقات برنامجه عن حرب أكتوبرعلى قناة الجزيرة والخاص بنهاية مرحلة ووفاة الرئيس عبد الناصر ، والتى قال فيها أن هناك إشاعات كثيرة قيلت فى وفاة الرئيس عبد الناصر المفاجئة وأبدى عدم تصديقه لإحدى هذه الإشاعات وهى وضع السادات السم فى فنجان قهوة قدمه لعبدالناصر وأن هذا مستحيل لأسباب كثيرة ذكرها ، وكان رد الكاتب والمفكر أنيس منصور أن كتب تلك المقالة الغريبة وهذا بعض مما جاء فيها ( ( إن من سخافات المصريين أنهم لم يكتفوا بأن اغتالوا عظيما من أكبر عظمائهم في التاريخ: أنور السادات! وإنما فاتهم أن يجعلوه مجرما، فهذا من أسباب الهيافة.
"قالوا إن السادات قاتل.. ومن قتل يقتل ولو بعد حين. إنه حاول أن يقتل عبد الناصر بأن يضع له.. أو وضع له.. سما في القهوة".
استراح السخفاء في مصر بأن عظماءهم شهداء مجرمون.. مع أن عدد الذين استشهدوا مع السادات في الحرب يساوي واحدا على ألف ممن قتلهم عبد الناصر. ولكن السادات بطل الحرب - حقا - وبطل السلام - صدقا - يعد نموذجا رفيعا للرجل الذي نصر شعبه وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.. ولكن ما ورثناه عن أجدادنا هو تشويه الأجداد العظماء. الفراعنة كانوا يفعلون ذلك .
المصيبة أن كل الشباب في الأربعين من العمر لا يعرفون شيئا عن الحرب والسلام ولا يريدون. ويتساءلون إن كان السادات قد حاول قتل عبد الناصر.. ولا يتساءلون عن الحرب والسلام. فقد اعتادوا على المسلسلات التلفزيونية البوليسية. وأنا أعرف الكثير جدا عن سلوكيات الناس حول السادات وإليه ومنه.. وهم يرون فيه مخلّصا لبلده من ذل الهزيمة وعار الجهل..
ولكن بلاء السادات ليس كله كذلك. فهناك من لا يعرف ومن لا يهمه أن يعرف ومن يحقد عليه حيا وميتا. وشيوخ مشايخ النصب التاريخي يفبركون القصص ويتقاضون عنها أجورا عالية.. أي يبيعون مصر المحترمة العظيمة.. يبيعونها مشوهة مجرمة.. وكلما أسرفوا في تشويه مصر زادت أجورهم على ذلك.. ثم يتحدثون عن الأمانة والصدق التاريخي.
الحقيقة أنها براعة في اختراع شخصيات وهمية. يعني الرئيس عبد الناصر زعيم سياسي لا شك في ذلك. وكل الذي يقال ضده أو عنه سوف يذهب ويبقى الرجل عاليا. ولكن يبدو أن هذا لا يكفي.. فشيوخ مشايخ الطرق التاريخية في الفبركة لا يسكتون عن هذا.. بل يضيفون إلى عبد الناصر أنه لا ينطق عن الهوى وأنه مثل زرقاء اليمامة ترى ما لا نرى وتسمع ما لا نسمع.. وأنه فوق فوق البشر.. وهي إساءة له. ولكن لا يهم. فالمطلوب هو تأكيد الزعيم. ولا يجد المصريون في ذلك حرجا.. فقد قدسنا الحيوانات قبل ذلك. ، لن تمضي سنوات قليلة حتى يجيء من يقول إنه نسي أن السادات حاول قتل الشعب المصري كله بالاتفاق مع الروس بأن تلقي الطائرات الروسية عند السد العالي سموما قاتلة.. وهكذا يتخلص السادات من مشكلات مصر بالقضاء على شعب مصر. وسوف نرى!. )) . والأستاذ أنيس منصور هو الكاتب الذى قام بالتسلية والتسريه على الرئيس السادات منذ بداية طريق السلام المزعوم ويقول البعض أنه كان رفيق رياضة المشى التى كان يواظب عليها الرئيس ، وذكر منذ أيام أنه كان أحد القنوات السرية لإدارة شئون الدولة فى عهد الرئيس السادات حيث قال (( أن الرئيس السادات كانت له قنوات سرية وشخصية لإدارة شئون الدولة لا يعرف أحد عنها شيئاً وأنه كان أحد هذه القنوات لدرجة أن الكثيرين إعتقدوا أنه وزيراً للخارجيه فى عهد السادات بسبب سفرياته لإسرائيل للقاء رؤسائها والتى لم يكن يعلم أحد عنها شيئاً حتى وزير الخارجية نفسه )) ، أى أن بعض ما آلت إليه مصر الآن هو من نتاج سياسات الأستاذ أنيس منصور وأمثاله .
وفى هذا المقال أشياء غريبة ولا تليق بكاتب مثله أن يتفوه بها ، فالعنوان صادم وسخيف ولا يليق ويجب الإعتذار عنه ، فجعل سيادته كل المصريين سخفاء ، ثم يطلق سيادته على من إستشهدوا فى عهد الرئيس السادات شهداء ومن إستشهدوا فى عهد عبدالناصر فهم قتلى ، ثم يتمادى فى مهاتراته ويصف السادات بأنه " نصر شعبه وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده " ، ولا ينكر أحد دور الرئيس السادات فى حرب أكتوبر – التى كانت ستتم به أو بغيره – ولكنه ليس وحده من حارب ولكنه شعب وأمة عربية كاملة كلٌ بمجهوده وطاقاته المتاحة .
التعليقات (0)